صادق الطائي –
ضيفت مؤسسة الحوار الانساني بلندن يوم الاربعاء المصادف 11/ 3/2015 الدكتور محمد الموسوي في امسية ثقافية تحدث فيها عن حالة التعليم العالي في العراق وخاصة في مجال الهندسة من خلال معايشتة العملية في التدريس في احدى اقدم الجامعات العراقية ، كما تناول المحاضرالموقف الحقيقي تجاه عودة الكفاءات العراقية والعراقيل التي تعترض عودتهم.
والدكتور محمد الموسوي حاصل على شهادة الماجستير في الهندسة الميكانيكية من الجامعات الالمانية وشهادة الدكتوراه من بريطانيا ، عمل في البحث والتدريس في الجامعات العراقية كما عمل لفترة تقارب الربع قرن في الجامعات البريطانية وقام بنشر ثلاثين بحثا في المجلات العالمية العلمية .
ابتدأ الدكتور الموسوي محاضرته بمحاولة وضع اليد على المشاكل التي تواجه الكوادر العلمية في الاكاديميات العراقية في محاولة لفهم ازمة التعليم العالي في العراق . وقد اشار الى ان الطلبة العراقيون متعطشون للتعليم الا ان هنالك العديد من الاشياء والمناهج الناقصة في المؤسسة التعليمية .
عودة الكفاءات
منذ سقوط النظام السابق وما جلبه هذا السقوط من اشكالات وتعقيدات للبلد ، حاول العديد من الاكاديميون الذين يعيشون في المنافي العودة الى الوطن للمساعدة في اعادة بنائه والنهوض به من الحالة المزرية التي وصل لها ابان سنوات الديكتاتورية والحصار الظالم، لكن يجب ان نبين ان الطموح شيء والواقع شيء اخر ، واشار الدكتور الموسوي الى انه كان من الممكن الاستفادة من خبرة الاف من الخبراء الذين حاولوا العودة والمشاركة في اعادة بناء الوطن لكن العقبات التي واجهتهم كانت كثيرة والتي تبدأ بروتين قاتل يحول دون معادلتهم لشهاداتهم وصولا الى اتهام بعض القائمين على مؤسسات التعليم العالي للعائدين بأنهم انما جاءوا لغرض مادي او مكاسب سريعة سيحصلون عليها وينافسون الكوادر الموجودة في العراق اصلا,
مشاكل معادلة شهادات العائدين كانت تستغرق من عام الى عامين وعندما تتم فانها قد تكون بدرجة اقل كما ان دوائر المعادلة تطلب وثائق من العائد قد تكون تعجيزية او يستغرق اشهرا للحصول عليها كما انه لم تكن هنالك جهات تدعم او تسهل امور العائدين الحياتية والاكاديمية ، بالنسبة لي عادلت شهادتي ورجعت للخدمة ، لكن دائرة البعثات كانت ترفض العديد من الشهادات دون وجود لوائح او ظوابط تحدد العملية انما يترك الامر لمزاج الموظف المختص الذي يتحكم بالامر.
لقد طرحنا المشكلة اكثر من مرة وفي العديد من اللقاءات والمؤتمرات التي جمعتنا مع مسؤولين كبار في التعليم العالي منهم الوزير السابق والوزير الحالي وشرحنا لهم عقبات عودة الاكاديمين الى العراق ، وهم بدورهم وعدوا بتذليل العقبات امام من يرغب بالعودة ، لكن الامر لم يتجاوز الوعد الذي لم يطبق منه شيء، وقد كانت هنالك حالة من التوتر بين ما عرف بثنائية ( الخارج – الداخل) وما زاد الطين بلة ان العديد من الفاسدين والمزورين والمحتالين عادوا الى العراق وشوهوا صورة الاكاديميين الحققين الجادين مما ترك انطباع سائد في الداخل وصورة نمطية للعائد بانه محتال وانتهازي ويحاول ان ينال المكاسب دون وجه حق.
مسألة فساد الكوادر التي كانت مهاجرة اضافت الى مأسي الوطن مأساة اخرى ، فقد ذكر الاستاذ علي الاديب وزير التعليم العالي السابق انهم ظبطوا اكثر من عشرة الاف شهادة مزورة مقدمة للمعادلة في دائرة البعثات ، وفي هكذا حال كيف يمكن ان يتعامل من في الداخل بثقة مع من قدم من الخارج،وعلى الصعيد الشخصي ذكر الدكتور الموسوي بانه عندما عاد الى العراق قد حاول مع العديد من الزملاء في تقديم ما يستطيع لخدمة التعليم العالي، ثم قال ؛ وقد ساعدني كثيرا الاستقبال الايجابي الذي لمسته من الجامعة التي عدت للعمل بها ( جامعة البصرة) ، لكن هنالك مشاكل الروتين والمركزية المفرطة التي تمسك بزمام الامور في المؤسسة التعليمية في العراق، كما ان تعامل الوزارة مع الجامعات كان سيئا جدا والبيروقراطية فظيعة والبطالة المقنعة مستشرية في مفاصل كل دوائر الدولة والتعليم العالي جزءا من هذه المؤسسات .
يتطرق د. الموسوي الى تجربته الشخصية ، فيقول كان عندي مصادر وكتب عكفت على اقتنائها والاستفادة منها في حياتي العملية في بريطانيا ، وكلها مصادر حديثة ، ومن منطلق احساسي بالمسؤولية ومحاولة تقديم بعض الجهود لرفد الحياة الاكاديمية في العراق بما يدعمها ، قدمت 1000 مصدر حديث ، كهدية لجامعة البصرة التي اعمل فيها وطلبت منهم فقط التنسيق من اجل نقلها من بريطانيا الى العراق ، وقد رحب القائمون على الامر بهذه الخطوة ، لكن الروتين والبيروقراطية القاتلة حالت دون تقدم الامر ، وبعد ان يأست من اي خطوة ممكن ان تقوم بها الجامعة ، تكلمت مع المستشار الثقافي العراقي في السفارة العراقية في لندن ، وعملت على الاتصال ببعض المؤسسات الخيرية لنقل 2 طن من المصادر من لندن الى البصرةمع فهرستها وتبويبها على قرص مدمج مرفق مع الشحنة . وفعلا وصلت الشحنة الى الجامعة عام 2010 وعندما عملت في الجامعة عام 2011 بحثت عن المصادر فوجدتها ما تزال في صناديقها في غرفة لخزن المهملات في قسم الهندسة الميكانيكية، لم يكلف احد بجردها وادخالها الى مكتبة قسم الهندسة الميكانيكية او مكتبة كلية الهندسة ، سألت عن القرص المدمج المرفق مع الشحنة وعليه فهرسة كاملة للكتب فعلمت انه قد فقد ، وعندما قمت بالقاء نظرة على مكتبة القسم ومكتبة الكلية وجدت ان احدث مصادر متوفرة في المكتبات تعود الى حقبة السبعينات عندما كنت ادرس في الجامعة ، فتسائلت اذا لماذا هذا الاهمال المتعمد ؟ وان المصادر الحديثة في الكليات العلمية تمثل العمود الفقري للبحث العلمي القائم على التواصل مع مراكز الابحاث والجامعات العالمية ، لكن حالة من الاهمال واللامبالاة تسيطر على الحياة الجامعية وتكاد تقضي عليها.
لقد اثرت حقبة الحصار الظالم الذي طبق على الشعب العراقي اسوء تأثير على الحياة الاكاديمية وعزلها عن الاتصال بالعالم لفترة امتدت لثلاث عشرة سنة ، لكن استمرار المأساة واضح منذ 2003 ولحد الان ، فالدراسات العليا فتحت على مصراعيها دون التمسك بالضوابط العلمية المطلوبة في الحياة الاكاديمية ، والاقبال الكبير على الدراسات العليا يكاد ينحصر في الحصول على الدرجات العلمية التي سوف تؤهل حاملها للحصول على وظيفة دون الاهتمام بالمضمون العلمي والاكاديمي للدرجة الوظيفية او للشهادة التي يحملها الشخص ، كما ان حالات الاستثناءات في التنافس في القبول في الدراسات العليا مازالت موجودة على قدم وساق وتذكرنا في ما كان يحصل ابان النظام السابق واستثناءاته التي كان يمنحها للقريبين من النظام ، وهذا مايجري اليوم وفق نظام محسوبيات وفساد اداري يشمل ليس مؤسسات التعليم العالي فقط بل كل مؤسسات الدولة.
واشار الدكتور محمد الموسوي الى اهمية زيادة البعثات الدراسية الى الخارج وهو ما معمول به الان فـحوالي 4000 طالب مبتعث على نفقة الدولة كما يوجد حوالي 16000 يدرسون على نفقتهم الخاصة في شتى بقاع العالم ، لكن ان سألت اي مسؤول في دائرة البعثات عن خطط البعثات ومنهجية العمل بها ستجد ان لاخطة توجه البعثات وانما هنالك فوضى ومحسوبية في هذا الامر الخطير الذي يكلف خزينة الدولة ملايين الدولارات دون تخطيط، وان من ابسط المحددات في حالة كحالة العراق ، هو التركيز على الدراسات العلمية وتأجيل او تقليل الدراسات الانسانية ، لاننا نحتاج الان الى نهضة علمية تعوض ما فات من سنوات القطيعة التي فرضت على العراق اما العلوم الانسانية فالمفروض ان الجامعات العراقية هي التي تتكلف بها على الاقل في الفترة الراهنة.
كما تجدر الاشارة الى التوسع الافقي الكبير في عدد الجامعات الحكومية والخاصة التي افتتحت حتى في الاقضية دون تخطيط او دراسة منهجية علمية لانشاء الجامعات مما يزيد حالة الفوضى في التعليم العالي، كما اشار د. الموسوي قائلا ؛ احب ان اركز في موضوع التعليم العالي على الدراسات العليا في الجامعة حيث درست طلبة الماجستير والدكتوراة في كلية الهندسة – جامعة البصرة ، الحقيقة ان حالة الدراسات العليا مزرية ، فالمصادر غير متوفرة والمختبرات مازالت على حالها منذ الستينات عندما كنا تدريسين في بداية حياتنا الاكاديمية وحتى على صعيد الخدمات اليومية البسيطة مثل نادي الطلبة البائس والحمامات الكارثية وغير الانسانية وعدم وجود مكتبات اوقاعات مطالعة بالمعنى الاكاديمي وخدمة الانترنت المقطوعة بسبب معاملة روتينية لم يتابعها موظف مهمل، كل ذلك يقود الى حالة كارثية تمر بها الدراسات العليا بشكل خاص والتعليم العالي في العراق بشكل عام .
واختتم الدكتور محمد الموسوي محاضرته ببعض الخلاصات للنهوض بواقع التعليم العالي في العراق مؤكدا على اهمية الاهتمام بالتفاصيل العلمية في الجامعات من الورش الى المكتبات الى توفر خدمات التواصل والانترنت وتوفير روابط مع جامعات العالم ، كما يجدر الانتباه الى البطالة المقنعة التي اصابت الكادر الجامعي بالترهل دون الحاجة الحقيقية كما يجب الاهتمام بالكادر الجامعي ومتابعته بالدورات التطويرية ومنهج التعليم المستمر لتطوير الكوادر وعدم تركها على حالها ومعلوماتها التي تعود الى عشرات السنيين ، كما يجب الاهتمام بموضوع المناهج وتطويرها لمواكبة ما وصل اليه البحث العلمي في العالم .
وفي ختام المحاضرة اجاب الدكتور الموسوي على اسئلة ومداخلات الحضور مغنيا موضوع المحاضرة المثير للنقاش.