يدور نقاش مستمر حول التنافس الدائر بين تويتر والصحافة. لكن في الحقيقة أن ما بينهما ليس تنافسا ولكن تداخلاً.
تويتر يتغذى جزئيا على ما تقدمه الصحافة، والصحافة تنعش نفسها من خلال القضايا المطروحة في تويتر. يكفي أن نعرف أن أبرز القضايا التي تناولتها الصحافة في الفترة الأخيرة بدأت من تويتر. ولكن في الوقت الذي يملك تويتر بطبيعته التفاعلية القدرة على المواكبة المستمرة، يبدو أن هذا الأمر بحاجة إلى بذل مزيد من الجهد من قبل الصحافة.
ولكن بسبب هذا التداخل تم طرح السؤال الخاطئ وهو “كيف يمكن للصحافة أن تنافس تويتر؟!”. هذا السؤال قاد إلى إجابات خاطئة أعقبها بالطبع تطبيقات خاطئة. واحدة من هذه التطبيقات هي محاولة العديد من وسائل الإعلام تقريب الخطاب الصحافي إلى الخطاب السائد في تويتر وكذلك الاستعانة بخبرة أهل تويتر في الصحافة وكلها محاولات لم تنجح.
ليس صحيحا أن أسلوب تويتر المختصر المكثف صالح للاستخدام في الصحافة ولن يكون بمقدور أحد نجوم تويتر أن يكسب اعجاب قراء الصحيفة. العكس صحيح أيضا.
أخيرا اشتكى لي أحد الكتاب المعروفين من عجزه عن اكتساب متابعين في تويتر وتساءل عن السبب وراء ذلك. الجواب كان سهلا وهو أن لكل من الصحافة وتويتر شفرته الخاصة. يتداخلان ولكن لكل منهما طبيعته المختلفة.
ولكن السؤال الصحيح المفترض طرحه هو “كيف يمكن للصحافة أن تنعش وتطور نفسها من خلال استخدام الأدوات الصحافية نفسها؟!. الإجابة على هذا السؤال ليست سهلة على من عمل بالصحافة وعرف المزاج المتقلب والصعب للقارئ.
وبالطبع هذا المزاج أصبح أصعب مع وجود الكثير من البدائل المسلية. ولكن بالتأكيد يمكن القول إن الجودة ستظل هي الحل السحري. الجودة في الصحافة تعني تقديم أحدث الأفكار والمعلومات سواء من خلال المقالات أو التقارير أو التحقيقات. لو لاحظنا فإن أكثر كتاب الرأي متابعة ونجاحا، مثلا، هم الذين يحافظون على جودة مقالاتهم من خلال الأفكار المتجددة والرؤى الفريدة وبالطبع الصياغة الجميلة. النيويورك تايمز تعتني بمثل هذه الجودة الصحافية وتعرف أنه أسلوبها الوحيد في الحفاظ على متابيعها وهي تنجح في ذلك لحد الآن.
ولكن هذه الجودة أيضا تعني العصرنة الرصينة وهذا ما يمكن أن نراه من خلال المدونات التي بدأ يكتب فيها أبرز الكتاب وباتت تتابع حتى أكثر من مقالاتهم الأصلية (مثلا متابعو الكاتب فريد زكريا في مدونته على سي أن أن أكثر من متابعي مقالاته في مجلة التايم).
الفكرة هي أن الصحافة تطور نفسها بالاعتماد أكثر على نفسها ومن الخطأ الاعتقاد أن محاولة “توترتها” سيجعل منها عصرية.
في الواقع سيؤدي إلى إضعافها وتنفير القراء منها تماما بذات طريقة الصحافة التقليدية عندما تقوم – وكأنها تتعمد ذلك – بتطفيش متابيعها الواحد بعد الآخر.
ممدوح المهيني
صحافي وكاتب سعودي