– صادق الطائي / لندن
في امسية ثقافية احتفت مؤسسة الحوار الانساني في لندن يوم الاربعاء 25/2/2015 بالشاعر العراقي حسين قسام – شاعر السخرية والالم قدمها كاتب هذه السطور ، واذا اردنا الحديث عن الشاعر الشعبي حسين قسام الخفاجي النجفي ( 1890 م -1960 م ) فلابد ان نبتدأ بترجمة له او سيرة سريعة لحياته ، فهو حسين بن عبود القسام ، وآل قسام عائلة نجفيه كبيرة خرجت اعلاما كبارا من العلماء وهم ينتمون الى قبيلة خفاجة العربية التي وهبت العراق عددا من الشعراء والخطباء والسياسيين . الشيخ حسين قسام شخصية أثارت جدلا كبيرا في الوسطين الإجتماعي والأدبي خاصة في مدينته النجف الاشرف ، وحاول دارسون مهمون من العراق وخارجه تحليل نصوصه مرة وتحليل سلوكه أخرى وتوصل اغلبهم الى ان حسين قسام قد ابتكر اسلوبا كوميديا من ادب اللامعقول لقراءة الواقع الأجتماعي ونقده ، وممن تناوله بالكتابة نذكر ؛ جعفر الخليلى والشيخ عبد المولي الطريحي ومحمد علي البلاغي وعلي الخاقاني وهاشم الطالقاني وحميد العقابي وعبد الإله الصائغ من العراق والأستاذ حسين مروة من العرب .
وربما جاءت شهرة الشاعر حسين قسام من ديوانه الثاني (قيطان الكلام) ، فعندما يذكر اسم الشاعر امام احد سرعان ما يجيبك بـ :
قيطان الكلام اليشتري منه
طيف ايشوف جنه ابروضة الجنه
طيف ايشوف جنه كاعد ابستان
يتونس على الازهار والريحان
ياكل خوخ ياكل عنب والرمان
الحور ابخدمته لوجاع ينطنه
ماذا كتب عنه المفكر حسين مروة والاخرون :
كان المفكر الماركسي اللبناني حسين مروة صديقا مقربا للشاعر حسين قسام وقد كتب واصفا اياه ( وفي فن هذا الرجل عبقرية عجيبة اقول فن واقول عبقرية وانا اعنيهما معا واقصد معناهما قصدا دون التواء او انحراف ، وما هو الفن ؟ وما هي العبقرية ؟ أليس الفن موهبة طبيعية هي في الذهن خصوبة واتساع وقوة تخيل ودقة ملاحظة وهي في النفس شعور مرهف وانسانية صافية خيرة ! وهي في القلب رحمة وشهامة ونبل وهي في العين نور نفاذ الى ما وراء المظاهر التي يراها الناس عامة !! والعبقرية أليست قوة في هذه الخصائص الفنية جميعا اذا صحبتها جاءت بالغريب المعجب ؟ وإذا كان هذا معنى الفن وكان هذا معنى العبقرية فلم لا يكون حسن قسام الذي احدثك عنه فنانا عبقريا وهو موهوب طبيعة الفنان وطبيعة العبقري وسترى انني لا اسرف في قولي هذا ولا ابالغ !! لأن في فن حسين قسام لعبقرية عجيبة هي عندي تقترب من مقام العبقريات التي يمجدها الناس في رجال الفنون الملهمين ، غير ان مقسم الحظوظ جعل مكان هذا الرجل في مضطرب العامة فلا ترمقه العيون إلا من عل ، وصرف القدر عبقريته الى وجهة لم يسبق في مصطلح الناس ان يحسبوا البارعين فيها من ذوي العبقرية ومستحقي التمجيد والخلود ومن اجل هذه القسمة سيرى اناس انني اغلو كثيرا اذا اضفي عليه هذا اللقب الفخم وفي الحق انه وهب عنصرا خصبا من عناصر العبقرية وانتج في المجال الذي اركسه فيه مقسم الحظوظ اقوى ما يستطيع انتاجه هذا العصر في رجل من رجال الفنون الذين يمجدهم الناس وعنصر العبقرية هذا الذي ركب في طبيعة القسام الفنية هو قوة الخلق والإبتكار المرتجل ويقظة الذهن الحادة وسرعة الألتفات الى نواحي الضعف على اختلاف الوانها. والعجيب في كل ذلك مطاوعة كل جارحة في جسمه وكل خالجة في روحه لهذه الطبيعة الخصبة المبدعة ) ، وقد رد حسين قسام الفضل لهذا المفكر الذي كان موضع هجوم من البعض في النجف عندما كان طالبا في حوزتها ، فكتب عنه عددا من القصائد الطوال منها وربما اشهرها :
يحسين المروة امجانها راسك / وانت اتوصفت بيها وحكَـ باسك
بلاط العلم سوّاك وضخم راسك / وعلمك صار خزنة وكنز ماليه
حتى يصل الى طريقته الفنتازية المعروفة والتي يتميز بها شعره فيقول دفاعا عن حسين مروة :
اليكرهك إيد تطلع فوكَـ علباته / تضربه جم عجل وتمزكَـ اعباته
تهلس شاربه وتحركَـ لك امواته / بصفحة والده ايذبون سليه
سليه تصيد اضلوعه واعظامه / بإذنه ديج لاري لابس اعمامه
يو بزون طوله سطعش كَامه / لابس له انعجه وراكبله بنيه
اليكرهك اظن اسود ينكَلب لونه / كَالولي من اباطه طالعه اسنونه
امضيعلك اشفافه وبايع اعيونه / يمشي لي وره وزردومه عاريه
هذا اللي يكرهك مثله ابد ما صار/ جفوفه سندلوس وكَصته طاكَـ مدار
نوبه ايصير طياره ونوبه كار/ ويكَدر من تريده ايصير حوليه
من صرته لعد رجله تره امبنج / لا تطي اشعير الوجع يتحجج
ما بي حيل من احوايجه يعرج / أهله بين لندن والحميديه
كان حسين قسام نجم المدينة دون منازع وبخاصة الأفراح ، ولكن الحفلات العامة او الخاصة التي تقام له مجانية !، كان لا يأخذ عليها اجرا رغم حاجته الموجعة وتردي وضعه المعيشي والصحي ولكنه كبرياء الفرسان والمبدعين ، ويكفي انه صديق الملك غازي الذي كان لا يستغني عنه وبخاصة حين تشتد عليه الكآبة وصديق الملك فيصل الثاني ومرافقه الأقدم عبد الله المضايفي ، وكان اول ما يفعلانه حين ينتجعان في القصر الملكي في الكوفة هو استقدام الشيخ حسين القسام ليقيم فترة اقامة الملك وكل العائلة المالكة تهش وتبش للشيخ قسام ذي الملامح الصارمة الكئيبة والروح الفكهة العجيبة !! وكذلك كانت للشيخ القسام الحضوة لدى وزير المالية الحاج محسن شلاش والدكتور فاضل الجمالي والسيد عطية السيد سلمان العوادي والسيد عطية ابو كَلل والسيد علي الحبوبي والسيد علي المرعبي الصائغ والدكتور محمود صفوت و الوجيه السيد هاشم الشريفي وسواهم من اثرياء العراق وموسري النجف .
العلامة الشيخ عبد المولى الطريحي هو اول من كتب عن حسين قسام كما كتب عن الشاعرة فدعة الزيرجاويه وأخرين وهو اي العلامة الطريحي محقق دواوين حسين قسام يقول ( نشأ الشيخ حسين عبود قسام الخفاجي نشأة طيبة وولع منذ طفولته بالأدب العامي والظرف الشعبي حيث كان يتردد كثيرا على المآتم الحسينية والمجالس العزائية التي كانت تعقد بين آونة وأخرى في البيوت النجفية وجوامعها الدينية ونواديها الإجتماعية العامة والخاصة ويستمع الى اقوال الخطباء والشعراء التي تلقى على المنابر ويصغي الى احاديثهم الهزلية ومناقشاتهم الأدبية والفكاهية حتى ولع بنظم اللغة العامية خصوصا في القسم الهزلي واشتهر بهذا القسم ايما اشتهار وصار اسمه يذكر في كل مناسبة بتلك النوادي الهزلية والإجتماعية الظرفية حتى هيأ من نظمه مجاميع مخطوطة ومطبوعة ) ويقول المرحوم عبد الرضا محمد علي المطبعي مؤسس مطبعة الغري في النجف وناشر دواووين الحاج زاير وفدعة الزيرجاوية والمله امينة بنت الجد والملة تقية تويج وعبود غفلة وحسين قسام وآخرين ( … ومما ساعد على انتشار اللهجة العراقية اتخاذها احدى وسائل رثاء الحسين وتلاوة الهوسات فيها ساعة الهياج او الفرح والترنم بالأشعار الغزلية العامية ولم يدع الشعراء العاميون بابا من ابواب الشعر الا وطرقوه وهكذا اخذت عوامل التطور تكسبها القوة والجمال حتى استقلت العامية العراقية بحكمها وامثالها المصطبغة بألوان المحيط كآبة ومرحا وقد اغتنت الحسجة من المجالس التي تعقد لمراثي اهل البيت الكرام ومدائحهم ومنها تولد شعراء كبار واسعو الخيال عميقو الإبتكار ظفروا بالقدح المعلى في ميادين التصوير الشعري البارع والدقة التركيبية والأسلوب الدقيق الأنيق ومنهم شاعرنا الكبير الفكاهي الأستاذ حسين قسام النجفي الذي امتاز وانفرد في العراق بشعره الفكاهي الهزلي حينما تقرأ شعره يدهشك جمال اسلوبه وابتكار تركيب الفاظه الخلابة)
حسين قسام السريالي
يذكر الدكتور عبد الاله الصايغ – وهو من القلة الذين تناولوا حسين قسام بدراسة جادة – مقاربة مفادها ؛ (وقد راقت لي فكرة اعتداد حسين قسام ضمن المدرسة السوريالية فهناك تزامن بين اندريه بريتون 1896 – 1966م وحسين قسام من حيث الولادة والوفاة والتعبير !! فحسين قسام ولادة ووفاة بين 1898 – 1960اي ان بريتون جاء الى الدنيا قبل القسام بسنتين ورحل عن الدنيا بعد القسام بست سنوات !! لكن الذي قهرني هو عدم وجود وثائق تدل على صلة ما بين الإثنين ( بريتون والقسام ) مع الأسف! ثمة قوت الأرض لبريتون وثمة قيطان الكلام وسنجاف الكلام والأفكار المطلسمة للقسام !ولا احاول ليَّ عنق الحقيقة العلمية لتقارب الفرضية ! فاندريه بريتون كان متابعا يقظا لما ينجم من ادب في منطقتنا ! وقد بعث رسالة مطولة الى الشاعر المصري المغمور جورج حنين في الثامن عشر من ابريل 1936 قال فيها بريتون لحنين : يبدو لي ان الشيطان السوريالي له جناح هنا والآخر في مصر )
ومن سرياليات الشاعر حسين قسام :
لو وقع بيدي اصعدت سابع سمة
إبلا درج واركب بعيرة محزمة
امحزمة وحزامها امقوّة وتنك
بيها اريد اوصل وطيرن للفلك
واقلب البرغوث والبرغش فلك
خاطر اشتل فوقهن شجرة جمة
وبالسمة السات ارد اسوي لي فعل
اقلب الثيران تفاح وفجل
ابميل اقلبهن امعصي ومنشجل
واقلب القبطان ناقة معممة
وبالسما الخامس اسوي لي اخبار
اقلب الجاموس كله بيض فار
وباذن ارنب اردن ازرع لك اخيار
ومنه افصِّل قمر جُبْتَه امقلِّمة
……..
وشفت واحد بالسمه راكب بلم
الدواية البير والقوغة القلم
قاعد ايقيد بزازين العجم
وكل العتاوي عليه متلملمة
معذباته مدوخاته تصيح ماو
هذا تفسير الحجي يردن ابلاو
شي اصغار وشي اقصار وشي علاو
وجوهها بجعب القدر متصخمة
وشفت واحد طالع ابخشمة قرون
لا حلق عنده ولا عنده عيون
وشفت بقَّة تسحل الها ابفاركون
اذنة عمية عينة طرشة امقرعة
شفت شوفة موش فوق ولا حدر
لا هي بطة ولا هو فيل ولا نسر
لا جلج فوق السطوح ومنحدر
طلع مركب خوص طاير من حلب
وشفت واحد فوق راسه نخلة طوخ
اربع اجناحات إله واربع اجروخ
من تفوره ينقلب معجون خوخ
ومن تنسفه منه يطلع لك شعب.
الشكوى والنقد الاجتماعي :
ولشعر حسين قسام جانب نقدي اجتماعي مهم ، ربما اتاه تأثرا بمن زاملهم او صادقهم ممن يحملون الفكر اليساري او الماركسي في النجف واهمهم المفكر حسين مروة والاديب محمد شرارة وغيرهم ، وقد كانت قصائده النقدية سلسة سهلة غير متكلفة ببناء صور عالية الفنية كما هو الحال في شعر الحاج زاير الذي وصفه المستشرق الفرنسي جاك بيرك بـ شكسبير العامية العراقية ، فحسين قسام تناول الهموم اليومية في تصوير درامي يصف فيه حاله وصراعه مع الفقر المكتوب عليه ولا يستطيع منه فكاكا ، وتارة يكتب عن حال المرأة – الزوجة وما ينالها من حيف وجور مضاعف من الزمن ومن زوجها ، وفي كل ذلك نجد النفس التقدمي النقدي في شعر القسام ، والذي حاول بعض الباحثين ليه واعتبار القسام ماركسيا وشعره ثوريا ، الا ان الحق يجب ان يقال بان الرجل كان ابسط من ذلك وان الجانب الذي استهواه من الفكر اليساري هو العدالة الاجتماعية وانصاف المظلومين .
وقد كانت فكرة الدخول في عصر النور مسيطرة على الطروحات في اربعينيات القرن العشرين مبشرة الناس بالخير والحداثة والتنوير القادمين ، بينما حسين قسام قرأ الامر بشكل مختلف اذ يقول :
وحكَـ عزتك يربي استفلست آنه / مثل اكميل من كَابل الحنانه
وحكَـ عزتك يربي امخربطة احوالي / وخاف وياي يبكَه الفكَر للتالي
لازكَلي على اعباتي وعلى انعالي / ويضربني الوكت دانه باثر دانه
او في قصيدة اخرى :
هم هاي ابكتب تاريخ مذكوره / عصر النور عنه منحجب نوره
علينه الدهر كوَّر ظُلْمه وجوره / ولسهام النوايب صرت نيشانه
كَلي اشبعد منها وتخلص المده / من هذا العصر نخلص وهل شِدَّه
بشرني الفكَر يمته يذب جرده / ويمته نجلي همّ الفكَر واحزانه
لتلوم الحجه وياي ما ينلام / حربك صار ويه احسين بن قَسّام
اريد وياك احجي وارد اشك الخام / نورك غاب جنّك صرت جنكَانه
اعماله المطبوعة ونثر حسين قسام السريالي :
لحسين قسام النجفي ثلاثة دواوين وليس اثنين كما يعتقد كثير من الباحثين ، فعدا “ سنجاف الكلام “ و”قيطان الكلام” ، أصدر له حسن الكتبي ديوانا ثالثا بعنوان “ محراث الكلام” عام 1973 اي بعد وفات الشاعر بثلاث عشرة سنة ، ويحتوي هذا الديوان قصة نثرية ساخرة ذات طابع سيريالي عنوانها “ قصة أرخنة” وصدرها بانها الجزء الأول . في الديوان أيضا قصائد عن مواليد أهل البيت عليهم السلام وقصائد هزلية طريفة صدرها بمقدمات نثرية بالغة الجمال .
“ قصة أرخنة” هذه ربما كانت الأثر النثري الوحيد التي تركه ، وهي مقاربة او نوع من ادب المقامة المعروف تاريخيا وقد حاول بعض الادباء في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين بعثه كما هو الحال في مقامات المويلحي الشهيرة ، ومقامة حسين قسام تحكي بأسلوب ساخر ، مذكرات رجل يسميه “أبا طفيل الطيلساني” يسافر لقارة غريبة مليئة بالعجائب بدءا من أشكال الناس مرورا بتصرفاتهم وليس انتهاءً بالأشعار التي يقولونها .
تبدأ القصة بهذه المشاهد : “ كان رجل يسمى أبا طفيل الطيلساني رأيته في المنام يثغب ويقول دخلت الى مدينة أرخنة في زمن ظهير بن جبارة الكبشي وهي مدينة عظيمة معمورة كاملة جيدة لها أشجار وأنهار وأزهار ولها جداول ومزراع وبها فلاحون كثيرون يزرعون الشفلح الفاخر ويزرعون النيل المتجمر والعسل المتعطر ويستخرجون من مرابط العسل ماء الثوم ومن الشفلح الابريسم الصندلي ومن النيل البوتاز الحديدي وينسجون من ماء الثوم الثياب الحمر والسود والحرير المتلبد والقماش المتجمد ويستخرجون من هذه الثياب والبدر المتعطرة والمتطرزة من قشور العنبر والكافور ويجعلونها بقراريب من خوص ويرسلونها الى الهند فتشتريه تجارها ليستخرجون منها الدهونات للغذاء والمعيشة ويستخرجون منها أيضا الحليب الصافي ثم يبيعونها في الأسواق . وكانت أهل أرخنة في رفاهية من العيش في تمام الراحة والاحترام “
الحال أن حسين قسام لا يلتزم في قصته هذه بأي معايير أدبية ولا أي قواعد نحوية أو عروضية فهو يكتب ما بدا له ساخرا ربما من المعارف والآداب السائدة في زمانه . لنقرأ هذا المقطع الذي يعكس
بعض خياله الجامح حيث يلتقي البطل بكائن عجيب في شكله أغرب ما فيه أنه طويل البطن كما يقول : “ يقول أبا طفيل الطيلساني بينما أنا أتمشى في شوارعها أذا بشاب حسن الصورة كبير السن رقيق الجبين دقيق العظم طويل البطن عريض المنكبين غليظ الشفتين له أربع شامات الأولى من عمود خده إلى سرته والثانية من قدمه إلى ساقه والثالثة من زنده إلى صدره والرابعة من الأذن إلى الأذن وصفات هذا الشاب جرع مرع ورع له من العمر ألف دقيقة وكل دقيقة تحتوي الف ساعة وكل ساعة تحتوي إلى ألف يوم وكل يوم يحتوي ألف أسبوع وكل أسبوع يحتوي ألف شهر وكل شهر يحتوي ألف سنة من سنين الفراشة وهذا الشاب من عفاريت الطعوس وهو شجاع يباشر الحروب الصامتة المتعلقة على معاني الإفهام . قال رعد بن سندلوس الشيباني متغزلا بهذا الشاب :
يا نمير الخد يامن أزهرت فيك المثالا
يا ظلام واقتحام وابتسام واعتزالا
لك رسم من هبوط وارتفاع وانتزالا
لك في الأرنب معاني من محاسين االغزالا
ومن الدعلج ريشا يشبه الرمي النبالا
أيها القاسي رويدا سترى أين الزلال
طحن الغنج عظامي من قلاقيل الدلالا
لعب السرج زمانا من مزامير الزبالا
ومن نثر حسين قسام السريالي لابد ان نذكر رسالته الشهيرة التي رد بها على احد هواة ادبه من الوجهاء الأثرياء البخلاء في مدينة النجف ، الذي كتب الى حسين قسام معلنا إعجابه بموهبته الشعرية الكبيرة ودعمه لهذا الشاعر قائلا أن اطلب مني اي شيء ايها الشاعر العظيم وأعدك امام الله أنني سأنفذ لك اي طلب تطلبه مني ولكن فقط لا تطلب مني نقود !! اطلب اي شيء سوى النقود !! فأجابه حسين قسام برسالة تاريخية جعلت الثري البخيل عبرة لمن يعتبر !! فقد طلب حسين قسام في رسالة جوابية من البخيل طلبات عديدة ولم يطلب نقودا !! اما هذه الطلبات فهي :
اخي وعزي وفخري وملاذي ياصاحب الكرم التام والبدر التمام والمحبة والأكرام !! بعد السؤال والإستفسار عن صحة ذاتك الرارنجية واخلاقك المرضية وعيونك الكهربائية وصلنا كرمك في شهر طير وطار شكَـ ابحار لا له ريش ولا منكَار !! .
ثم يا اخي ارجو من احسانك تنخالي فضلك على لطفك يبعث لنا خصافة دهن امهبش مارسيلي مع طول سكنجبيل مجروش سيالي نمبر وان من شغل عبادان يكون الذراع نص قران وتبعث لنا درزن هنود سودان بزوني شغل عال مو دوني وتبعث لنا كَونية اصفهانية من اهل الحياضية شغل الصليجية قيمة الوحدة نص ربية انريدهم لأجل روازين البيار حتى لا يطب الماي للغرف من حيث المرازيب يضرن الطارمة من الشمس وقت المطر وتبعث لنا عشرين قرابة بيذنجان يكون ست الوان لأجل تربيع البيبان حتى الفي لا ايصير بالليوان خاطر نضبط عتبة باب الخان وتبعث لنا كَيشة فجل فنطازي لأجل شباج سطح البير حتى لا يطيره الهوه وتبعث لنا سرداب سفري لاستيك إله خمسين درج مربع ابقرص النعناع وتبعث لنا قوطية حبوب جينكو يكون سداهن من تنك جاوي من الطول طول الواحد متر والعرض ميتين وستين مربع على امثلث حتى الحرمس والبرغوث لا يخش بيه من حيث الجراد أكل الحيطان وتبعث لنا صندقجة إكَطين رشتي امشيرز بجبنتو على اكَموع بيذنجان وتبعث لنا كَشور لبن مصقول سحاري لأجل البناية لا تخرب وتبعث لنا تنكة جنكل انريد انبيض بيهن الكَدور حتى الطرشي لا يجمد وتبعث لنا حمام خوص حدادي من حيث طاحت علينه حدرة بدو كبيرة حتى يسبحون بماي تمر هند والجنس الذي ناظمة بالشعر كله تبعثه بالعجل اما انا فسوف ابعثلك حواله بيد موش معروف لا انته اتعرفه ولا آنه اعرفه ولا كل واحد يعرفه والحواله ابعثها اقساط كل قسط اثمانين اسبوع من الفلوس وازيد من هذه ما اذكر لك يامسكين وهذا الجنس كله لفّه بوصله كَمر الدين
لو يجيك الخط يكتكت لا تحير /لا جن اترجاك ابعثلي بعير
ارد احمله حواش مبنيه ابكَراد / ارد احملهن وادزهن لبغداد
ارد احط بيهن وترسهن جراد / ولا تكَلي هذا كله مايصير
وبعد اترجاك ودي لي جحش / بالعجل دزه وحط فوكَه كرش
ياحبيبي افلوس اقبض من دبش / ودبش عدكم هل وكت ماهو فقير
ودزلي ساقو ياحبيبي من الجزر / وزخمة فصلِّي سريع من المطر
عبايه بيضه حوكلي من الشكر / ودزلي بغله منقشه حمره وتطير
واربع اطرامات دزلي من فجل / ودزلي قوزي طويل وثوير وعجل
ارد احملهن وادزهن للجفل / وارد اعليهن ابوايكَـ من شعير
ودزلي حوض احديد اريدن من جمه/ ودزلي ناكَه عريضه كون امقلمه
ودزلي بوتين عليه صخله امحزمه / لا جبير ولا عريض ولا زغير
وبعد وديلي فرد كوسج عدل / دزه وحده لا تجتفه بالحبل
عيون عنده كون يمشي بنص رجل/ طوله الف ذراع ما ريده جبير
ودزلي هندي وعجمي ومعيدي عريض / ودزلي دب وفيل اريدنه يبيض
جلاب سود اثنين دزهم كون بيض/ واحد اعمه اعيون والثاني ضرير
ودزلي ثوب مبطن بوصله شمس / ودزلي ثور ادرع وماريده نحس
بالعجل دزه يكتكت عل جنس / حمله بعدول حطه اعله الحمير
ودزلي حوش احديد وادناكَه صفر / ودزلي كَونيه خشب لأجل الجسر
ارد اكَوم ابني وعمرلي قصر / وارد اسوي القصر كله من حرير .
يـاعزيزي بالعجل دزلي جنس / مــــاي كونيه وخصافة شمس
واربع كواني من كشور الدبس / وألـــــف ناكه حطهن بقوطيه
ألف ناكه حمــــر ماريدن عشم / دزهن عرايـــه وحطلهن حزم
ودزلي ثـــور عتيك أغبر يفتهم / يعارك البرغـــــــوث بالبريه
ودزلي ابو الجنيب شايلّـــه بعير/ ودزلي دب مكمط بوصلة حصير
وجمل دزلي كون بجناحه يطير / بـــي مراجل مــــــا أريده بليه
نوادر ومقالب حسين قسام المشهورة :
وعند ذكر حسين قسام لابد من ذكر جانب مهم من شخصيته الا وهو المقالب ، ان نوادره ومقالبه كانت حديث الناس تلك الأيام ومادة سمرهم ومنها على سبيل المثال :
* قيل أنه وقف وسط الشارع ذات يوم وأشار الى إحدى السيارات المارة طالبا من السائق الوقوف،وعندما توقف السائق قال له متسائلا:عندك خرده دينار؟ أي لديك صرف دينار،وكثيرا ما تعرض للأهانة والسب جراء هذه المواقف فيتقبلها بروح رياضية.
* ودخل مرة أحد المقاهي التي لا يعرفه صاحبها وعندما جاءه صاحب المقهى سأله:عندك شاي «تازة» أي جيد فقال صاحب المقهى نعم ،فقال وهل هو جديد لم يبق على النار طويلا فرد عليه بالإيجاب،عندها سأله :هل وضعت عليه الهيل ،فقال له نعم فرد عليه(بروح أبوك جيبلي حامض) أي هات لي حامض.ولا تسل عما لاقاه من صاحب المقهى الذي أعتبره يسخر منه.
* ومن طرائفه الذائعة أنه كان سادنا لمقام النبيين هود وصالح،وكان يزور المقام الكثير من الزوار فيحصل على أعطياتهم ونذورهم ،ولكن روح النكتة التي جبل عليها تدفعه لصنع بعض المقالب،وذات يوم جاء مجموعة من الأعراب لزيارة المقام ،وجلسوا في ركن منه،وعندما شاهدهم حسين جلب كمية من الحلاوة مع أقراص خبز ووضعها قريبا منهم وجلس في مكانه ينظر إليهم بين حين وآخر،وعندما شاهد هؤلاء الأكل ظنوا أنه من النذور التي جلبها الزوار ،فاقبلوا عليه وأكلوا منه طلبا للبركة ،وبعد أن انتهوا من الأكل قام حسين قسام وهو مضطرب وجل وسأل صاحبه الذي يعلم بالحيلة،أين الطعام والحلاوة التي كانت في هذا المكان فقال له لعل أحد الزائرين قد تناولها ،فقال له حسين وقد أصفر وجهه وزاد اضطرابه تلك أذن كارثة لأني قد وضعت السم مع الحلاوة لقتل الفئران التي تعبث بالمقام،وكان الأعراب يستمعون لما يقول ،فأصابهم الخوف والوجل واصفرت وجوههم، وأفرغوا ما في بطونهم ،وأشرف أحدهم على الإغماء ،عند ذلك أخبرهم بالحقيقة وأنه يضحك معهم.
* ومن طرائفه الأخرى مع الزائرين ،انه جاء ذات يوم بعض الهنود لزيارة المقام ،وكان حسين يرتدي العمامة حينها ،وكأنه من كبار رجال الدين ،فطلبوا منه أن يقرأ لهم الدعاء المخصوص،ولأنه في أكثر الأوقات جدية لا يفارقه المزاح،فقد وقف أمامهم وتوجه نحو المقام وأخذ يقرأ الدعاء وهم لا يفقهون كلامه وكان دعاؤه:
السلام على ألحنانه
والسلام على المنانة
وأنعل أبوكم لا أبو الجابكم مناك لهنانه
* وقيل أنه كان ذات يوم في مدينة الكاظمية المقدسة ،فدخل أحد الحمامات العامة ،وبعد أن أغتسل بحث عن ملابسه فلم يجدها ووجد محلها ملابس جديدة لأحد (الجلبية) فظن أنه مقلب عمل معه ،فارتدى تلك الملابس ووضع الكشيدة على رأسه والحذاء الجديد في قدمه وخرج منتظرا أن يبادر أصحاب المقلب لإعادة ملابسه ولكن لم يظهر أحد وأنتظر أكثر من ساعة وهو يسير في المدينة دون أن يأتيه أحد ،وظل يرتدي تلك الملابس الراقية لأكثر من عام.
* وفي احد الايام جاء الشاعر القسام الى بغداد لقضاء بعض الامور وبعد ما انتهى من عملة وكان الجو صيفا وحار جدا قرر العودة الى النجف وكان في حينه يلبس عمامة بيضاء وعندما وصل الى كراج النجف صادفه شخص يحمل بيده رسالة يريد احد يقرائها له فقال لحسين القسام شيخنا ممكن تقرالي هذه الرسالة فرد عليه حسين القسام والله اني ما اعرف اقره فقال له الرجل صاحب الرسالة شلون متعرف تقره وانت لابس عمامه هلكبرها فرفع حسين العامة من فوق راسه ووضعها على رأس الرجل فقال له حسين القسام انت اقره هسة انت لابس العمامة .
لماذا لم يحض القسام بالشهرة :
يقول الكاتب العراقي محمد غازي الاخرس في موضوع كتبه عن حسين قسام ( خيال حسين قسام الجامح وصوره السيريالية العجيبة هما اللذان خلداه في ضمير التراث الشعبي بحيث حاول عشرات الشعراء تقليده ومنهم الملا عبود الكرخي) وقد كان الكرخي مجايلا للقسام ، وقد حضي الملا عبود الكرخي بشهرة اوسع بكثير من القسام ربما لوجوده في بغداد والقسام كان في النجف وربما لان الكرخي عمل في الصحافة فكان ان عرف اكثر وربما لان العديد من قصائده لحنت وتحولت الى اغانب مشهورة ربما كان اشهرها قصيدته المجرشة التي غناها القبانجي ويوسف عمر ، ويضيف محمد غازي الاخرس ؛( لقد سار الكرخي على منوال حسين قسام في كثير من التحف وهذا محور مهم يحتاج دراسة تليق بالشاعرين الكبيرين ).
واخيرا :
حتى الموت لم ينج من سخرية القسام وهذا ما نفرأه في قصيدته (وصيّه الميّت ) الشهيرة :
بطلوا من البواچـي لا تخرعونه
ميتكم فطس ومبحلج أعيونه
وصّه أجبيّر وشمخي على التنور
وگاللهم بعد عندي عجل مكسور
وگاللهم بعد عندي هويشه وثور
للخطار ثوري لا تذبحونه
وعندي بعد خنجر ماكو بيه أگراب
وعندي طاكَ رحه ومعجنه وجراب
وعندي أجاجه عوره وعندي تسع أچـلاب
وعندي چـلب أعرج لا تبيعونه
وعندي بيت بردي ماعليه أحصير
لو گـام الهوه كل الحنايه أتطير
وعندي تانكي بي چـنت احط اشعير
أمزرّف والتنـكــچـيّه يلحمونه
وعندي جرد قوري بغير بلبوله
مو سكسون محد شايف اشـچـوله
يخر من صفحته لوهيّس أبلوله
خلوه بثوابي لا تكسرونه
وعندي جرد دوشك خذته ربيّه
شغل بيروت جبته من الصليـچـيه
وعندي حزام بردي وجرد صينيه
وعندي صخل أعشم لا تجوعونه
وعندي ميجنه وجاون وجرد الحاف
شريته العام من أجبير النداف
أبدال الگطن حطوله ورك َصفصاف
للخطـــــــــــار يا ولادي تخلونه
وعندي شماغ شعري مشتريه بفلوس
بصندوگي مطّركَ بعده ما ملبوس
وعندي كحل صافي جايبه من ( الروس )
بثوابي للأريمد كحلوا أعيونه