صادق الطائي إستضافت مؤسسة الحوار الأنساني بلندن يوم الاربعاء المصادف 17 تموز/يوليو 2019 د.عبد الله الموسوي في أمسية ثقافية سلط فيها الضوء على تدني الواقع التربوي في العراق وسبل الارتقاء به.. بناء على دراسة ميدانية قام بها وعلى ضوء بعض التجارب العالمية المعاصرة في اليابان، المانيا، سنغافورة وفنلندا.بعد ان كان العراق يتمايز عن دول الجوار في المستوى التعليمي المتقدم ، وعرج الضيف في حديثه على دور تغير الانظمة الحاكمة في انهيار الواقع التربوي نتيجة تغيير المناهج وانحسار التعليم الالزامي ومحو الامية وتعليم الكبار الذي شهدته حقبة السبعينات من القرن المنصرم. والدكتور عبدالله الموسوي حاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة ويلز(بريطانيا)1990،عمل رئيسا لقسم العلوم التربوية والنفسية /كلية التربية جامعة بغداد،كما شغل منصب رئيس الجمعية العراقية للعلوم التربوية والنفسية، وقد اشرف خلال رحلته الاكاديمية في عدد من الجامعات العراقية على العديد من رسائل الماجستير الدكتوراه، ونشر اكثر من (50 ) بحثا في دوريات محكمة ، وقد منح جائزة المعهد الدولي للبحوث التربوية / واشنطن عام 2009. وقد صدر له مؤخرا كتابان: أسس التدريس الناجح وببليوغرافيا العلوم التربوية والنفسية. ابتدأت الامسية بعرض فيلم وثائقي قصير عن التجربة الفنلندية في تطوير التعليم ثم تحدث الدكتور الموسوي مبينا مفهوم (التدني)، وقال ان هذا المفهوم يعني بضمن ما يعني اننا كنا في مستو عال وانحدرنا الى ما هو اقل منه، فكيف حصل ذلك؟وما هي الاسباب التي ادت الى هذا التدني؟ وما هي طرق معالجة ذلك؟ اي اننا سنقدم استعراضا تاريخيا لما كان عليه حال التعليم في العراق ثم سنتناول اسباب التدني والتدهور،ومن ثم سنحاول تقديم ملخص بما يمكن عمله لمعالجة هذه الظاهرة الخطيرة. مقدمة تاريخية اشار الموسوي بالقول؛ للتعريف التاريخي بواقع التعليم العراقي اقول إن سليمان فيضي قد إفتتح أول مدرسة تعمل وفق النظام الحديث عام 1906 في ولاية البصرة، وفي نفس السنة أشرف الوجيه البغدادي جعفر ابو التمن ومعه نخبة من أثرياء بغداد على افتتاح مدرسة في بغداد، وفي عام 1908 تم افتتاح مدرسة الحقوق وتم الاعتماد على الاساتذة العراقيين الذين لم يكن عددهم كاف كهيئة تدريسية فتمت الاستعانة ببعض الاساتذة من الاستانة، وقد تطورت هذه المدرسة بعد ذلك لتصبح في 1935 كلية الحقوق وقد تم جلب اساتذة من الشام ومصر بالاضافة الى الاساتذة العراقيين للعمل فيها وكان من ابرز من درس في كلية الحقوق عبدالرزاق باشا السنهوري من مصر الذي يعد من ابرز فقهاء الدستور في العالم العربي بالاضافة الى العديد من الاساتذة الاكفاء في مجال تخصصهم، ثم توالى افتتاح الكليات في مختلف الاختصاصات، فبدأ من الحقوق عام 1908 مرورا بدار المعلمين العالية عام 1923، الطب 1927 حتى الخمسينات عندما افتتحت كلية الزراعة وكلية الطب البيطري في ابي غريب، لتنشأ عام 1957 جامعة بغداد من تجميع كل هذه الكليات، وقد رأس الجامعة ثلاثة من علماء العراق، والمفارقة ان أحدهم كان مسلما وثانيهما كان صابئيا وثالثهما كان مسيحيا، في دلالة على تعايش مختلف الطوائف في مؤسسة علمية رصينة ومتميزة في المنطقة، فقد رأس جامعة بغداد الدكتور متي عقراوي المسيحي ثم خلفه الدكتور عبد الجبار عبدالله الصابئي ،عالم الفيزياء العراقي المميز و تلميذ اينشتاين ، ثم خلفه الدكتور عبد العزيز الدوري المسلم . واستمرت رحلة بناء النظام التعليمي، ففي الستينيات أفتتحت الجامعة المستنصرية وجامعة البصرة وجامعة الموصل،ؤوكلها جامعات رصينة أنشأت وفق أعلى معيار عالمي للتعليم. وأضاف الدكتور الموسوي، كما أحب ان أشير الى نقطة مهمة، وهو افتتاح 14 دار معلمين ابتدائية في 14 لواء (محافظة) بعد ثورة تموز 1958 في خطة شاملة للنهوض بواقع التعليم الابتدائي عبر التوسع في تهيئة الكادر التعليمي المطلوب، كما تجدر الاشارة الى خطوة قام بها الزعيم عبد الكريم قاسم، وهي الطلب من 1200 رجل دين التحول من الخدمات الدينية المحدودة التي يقدمونها للناس الى تدريس اللغة العربية والتربية الدينية بعد ادخالهم دورات تؤهلهم لذلك . ثم انتقل د.الموسوي الى مرحلة اخرى فأشار الى ان اليونان القديمة كانت تتقاسمها ثقافتان ،الثقافة الاثينية التي تركز وتعنى بالعقل ،والثقافة الاسبارطية التي تركز على الجسد وتربيته تربية رياضية وعسكرية صارمة ،لأعتقاد القائمين على التربية ان الجسد القوي المنظبط وفق اسس عسكرية هو عماد بناء الدول ،ويذكر الموسوي ان التحول الذي حصل بعد 1963 في العراق فيما يتعلق بمناهج التعليم هو اشبه ما يكون بالتحول نحو النمط الاسبارطي الذي ركز على عسكرة المجتمع وادى الى تغييب دور العقل. العمليات الادارية في مؤسسات التعليم لالقاء نظرة على سياقات التعليم، أشار الموسوي الى ان مخرجات وزارة التربية هي مدخلات وزارة التعليم العالي وان مخرجات وزارة التعليم العالي هي مدخلات وظائف الدولة والمجتمع، وكثيرا ما سمعنا الشكاوى والاتهامات المتبادلة بين الوزارتين ورمي القصور من كل جهة على الاخرى، وهنا يتسائل الدكتور الموسوي عن الغاية من فصل الوزارتين، وإن أغلب دول العالم المتقدمة لا تمتلك الا وزارة تعليم واحدة، اما الجامعات فانها تحضى باستقلالية إدارية وعلمية ومالية، إذا لماذا لانسعى الى هذا المنهج في العراق؟. كما تطرق الموسوي الى ان العراق مر بتجربة مهمة جدا في السبعينات وهي الحملة الوطنية لمحو الامية، وقد وصل العراق الى نتائج مهمة من محو الامية في النصف الثاني من السبعينات، إذ أصبحت نسبة المتعلمين حوالي 98% ، وهي مقاربة للنسبة في لبنان التي تعد من الدول المتطورة في هذا المجال، وقد زار العراق إبان هذه الحملة الرئيس الكوبي السابق فيدل كاسترو فاشار الى انه يتمنى ان يرى كوبا تحذو حذو العراق في هذا المضمار، ثم ذكر د.الموسوي الى انه كان مستشارا في وزارة التربية عندما اشتعلت الحرب العراقية الايرانية عام 1980، وقد صدر أمر رسمي حينها بالتغاضي عن تطبيق قانون التعليم الالزامي وقانون محو الامية الذي كان يفرض عقوبات على المتسربين من التعليم سواء الصغار(الامر يتعلق بولي الامر) او الكبار، ومن هنا بدأت أسوء مرحلة تدهور في حالة التعليم الاولي والجامعي في العراق. معوقات النهوض بالتعليم يضيف الدكتور عبد الله الموسوي قائلا، نحن نتسائل عن المخطط؟ وما يراد بنا ؟ومن وراء ذلك ؟لقد قالها جيمس بيكر في حرب الخليج (تحرير الكويت)عندما تكلم عن العراق وانهم سوف يعيدوه الى العصر الحجري، كما تساءلت عضوة الكونغرس الامريكي متعجبة عن شعب تعداده 28 مليون وفيه هذا الكم الهائل من العلماء والاساتذة والاختصاصين في كل المجالات؟ كيف يمكن ان يحدث هذا؟ ، وأضاف الموسوي؛ واهم من يقول لكم انهم جاءوا من اجل البترول، لقد قدمت أمسية في شهر شباط عام 2006 في منتدى عام، وأخرجت من جيبي قائمة موثقة وانا مسؤول عما ورد فيها من ارقام، القائمة تشير الى اغتيال اكثر من 1000 عالم عراقي حتى شباط 2006، أغتيلوا على يد مختلف الجهات، كيف يمكن لبلد ان يعوض إهدار هذه الثروة من العقول؟. اما بعد القتل فقد حصلت موجة لا مثيل لها من هجرة العقول استفادت منها مختلف دول العالم القريبة من العراق او البعيدة في المهاجر،المملكة الاردنية على سبيل المثال فيها 34 جامعة كلها قائمة بشكل اساس على الكفاءات العراقية الهاربة من جحيم العراق، كما يمكنكم ان تشاهدوا هنا في بريطانيا وهي نموذج للمهاجر التي ينتشر فيها العراقيون، في اي مستشفى تزورنه يمكنكم ملاحظة وجود اخصائي عراقي او اكثر في كل قسم من اقسام المستشفى، وهذه كلها عقول هاجرت وكان الواجب ان تدرس وتعود الى بلدها لتخدمه. تنوع مدخلات نظام التعليم في المملكة المتحدة بكل اجزائها (ايرلندا واسكوتلندا وويلز وانكلترا )هنالك نظام جامعي واحد يؤهل الافراد ليصبحوا مدرسين، بينما تجد الحالة في العراق تتوزع على دار المعلمين ومعهد المعلمين وكليات التربية والدورات الخاصة التي تخرج المعلمين، وكل نظام له سياقاته ونظامه مما ينتج أشخاصا قائمين على العملية التربوية متبايني القدرات، كما ان التغيرت السياسية التي ادت الى تغيرات سريعة وعشوائية في المناهج الدراسية أدت الى زعزعة النظام التعليمي المفتقد للتخطيط الاستراتيجي، وكذلك الاكتظاظ الحاصل في المدارس نتيجة عدم كفاية عدد المدارس الذي يؤدي الى تقليص ساعات الدراسة وهذا الامر يؤدي الى تدني مستوى الطلبة العلمي . كما ان العامل الاقتصادي وسوء وضع المعلم على امتداد اكثر من ربع قرن ادى الى تهرؤ المنظومة التعليمية ونخرها، وان سوء الادارة المدرسية التي تحولت الى بيروقراطية فارغة لا تؤدي دورها في قيادة العملية التربوية كان لها دورها التدميري في العملية التربوية، وان غياب المتابعة الادارية يعد احد اهم المشكلات التربوية وذلك لعدة أسباب، منها تجاهل مشاكل الطلبة وتركهم ومشاكلهم للبيت او الشارع ليحل لهم مشاكلهم، تنامي الاحساس بعدم المسؤولية خلق شبابا ضعيفي الشخصية يحركهم مبدأ (اني شعلية ،وقابل بس اني). مما تقدم اعلاه قدم الدكتور عبدالله الموسوي توصياته للنهوض بواقع التعليم في العراق في مجموعة من النقاط وكما يلي : يجب العمل على اعادة تفعيل قوانين التعليم الالزامي ومحو الامية مرة اخرى. تولي وزارة التعليم العالي والتربية والدوائر الهامة فيها من قبل من هو اهل لذلك بعيدا عن المحاصصات الطائفية والحزبية المقيتة. توحيد مؤسسات اعداد المعلمين. لايجوز إنفراد شخص واحد بأي شكل من الاشكال بوضع المناهج، وإنما يجب ان يتم ذلك بواسطة لجان معدة علميا لهذا الامر. تحديد العطل المدرسية والتشديد على الصرامة في هذا الامر لان التسيب وصل مديات غير مسبوقة في هذا الامر. ادماج وزارتي التربية والتعليم و التعليم العالي والبحث العلمي في وزارة واحدة تخطط وتنفذ السياسية التربوية والتعليمية في البلد لتلافي التضارب الحاصل في مخططات الوزارتين. إلغاء ازدواجية الدوام في المدارس عبر انشاء العدد الكافي من المباني المدرسية. الاهتمام باعداد المناهج الدراسية بما يتلائم ونمو وعي الطفل والفتى والشاب . العمل وبشكل مكثف على القضاء على روح التمييز والسعي لغرز الهوية الوطنية واحتواء كل الطيف المكون للعراق من اعراق واديان. وفي ختام المحاضرة تلقى الدكتور عبدالله الموسوي باقة ورد قدمتها السيدة فوزية العلوجي اعترافا بجهود الموسوي في دعم نشاطات المنتدى العراقي في بريطانيا، ثم تلقى الضيف بعض الاسئلة والمداخلات التي تناولت موضوعات الامتحانات والمدارس والجامعات الخاصة ومدى فاعليتها في العملية التربوية، وبإجابته عن الاسئلة اغنى موضوع المحاضرة . .