د. حميد الكفائي
في عصر يعتمد النجاح فيه على توفر الثروة، لا يوجد أثمن من الزمن، فمن استثمره في تعلم الجديد وتحسين الأداء، فقد صنع لنفسه ومن حوله ثروة لا تنضب، وأسّس سعادة وطمأنينة تشعّان حباً على الآخرين واستقراراً وتماسكاً في المجتمع.
صحيح أن الثروة يصنعها العمل، لكن الزمن يصنع الثروة إن استُثمِر بشكل صحيح، فقد يعمل أحدنا لثماني ساعات، أو عشر يومياً، ويكسب ما يكفيه من المال، لكنه إن لم يحسن استثمار الوقت في تطوير مهارته، كي يجعل من أدائه أفضل وإنتاجه أجود، فإنه سيهدر حتى الثروة التي كسبها وأمضى في صناعتها زمناً طويلاً.
تنظيم شؤوننا يوفر لنا وقتاً يمكننا استثماره في تطوير حياتنا وزيادة معارفنا وتطوير مهاراتنا، وكثيرون منا يبدِّدون الوقت دون قصد، إما في البحث عن أشياء لم يحسنوا خزنها، أو معلومة لم يتقنوها حين تعلُّمِها، أو حتى في الترفيه عن النفس بسبب الشقاء الذي نصنعه لأنفسنا عبر إهمالنا تنظيم شؤوننا. كثيرون لا ينسجمون مع الجديد، فيبقون ملتصقين بالقديم الذي يهدر الوقت والجهد.
كثيرون يتململون من إمضاء الوقت اللازم لقراءة التعليمات وتعلم كيفية الاستفادة القصوى من الأجهزة والمعدات والبرامج والتطبيقات الجديدة، فيحاولون استخدامها عبر التجريب العشوائي، فيسيئون استخدامها، ويبددون وقتهم وطاقاتهم، وربما يتسببون في عطبها فيضطرون لشرائها مرة أخرى.
مقتنيات العصر وأجهزته المتطورة في كل مجال وفرت علينا الكثير من الجهد والوقت، ومكنتنا من أن نصبح أكثر ثراء وسعادة، ووفرت لنا الوقت الذي يمكننا أن نستثمره في المفيد، لو أننا أجدنا استخدامها وعرفنا وظائفها، لكن كثيرين منا لا يحسنون استثمار الوقت، فيبددونه في غير المفيد، ويتبعون عادات غير نافعة، وبعضها ضار، ويواصلون العمل وفق نظم قديمة بطيئة.
الوقت هو أثمن رأس مال يمتلكه المرء، فحياته كلها محددة به، فإن أضاعه وبدده بالتكرار وإعادة تدوير القديم وغير المفيد، فإنه سيخسر الزمن وبذلك يخسر جزءاً مهمّاً من حياته، ويتسبب في إلحاق الأذى بمن حوله.
إن السبب الرئيسي للتفاوت الحاصل في تطور الأشخاص هو الانتباه لأهمية الزمن والسعي لاستثماره بتعلم الجديد، والتفكير باستراتيجية ناجعة لمواصلة التطور، واستثمار الوقت في تعلم الجديد والمفيد يوفر الجهد والمال، ويعزز الثروة، وكلما ازدادت المعرفة قلت الأخطاء، وتقلصت المتاعب، وزاد إتقان العمل وعمَّت السعادة.