تحرير –
سعيد عبد الحافظ
رئيس مجلس أمناء مؤسسة
ملتقى الحوار للتنمية و حقوق الإنسان
إشراف
مركز ماعت للدراسات الحقوقية والدستورية
المحتويات
عن مركز ماعت |
تصدير |
مشروع السلام المجتمعي |
تقديم |
مفهوم المواطنة |
التطور التاريخي لتنظيم الصفة الوطنية |
المواطنة المبنية على أساس ديني أو عقائدي . |
المواطنة حقوق و واجبات و تحديات |
المواطنة حقوق |
المواطنة مسؤوليات و واجبات . |
عنوان الكتاب / المواطنة |
الناشر : مركز ماعت للدراسات القانونية والدستورية |
العنوان / أول ش الملك فيصل – برج الأطباء – الدور التاسعشقه 908 – الجيزة |
تليفاكس : 37759512 |
موبايل : 6521175 012 – 6521170 012 |
البريد الالكتروني : maat_law@yahoo.com – info@maat-law.org |
الموقع: www.maat-law.org & www. maatpeace.org |
إعداد : د/ عصام عبد الله |
مدير المركز : أيمن عقيل |
عن مركز ماعت
فى ظل ما تشهده البلاد حاليا من تعاظم دعاوى الإصلاح وتكريس مفهوم دولة المؤسسات وسيادة القانون وما تم اتخاذه من خطوات ايجابية في طريق دعم الديمقراطية فكان علينا أن نقوم بدورنا في حماية المكتسبات الديمقراطية وممارسة دور ايجابي في دفع مسيرة الإصلاح.
لذا فان ماعت يسعى إلى إعداد جيل من الشباب يؤمن بالمشاركة الايجابية في الشئون العامة وفى تطوير و تفعيل القوانين ذات الصلة .
من هنا كان اهتمام ماعت برفع الوعي القانوني لدى الشباب بصفه عامة وشباب المحامين بصفة خاصة لتأهيلهم ووضعهم على الطريق الصحيح ليتمكنوا من أداء رسالتهم في المجتمع بكل كفاءة واقتدار.
وكذلك يسعى ماعت إلى نشر وترسيخ وإرساء مفاهيم وثقافة الديمقراطية والسلام في المجتمع المصري وبخاصة الشباب والمرآة والأقباط.
1) نشر وتعزيز وترسيخ ثقافة السلام والديمقراطية وحقوق الإنسان ونبذ العنف ومكافحة الجريمة والفساد.
2) تفعيل المواثيق والاتفاقيات الدولية الداعمة للسلام العادل والدائم وحقوق الإنسان ورفع الوعي العام بها.
3) تعزيز وتشجيع الممارسات الديمقراطية والحكم الرشيد وسيادة القانون.
4) رفع وعي المواطنين بالحقوق القانونية والدستورية.
5) رفع وعى وتدريب القيادات الشابة في مؤسسات المجتمع المدني
6) إعداد الدراسات والأبحاث القانونية للمساهمة في تطوير البنية التشريعية.
7) تقديم الدعم القانوني والقضائي للفئات المهمشة والمستضعفة أمام الجهات المختصة. وعقد الندوات والمؤتمرات وورش العمل والدوارات التدريبية وحملات توعية.وإصدار الكتب والنشرات والدوريات وإعداد الدراسات والبحوث الميدانية الخاصة بأنشطة ماعت . وتعزيز المواءمة والتنسيق والتعاون وتبادل الخبرات بين مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات المحلية والإقليمية والدولية .
ويعتمد ماعت في تحقيق أهدافه بصورة رئيسية على الآليات الآتية :
- رفع الدعاوى القضائية وتقديم المساعدة والدعم القانوني .
- رصد انتهاكات حقوق الإنسان ومواجهاتها بالطرق القانونية.
- القيام بحملات توعية قانونية لتحسين أوضاع المشاركة العامة وحقوق الإنسان .
- القيام بحملات لنشر ثقافة السلام ونبذ العنف وقبول الآخر .
- إعداد الدراسات والأبحاث القانونية والدستورية .
- إصدار كتيبات ونشرات قانونية غير دورية .
- إعداد دورات تدريبية وورش عمل وندوات ومؤتمرات .
- تأسيس مكتبة قانونية لمساعدة الباحثين في مجال حقوق الإنسان .
تصدير
نحلم دائما باستقرار ونمو مجتمعنا …. ونحلم بأن ينال كل فرض منا حقوقه التي كفلها الدستور والقانون … هكذا يري مركز ماعت للدراسات الحقوقية والدستورية مهمة عملة “حلم لابد أن يتحقق يتمثل في النمو والاستقرار تحت مظلة حقوقية ودستورية يتمتع فيها كل الأفراد بحقوق متساوية ومصونة…”
لقد تأسس مركز ماعت للدراسات الحقوقية والدستورية لكي يدافع عن حقوق الجماعات المهمشه والمقهورة ، مع العمل علي تنميتها ، لذلك يري المركز أن تحقيق السلام وصونه داخل مجتمعنا هو السبيل الوحيد لتحقيق ما نرغب فيه …. إننا نعمل من أجل سلام أنفسنا وسلام مجتمعنا من خلال قبولنا لبعض ونشر ثقافة التسامح ونبذ العنف المجتمعي بكل صوره ومساندة المستضعفين والمقهورين اجتماعيا … هذه هي رسالة مركز ماعت لمشروعه ” السلام المجتمعي “
أيمن عقيل
مدير المركز
مشروع السلام المجتمعي
مشروع السلام المجتمعي هو مشروع تنموي حقوقي يرصد واقع العنف المجتمعي للأسرة المصرية بشكل عام وأسرة السجين والمعتقل بشكل خاص. فالمشروع يعمل علي إيجاد آلية مجتمعية لدمج أسر وأطفال المعتقلين في المجتمع مع تغيير نظرة المجتمع لهؤلاء الأسر. كما يعمل المشروع علي ترسيخ مفهوم السلام الداخلي للفرد واحترام القانون وإتباع إجراءاته لنيل الحقوق وعدم إتباع الأساليب العنيفة والمدمرة للأسرة والآخر عند التعرض لظلم أو قهر أو حتى مشكلة مجتمعية ما.
يعد المشروع نقلة نوعية في التعامل مع قضايا السجناء والمعتقلين حيث يتعامل مع الأسرة كونها ضحية الظروف المحيطة بها ولا يجب معاقبتها لمجرد خطأ أحد أفرادها. كما أن المشروع يتخذ من المنهج العلاجي المجتمعي (دمج أساليب مجتمعية ونفسية لعلاج مظاهر العنف والقهر) أسلوبا عمليا للتصدي للمشكلات الناتجة عن وجود أحد أفراد الأسرة في السجن أو المعتقل.
وبذلك يهدف مشروع السلام المجتمعي إلي:
نشر ثقافة التسامح والسلام الداخلي للأسرة المصرية وحسن التعامل مع الآخر المختلف سواء مجتمعيا أو ثقافيا أو دينيا أو حزبيا مع التركيز علي أسر المسجونين والمعتقلين لدمجهم في المجتمع وتغيير نظرة المجتمع إليهم.
ومن الجدير بالذكر أن مشروع السلام المجتمعي هو مشروع تعاوني بين مركز ماعت للدراسات الحقوقية والدستورية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID مكتب مصر. والمشروع جاء نتيجة لدراسات قام بها مركز ماعت حول وضع أسر السجناء والمعتقلين داخل المجتمع ووجد أن الكثير من السلوكيات المجتمعية غير السوية تحكم العلاقات بين هؤلاء الأسر وباقي أفراد المجتمع مثل تعميم الحكم علي جميع أفراد أسرة السجين أو المعتقل “خطأ فرد يتحمله الجميع” وهو نتاج طبيعي لثقافة مجتمعية نرغب في دحرها “الحسنة تخص والسيئة تعم”. لذلك جاء مشروع السلام المجتمعي ليخطو خطوة علي طريق الألف ميل نحو دمج وتأهيل أسر السجناء والمعتقلين كفئة مجتمعية تعاني من التهميش والاستبعاد، مع مد يد العون لجميع أفرادها من خلال توفير بيئة داعمة اجتماعيا وقانونيا تعمل علي توفير فرص حياة أفضل وإطار قانوني يدافع عن الحقوق والحريات لهذه الفئة.
تقديم
شهد الدستور المصري الدائم الذى صدر عام 1971 تعديلا لمادته الأولى لتأكد على مبدأ المواطنة حيث نص التعديل على ” أن مصر دولة نظامها ديمقراطي يقوم على أساس المواطنة “
وقد شهدت الآونة الأخيرة نقاشات وحوارات موسعة حول المواطنة و مفهومها و تعريفاتها ذهب البعض الى أن المواطنة هي مجموعة من الحقوق في المقام الأول و البعض الآخر يرى أن المواطنة ما هي إلا مجموعة من الالتزامات والواجبات التي يؤديها الفرد تجاه وطنه.
فى دراسة للباحثة والمدرسة المساعدة بقسم العلوم السياسية في جامعة القاهرة “هبة رءوف عزت” أن التعديلات الدستورية المصرية الأخيرة (أعوام 2005/ 2006/ ومطلع عام 2007) في ضوء تحليل مفهوم المواطنة الذي قدمته الدراسة كرست علمانية العمل السياسي من ناحية، وتبنت مفهوماً للمواطنة غير واضح المعالم، في الوقت الذي تراجعت فيه دولة الرفاهة عن مسئوليتها تجاه “قوى الشعب العامل” ومكاسب المواطنة الاجتماعية.
ورأت الباحثة أن النموذج التحليلي الذي قدم بجهد بحثي مميز يمكن أن يكون إطاراً لفتح نقاش واسع حول المواطنة المصرية المنشودة وسبل تفعيلها في ظل تحول الاقتصاد المصري للسوق المفتوح، وتغير دور الدولة والحاجة لخطاب ديمقراطي مركب يصوغ رؤية صالحة للتطبيق لتفعيل المشاركة السياسية الواسعة لكل المصريين.
آفاق البناء
وقدمت الباحثة في نهاية دراستها رؤية لأفق يتيح فرصة بناء جديد لنظرية المواطنة في ظل صعوبة بناء نظرية للمواطنة وتكرار الحاجة لتطوير أدوات نظرية لفهمها.
وترى الباحثة إن الفكر الليبرالي اليوم يواجه تحولات وتحديات، ورغم أن المنظومة المفاهيمية الليبرالية تتسم بالانفتاح والتعددية والمراوغة في أحيان كثيرة لكن حالة الارتباك والالتباس تحول دون الوصول إلى بناء رؤية نظرية مركبة متبلورة، ولحظة الارتباك هذه هي اللحظة التاريخية التي بدأت معها هذه الدراسة في منتصف التسعينيات لتواكب الجدل بشأنها وترصد تحولاتها، والتحديات التي تفرضها والآفاق التي تفتحها لنظرية ديمقراطية للمواطنة قد تشهد فك الارتباط بين المواطنة والدولة من ناحية وربما فك الارتباط بين المواطنة والليبرالية ذاتها على المدى البعيد.
ورأت الباحثة أنه من منطلق اللحظة التاريخية التي تطور فيها الفكر الليبرالي وعولمة الجدل بشأن كثير من القضايا المرتبطة بمفهوم المواطنة يتطلب تنويع مصادر التفكير في المفهوم، وتطوير النظرية الاجتماعية والنظرية السياسية المعاصرة لتقبل التعددية الثقافية وتستوعب إضافة مفاهيم وتصورات متنوعة للزمان والمكان والفعل السياسي، ومن هنا الحاجة لتطوير النظرية السياسية في العالم العربي والإسلامي لتصوغ رؤى ديمقراطية للمواطنة من ناحية وتزود أيضاً الفضاء النظري الغربي بمفاهيم ثرية، فيحدث تفاعل الثقافات على مستوى النظرية الاجتماعية المعاصرة، وهو ما يتطلب تطوير مفهوم المواطنة في التصور الإسلامي ليس فقط في بعده القانوني أو الديني بل بالأبعاد المركبة والمتداخلة التي تناولتها الدراسة نحو رؤية أكثر إنسانية للفرد والجماعة والسياسة والعالم.
و مثلما شهد مطلع الألفية الثالثة تطورا للخطاب السياسي المصري حيث تضمن الخطاب الرسمي للدولة بمؤسساتها المختلفة مصطلحات جديدة مثل حقوق الإنسان و حرية التعبير و حرية التنظيم إلى أخر تلك المصطلحات مع تزامن ذلك بشيوع مصطلح المواطنة بعد غياب طويل عن التعرض لهذا المفهوم وبخاصة من قبل النخبة الحاكمة الا أن التعديلات الدستورية التي شهدتها البلاد مؤخراً باتت بموجبها المواطنة تتصدر المشهد الثقافى والسياسى فى مصر.
و ظهرت العديد من الكتابات و المؤلفات والمقالات خلال العامين السابقين التي حاولت جاهدة أن تتبنى تعريفا واضحا لماهية المواطنة .
و بات الكل يسعى إلى وضع مفاهيم للمواطنة من وجهة نظره فذهب البعض الى أن المواطنة ما هي إلا مجموعة من الحقوق التي يجب أن توفرها الدولة لمواطنيها و تحافظ عليها بحكم رابطة الجنسية.
و البعض الأخر ذهب إلى أن المواطنة هي إحدى المشتقات الحديثة للفظة وطنية و هو ما يعني أن المواطنة ما هي إلا مجموعة من الواجبات و الالتزامات التي تقع على عاتق المواطنين و يجب عليهم الالتزام بها أمام الدولة .
و حقيقة الأمر أن لكل من القولين وجاهتهما إلا أننا لا يمكننا أن نأخذ بأي منهما حيث ان كل فريق ذهب لتعريف المواطنة من الزاوية التي تحقق أقصى مصلحة له ، و من ناحية أخرى للمواطنة تعريفات عدة و تفسيرات واسعة لا يمكن أن نقصرها من خلال تلك التعريفات الضيقة .
مفهوم المواطنة
المواطنة كلمة تتسع للعديد من المفاهيم و التعريفات فالمواطنة في اللغة مأخوذة من الوطن وهو محل الإقامة والحماية، و من حيث مفهومها السياسية فالمواطنة هي (صفة المواطن الذي يتمتع بالحقوق ويلتزم بالواجبات التي يفرضها عليه انتماؤه إلى الوطن)، وفي قاموس علم الاجتماع تم تعريف المواطنة: بأنها مكانة أو علاقة اجتماعية تقوم بين فرد طبيعي ومجتمع سياسي ( دولة ) ومن خلال هذه العلاقة يقدم الطرف الأول (المواطن) الولاء، ويتولى الطرف الثاني الحماية، وتتحدد هذه العلاقة بين الفرد والدولة عن طريق أنظمة الحكم القائمة .
ومن منظور نفسي: فالمواطنة هي الشعور بالانتماء والولاء للوطن وللقيادة السياسية التي هي مصدر الإشباع للحاجات الأساسية وحماية الذات من الأخطار المصيرية (وبذلك فالمواطنة تشير إلى العلاقة مع الأرض والبلد.
والمواطنة بصفتها مصطلحاً معاصراً تعريب للفظة (Citizenship) التي تعني كما تقول دائرة المعارف البريطانية: (علاقة بين فرد ودولة كما يحددها قانون تلك الدولة، وبما تتضمنه تلك العلاقة من واجبات وحقوق – متبادلة – في تلك الدولة، متضمنة هذه المواطنة مرتبة من الحرية مع ما يصاحبها من مسؤوليات).
على الرغم من الإجماع على أن المواطنة هي مصطلح معاصر و حديث إلا أن العديد من الباحثين ارجعوا فكرة المواطنة لعصر الدولة اليونانية مؤكدين على أن المواطنة ليست وليدة هذا العصر بل انه تمتد إلى ابعد من ذلك بكثير فتعود جذورها إلى هذا العصر و انه منذ ذلك الوقت و هي تتطور عمقاً بزيادة اتساعاً بمد الحق في التصويت أبعد من الذكور الملاك أو النخبة .
و يرى العديد من الباحثين أن المواطنة ترتبط وتتمثل في علاقة الحاكم بالسكان من حيث تبادل الحقوق والواجبات بناء على الرابطة الوطنية (الحقوق والواجبات ) ؛ أو هي مفهوم حديث.. شكلت على أساسه الدولة الحديثة، يفترض هذا المفهوم أن المجتمع مكون من أفراد مستقلين وأحرار، والدولة هي التعبير عن الإرادة العامة لهؤلاء المواطنين الأحرار والمستقلين غير الخاضعين لولاءات أخرى بصفتهم أفراداً؛ وكذلك يرى البعض أنهاوطبقا للصيغة اللغوية للمواطنة هي (مُفاعلة)، وهي مفهوم اعتباري شأنه شأن اي مفهوم آخر مثل الحب والسياسة.. أي أنها مشتقة من منشأ سابق عليها موجود مثل الوطن، الأرض.. المشرع القانوني او الدستوري نظّمَّ العلاقة ما بين الأرض والإنسان وأعطاها عنوان (المواطنة).
إذن هي مسألة اعتبارية مشتقة من أمور سابقة عليها فهي غير منزلة من السماء ولا نابعة من الأرض مثل الشجر. ولتقريب مفهوم (الاعتبارية) نضرب مثلاً، عملية البيع والشراء.. حيث توجد مادة ويوجد بائع وكذلك مشترٍ فالعلاقة التي تنظم هذه العناصر الثلاثة غشاً او صدقاً هي علاقة اعتبارية.
فالمواطنة قوتها وضعفها بقوة وضعف مناشئ الانتزاع، فكما يوجد بيع سليم وآخر باطل، كذلك توجد مواطنة قوية وأخرى خاملة، بينما لا يوجد كرسي يسمى فاسد وآخر سليم. فالمواطنة هي علاقة الإنسان بهذا الوطن وهي قضية اعتبارية خاضعة للتطور وخاضعة للارتفاع والهبوط من خلال نوعية العلاقة بين هذا الإنسان والأرض او المجتمع. فلو افترضنا أن هذا الوطن بدساتيره ومواقفه السياسية أساء للإنسان الذي يعيش على أرضه، نجد أن علاقة المواطنة تضعف بطبيعة الحال. ولذا المواطنة ليست شيئاً مقدساً او أثيرياً او مثالياً، فعلاقة المواطنة تشتد او تقوى إذا أعطي لهذا الإنسان حقوقه واستجيب لحاجاته الأساسية. فالوطن بهذا المعنى ليس هو الأرض وإنما هو النظام السياسي الذي يعطي لصفة مواطنيه الثبات والاستقرار
بينا يذهب الآخرون إلى أن المواطنة ما هي إلا المشاركة النشطة في جماعة أو عدد من الجماعات ، وتتضمن الإحساس بالارتباط و الولاء لمفهوم الدولة أو النظام المدني Order Civic و ليس شخص ملك أو رئيس و تقوم على فكرة الانتماء و الأشياء المشتركة ، و هو ما يعني أن المواطنة هي عضوية نشطة في مجتمع سياسي في إطار من الحقوق و المسئوليات التي يحددها الدستور و القانون .
ويذهب الباحثين فى علم الاجتماع الى تعريف المواطنة في المجتمع الحديث نموذجيا (أي كنموذج نظري) على أنها علاقة اجتماعية تقوم بين الأفراد والمجتمع السياسي (الدولة)، حيث تقدم الدولة الحماية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للأفراد، عن طريق القانون والدستور الذي يساوي بين الأفراد ككيانات بشرية طبيعية، ويقدم الأفراد الولاء للدولة ويلجؤون إلى قانونها للحصول على حقوقهم. ومن مميزات هذا التعريف انه بالإضافة إلى كونه نمطياً من الناحية النظرية فهو في الوقت نفسه إجرائي منهجي يتيح دراسة المواطنة وقياسها وتحديد مستوياتها والتنبؤ بأبعادها وآفاقها وتقييم وتقويم أدائها في أي مجتمع.
فمن الواضح في هذا التعريف أنه يتضمن آلية التعاقد (العقد الاجتماعي) فحين يفترض أن تكون الحكومة التي تسير الدولة هي المسؤولة عن ترسيخ الشعور بالمواطنة، فإنها إذا أخلت بشروط العقد، أي إذا لم تؤمن الحماية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للأفراد ولم تساو بينهم عمليا أمام القانون، كان من الطبيعي أن يخف إحساس الأفراد بشعور المواطنة والولاء لقانون المجتمع ـ الدولة التي يعيشون في ظهرانيها، وأن يبحثوا عن مرجعية أخرى تحميهم، أو تقدم لهم شعورا ولو كان وهميا بهذه الحماية، كالعودة إلى الارتباط بالجذور الدينية أو الطائفية والعائلية والقبلية والعرقية والإقليمية. ولتوضيح ما هو واضح فيما نرمي إليه، دعونا نقوم بتمرين بسيط بواسطة طرح مثل الأسئلة التالية:
– ماذا يفعل المواطن الذي يتقدم لمسابقة انتقاء عمال أو موظفين حين يجد أن المواطن الآخر الأقل كفاءة أو الأقل تمتعا بشروط المسابقة قد قبل وهو غير مقبول؟ بأي جهة انتماء يستنجد وبماذا سيشعر؟
ـ ماذا يفعل أبناء المنطقة الإقليمية من الوطن عندما يشعرون بالغبن من الخدمات التنموية للدولة في منطقتهم مقارنة بمناطق أخرى من البلاد؟
ـ ما نوع الانتماء الذي يشعر الناس به أو الذي سينمو لديهم، والى أين يتوجهون باختياراتهم، عندما يجدون القوائم الانتخابية مهيأة على أساس الطائفة أو العشيرة أو القبيلة، ولو كانت باسم أحزاب ومنظمات وقنوات حديثة، أو عندما يصر المرشح على الإيحاء بعشيرته أو قبيلته في إعلانه الانتخابي؟
ـ ما نوع الانتماء والشعور الذي سيستمر لدى الناس المهاجرين إلى ضواحي المدن الكبرى وأطواق الفقر عندما لا يجدون العمل ولا يتمتعون بالخدمات التي يتمتع بها مواطنوهم في المدينة نفسها؟ وما دلالة تجمعهم على أسس طائفية أو مناطقية أو عرقية؟
التطور التاريخي لتنظيم الصفة الوطنية
سبق و أن ذكرنا في مقدمة الكتاب أن هناك من ينادي بان المواطنة هي تطور لفظي لكلمة وطنية و هو ما يعني أن للمواطنة جذور ابعد مما كان يعتقد البعد ، و مثلما اشرنا من قبل أن مفهوم المواطنة على الرغم من حداثته إلا إن جذوره تعود إلى الحضارات الغربية القديمة فقد بلورت الحضارة الرومانية القديمة فكرة المواطنة كوظيفة يتحتم على المواطنين القيام بأعبائها و مسئولياتها .
عرفت مصر الفرعونية حقوق الإنسان فيما يتعلق بمبدأ المساواة بين جميع المواطنين ، بمن فيهم الأجانب الذين يقيمون على أرضها ، وكانت الوصية التي توجه للوزراء عندما يتقلدون مناصبهم ، تقول : ” عامل بالمساواة الذي تعرفه والرجل الذي لا تعرفه ، الرجل القريب منك ، والرجل البعيد عنك ، وأعلم أنه عندما يأتي إليك شاك من الجنوب أو من الشمال، أو من أي بقعة في البلاد، فعليك أن تتأكد أن كل شيء يجري وفق القانون ..”
و يتضح لنا أن المواطنة في مهدها الأول في صدر الحضارة الرومانية كانت ترتكز في المقام الأول على دعامة واجبات و التزامات المواطنين ، و مع التطور و ظهور الحركات السياسية و الحقوقية و تغير المنظومة السياسية العالمية و ظهور نظم الديمقراطية الليبرالية التي سعت إلى توسيع نظرية المواطنة بتوفير الدعامة الثانية للمواطنة وهي المواطنة الحقوقية و التي قسمت حقوق المواطنة إلى ثلاثة مكونات
أول تلك المكونات هي المواطنة المدنية و التي تعد أحدى أهم نتائج القرن الثامن عشر و التي اقر من خلالها بعض الحقوق المدنية مثل حرية التعبير و الفكر و الحريات الدينية و كذلك إقرار لمبدأ المساواة أمام القانون .
و يأتي المكون الثاني و هو المواطنة السياسية و الذي ظهر مع القرن التاسع عشر و تأكد فيه على الحقوق الخاصة بالمشاركة في إدارة الشأن العام للبلاد المشاركة السياسية مثل الحق في التصويت و الترشيح للوظائف العامة .
و مع القرن العشرون ظهر المكون الثالث و هو المواطنة الاجتماعية و هو المكون الذي يعتني بضمان حد أدنى من الأمن الاقتصادي للمواطن لحمايته من قوى السوق خاصة بعد أن ظهر على السطح عيوب الممارسات الرأسمالية وهو ما كان يعني بالضرورة تدخل الدولة لضمان حدود دنيا من الأمن المادي و الاقتصادي لرعاياها .
و باتت المواطنة هي رابط اجتماعي و قانوني بين الإفراد و المجتمع السياسي الديمقراطي و هو ما يعني أن المواطنة تستلزم إلى جانب الحقوق و الحريات مسئوليات و التزامات و بدنهما يفشل المشروع الديمقراطي .
و يمكننا القول بان المواطنة تقوم في أي دولة على عدة أسس لابد من توفرها، ( بغض النظر عن هوية النظام وشكله) باعتبار تلك الأسس من أبجديات قيام الدولة أو مكوناتها.. ومن هذه الأسس أو القواعد على سبيل المثال
ـ توفر الأمن والاستقرار المستند على ميزان العدل المستقيم بما للقوانين والأنظمة من سيادة ومساواة في التطبيق.
ـ أن تكون المواطنة صالحة تقوم على أنها حقوق وواجبات متساوية.
ـ أن يوجد التوجه الجاد الذي يجعل كل فرد يشعر بمسؤولياته وواجباته وأن يكون مبدأ الثواب والعقاب هو شوكة ميزان العدل النزيه.
بينما يؤكد العديد من الباحثين على أن المواطنة تعود جذورها إلى ما هو ابعد من الحضارة من الحضارات الإغريقية حيث يروا مفهوم المواطنة يعود إلى ما هو ابعد إلى بداية تكون الجماعات الإنسانية و من ثم تطورها إلى أن أصبحت دول فمنذ نشأت الدول تم التفرقة ما بين نوعين من الأشخاص الذين يعيشون في إقليمها و تم تقسيمهم إلى مواطنين وأجانب و غالبا ما يترتب على هذا التقسيم اختلافا في المراكز القانونية لكل منهم من حيث التمتع ببعض الحقوق والالتزام ببعض الواجبات .
ففي فرنسا شكلت المواطنة فى القرن الثامن عشر موضوع نقاش في غاية الثراء ، وفي حين تعّرف موسوعة ديدرو في 1753 المواطن بكونه “عضو في المجتمع” يحدد قاموس تريفو في 1771 الكلمة بالقول “تعبير ذو علاقة بالمجتمع السياسي”.
وفي العقد الاجتماعي (1762) يربط جان جاك روسو المفهوم بمعنى السيادة والطاعة للنفس أولا، التحرر من دور الرعية وتمتع الأفراد بالحكم الذاتي.
هذا التعريف وأطروحات روسو سيفتحا المجال إلى محاولة ربط التقاليد الجمهورية بالتعاقدية الحديثة وهو يشير بالبنان إلى المشكلة الرئيسية التي تطرحها ثنائية الحرية والمساواة.
بتعبير آخر، حالة التناقض بين الموارد العامة والمصالح الخاصة. ويمكن القول بوجود اتجاه عام عند العديد من المفكرين والسياسيين في القرن الثامن عشر إلى عدم اعتبار المواطنة حقا طبيعيا، ولكن بنفس الوقت عدم اعتبارها ضد الطبيعة. فيما يختصره البعض باعتبارها طبيعة ثانية.
ومع الثورة الفرنسية جرى تحميل المفهوم شحنة مثالية أساسية تنطلق من اعتبار حامل الحقوق المدنية والسياسية العنصر النووي المكون للأمة: ارتبط المفهوم بالجمهورية باعتبار أن الهوية الجماعية التي تتشكل من مجموع المواطنين وحدها تملك السيادة داخل الدولة.
لم يميز إعلان حقوق الإنسان والمواطن بين الإنسان والمواطن، ولكن الفكر السائد في 1789 استمر يصنف التصويت وظيفة أكثر منه حقا، وعلينا انتظار 1793 لإقرار فكرة أن المواطن هو كل رجل بلغ 21 سنة وهو بالضرورة ناخب.
مع تعزيز لتعريف للمواطن عند دستوريي 1793 باعتباره الوطني والسياسي في الممارسة، أي التأكيد على المواطنة كفعل أكثر منها صفة.
الأمر الذي أصّل لفارق أساسي بين الكتابات الأنجلو ساكسونية حيث تتوافق المواطنة مع الجنسية إلى حد كبير، والكتابات الفرانكوفونية التي تؤكد على ارتباط المواطنة بالمشاركة الفعلية في الحياة العامة ومشكلات المجتمع.
في 1793 أيضا، حدد “عمانوئيل كانت” المواطنة بامتلاك الحقوق المدنية التي يضمنها وضع البرجوازية، فقط سيد القرار وغير التابع اقتصاديا يمكن اعتباره مواطنا حرا، فالاستقلال الاقتصادي يمنح المواطنة ويستثنى من هذه القاعدة النساء والأطفال.
كان كوندورسيه من قلائل الفلاسفة السياسيين الذين تبنوا حق المرأة في المواطنة الكاملة، إلا أنه جبن عن طرح ذلك في المعارك السياسية التي خاضها.
في حين أصدرت أولمب دوغوج “إعلان حقوق المرأة والمواطنة” في 1791 الذي يؤكد على حق المرأة الكامل في المواطنة. دو غوج ستدفع ثمن مواقفها أمام المقصلة في 3 نوفمبر 1793.
لم يتوقف الفكر السياسي الهيغلي عند تعارض ممكن بين “المواطنة” و”الجنسية”، بل أكد من جهة على القبول الإيجابي والفاعل للمدينة كإطار للحياة الأخلاقية الفعلية ومن جهة ثانية حذر من انكفاء الفكر على نفسه، هذا الانكفاء الذي يشكل خطرا مدمرا للمدينة عبر التقييم الإيجابي لداخلية التفكير.
ويقول الدكتور هيثم مناع لم تستطع التجربة السوفياتية أنسنة حقوق المواطنين ودمقرطتها. كذلك أفقدت دكتاتوريات بلدان الجنوب المفهوم معانيه السياسية والمدنية. وفي حين يتسع نقاش المواطنة ليشمل توفير الشروط الأساسية للمجتمع المدني والديمقراطية لا يتورع العديد من طرح سؤال هام: إن كان المواطن هو دافع الضرائب في نشأة المجتمع الرأسمالي، فهل هو المستهلك في عصر العولمة؟
المواطنة المبنية على أساس ديني أو عقائدي .
مما لا شك فيه أن للعقائد و الأديان دوراً هاما في حياة الشعوب و هو أمرا لا جدال فيه و يهب البعض إلى ما هو ابعد حينما ينظرون إلى الأديان على أنها الأساس الأول للجماعة الإنسانية و الديانة في ظل النظم القديمة كانت مغلقة وعليه نشأ مفهوم خاص للمواطنة في ظل الأديان و هي أن الأجنبي هو من يكون خارج العقيدة أو الدين الذي تتبعه الجماعة و هو ما أدى إلى ظهور العصبيات الدينية المتشددة و التي أدت إلى حجب صفة الوطنية عن من لا يدين بديانة الدولة و كانت نلك الصورة واضحة على الأخص مع الديانات الغير سماوية فكان يتم حرمان الأجانب ممن لا يعتنقون ديانة الدولة من التواجد أثناء المراسم الدينية حيث أنهم لا يتمتعون برعاية و حماية الإلهة التابعين لها.
و مع ظهور الإسلام تطور الأمر كثيرا ويقسم فقهاء المسلمين العالم إلى دارين : دار الإسلام – دار الحرب
أما دار الإسلام فهي الدول التي يجري فيها حكم الإسلام سواء ان كان يعيش فيما مسلمين ام من غير المسلمين
أما دار الحرب فيقصد بها البلدان التي لا سلطان للسلام فيها .
و يتضح لما هنا مدى التطور الذي طرأ على فكرة المواطنة القائمة على أساس ديني ففي السابق كانت المواطنة مقصورة على من يتبعون العقيدة و الدين بغض النظر عن كونهم من أهل البلد أو من الوافدين إليها أو ممن خارج الدولة .
أما في الإسلام فقد تطورت الفكرة إلى ثبوت المواطنة لكل ممن يقيمون في إقليم الدولة التابعة للشريعة الإسلامية ويشهد التاريخ المصرى الحديث مطالبة المصريين لمحمد على الالبانى وغير المصرى بأن يتولى حكم مصر دون غضاضة وذلك لانه مواطن مسلم حيث رابطة المواطنة كانت فى ذلك الوقت تقوم على اساس الدين بصرف النظر عن الجنسية
حقيقة أن البعض كان يرى أن الاعتراف بالمواطنة لغير المسلمين في الدول الإسلامية في بداية كان اعترافاً منقوصاً حيث لم يتمتع غير المسلمين ببعض الحقوق و أن كان مقابل لذلك لم يلتزموا ببعض المسئوليات كالخدمة في الجيش على سبيل المثال ، إلا انه يمكننا القول بأن هذا التطور في وقت ظهور الإسلام كان تطورا هاما مقارنة بالبيئة والحضارات المحيطة شأنه في ذلك شأن كافة الرسالات السماوية فكانت جميعها تهدف إلى المساواة ما بين البشر .
ولعل أول ظهور وتداول لمصطلح الوطنية لدى رفاعة الطهطاوي فهو قد اعتبر المواطنة بالحقوق العامة بمعنى أن يتمتع الفرد بالحقوق التي تمنحها بلده له، “وأعظم هذه الحقوق الحرية التامة في الجمعية التأنسية… فانقياده لأصول بلده يستلزم ضمان وطنه له التمتع بالحقوق المدنية والتميز بالمزايا البلدية…”، كما أنه حين يتحدث عن الحرية فإنه يشير إلى الحرية الدينية، “وهي حرية العقيدة والرأي والمذهب بشرط أن لا تخرج عن الدين..”. وكما يؤكد بعض الباحثين، فإن هناك إشارات عديدة حول تشكل مفهوم المواطنة أو الوطنية كما يسميها لدى جمال الدين الأفغاني ولدى محمد عبده وخير الدين التونسي في أكثر من موضع على اختلاف بينهم في التصور والمفهوم ومدى ارتباطها بالقطر الذي يتحدث منه هؤلاء. وفيما بعد، وفي فترة وجيزة جداً، بدأ الحس القومي يظهر بجلاء لدى الكثير من المفكرين كان من أهمهم الكواكبي في التأصيل لفكرة المستبد العادل أو الاستبداد مع الاستنارة، وكذلك لدى رشيد رضا حيث اقترن الإسلام بالعروبة اقتراناً وثيقاً في الكثير من أطروحاتهم. وهذه الأفكار الأقرب إلى القومية أثرت في الأجيال اللاحقة لتؤسس إلى أعمال تحررية من الاستيطان أو الثورات العديدة على طول وعرض الأراضي العربية دون أن نجد تنظيرًا فكرياً لمفهوم المواطنة لدى هؤلاء الثوار؛ بل هو عمل سياسي قومي حركي ترتفع فيه الكثير من الشعارات والمناشير السياسية التي كان لها الأثر الكبير في شحن الجماهير العربية إلى المساندة في الاستقلال أو الثورة، أو لدى التيارات الإسلاموية، كما لا نجد للتيار الليبرالي العربي تأصيلاً مفاهيمياً للدولة الوطنية. لكن كما يحمد لكل هذه التيارات أو بعضها، أنها قادت البلاد إلى الاستقلال أيام الاستعمار خاصة، فقد أدت فيما بعد إلى احتراب داخلي وتناحر آيديولوجي مما أثر على مشاريع التنمية التي كان من المفترض أن تعمل عليها، مما يعني أن وعيا ملتبساً لدى الدول القطرية في التأسيس إلى كيان دولي متماسك، فما بين ازدواج الولاءات، أو تأرجحية الكيان السياسي كما هو تعبير محمد جابر الأنصاري، مما يشير ضمنياً إلى هلامية الدولة لدى أكثر هذه الكيانات السياسية.
ومع كثرة التأصيل إلى فكرة المواطنة في الفكر العربي الحديث، إلا أننا لا نكاد نجد اتفاقا محدداً حول مفهوم المواطنة لدى كافة الأطراف التي أخذت على عاتقها التأصيل للفكرة الوطنية، والاختلاف الكبير بين الكتابات التي تعرضت إلى مفهوم الدولة أو العقد الاجتماعي الرابط لأفراد المجتمع يؤكد هذه الفرضية التي افترضناها.
وحينما يتم الحديث عن الدولة الوطنية أو الاجتماع السياسي، فإن مقصودنا هنا ليس هو ذلك المعنى المتعارف عليه من قبل الكثير، والذي دائما ما يُطلق على الفعل السياسي في حقل سياسي معين، أو ممارسة سياسية محددة وما تتحقق من خلال هذه الممارسات من أهداف ومشاريع سياسية؛ وإنما المقصود هنا ذلك الفعل السياسي الذي يحقق الاجتماع المدني بين أفراد المجتمع الواحد في التكافل والتضامن والتواطن بحيث يصبح الجميع مواطنين لانضمامهم إلى المجتمع الذي تستمد النظم منه شرعيتها. فالدولة التقليدية لم تكن دولة مواطنة بالمفهوم الذي نسعى إلى تأصيله كون الفعل السياسي لديها يقوم على التمايز بين أبناء المجتمع الواحد.
ومع الاختلاف الكبير حول تحديد مفهوم المواطنة؛ إلا أنه يمكن الوصول إلى مفهوم عام من خلاله يتم رصد أو تحديد دولة المواطنة عن غيرها، وذلك بـ”اعتبار المشاركة الواعية لكل شخص دون استثناء ودون وصاية من أي نوع، في بناء الإطار الاجتماعي…”كما يقول برهان غليون، بمعنى إعطاء القيمة لمشاركة الأفراد في صياغة القرار، والتشريع للسلطة المدنية لأي اجتماع بشري، بحيث تتحقق الكثير من الموازنات بين إحقاق الحقوق وتحديد المسؤوليات من خلال قانون عام يتم الرجوع إليه في كل الأحوال.
يقدم لنا المستشار طارق البشري في ورقته الجماعة السياسة والمواطنة من منظور إسلامي والتى قدمت فى ندوة القومية والدين، الاسكندرية، 11-12 ديسمبر 2007 رؤية منفتحة لمسألة المواطنية في منظور ما أصبح يسمى الاسلام السياسي، بجميع تياراته، تمييزا له عن الاسلام الذي لا يمكن أن يحتكر أي شخص او تيار سياسي حق الكلام باسمه أو تفسير نصوصه الأساسية. بيد أن هذا الانفتاح لا يمنع من أن مسائل كثيرة لا تزال تحتاج إلى مناقشة وتطوير في هذه الرؤية الاسلاموية للمواطنية. وأكتفي هنا بالإشارة إلى نوعين منها، تتعلق الأولى بمفهوم الجماعة والجماعة السياسية نفسها، وهو ما يستمد منه مفهوم المواطنية معناه، وتتعلق الثانية بمسألة مرجعية الدولة الاسلامية أو المرجعية الاسلامية للدولة.
1- في مفهوم الجماعة والجماعة السياسية
يعرف المستشار الجماعة السياسية بأنها “… مجموعة من البشر تتحدد بوصف لصيق يشملها ويميزها عن غيرها من المجموعات، وهي مرشحة لأن تقوم على أساسها الدولة، وإذا كانت المواطنة هي صفة الفرد الذي ينتمي إلى جماعة سياسية قامت على أساسها الدول، وبحسبان أن المواطن هو الطرف المقابل للدولة، فقد وجب النظر في مدى ما تنتجه المواطنة للمندرجين في وصفها من حقوق متساوية”.
من الواضح أن هذا التعريف يربط بشكل تلقائي بين مفهوم الجماعة عموما ومفهوم الجماعة السياسية، فلا يلحظ أي تمييز بين أنماط الجماعات السياسية، تلك التي تقوم على أساس رابطة الدين وتعطي مفهوم الأخ المؤمن، وتلك التي تقوم على رابطة السياسة وتعطي مفهوم المواطنية. والحال، ليس جميع الجماعات جماعات سياسية، وليست كلها مؤهلة لتوليد جماعة سياسية، وليست الجماعات السياسية الناجمة عنها متشابهة في معناها ومضمون سياسيتها. والقصد أن نصاب السياسة ليس واحدا، وليست ماهية السياسي متطابقة في كل العصور والأقطار. نصاب السياسة في العصر الوسيط ليس هو في العصر الحديث. وهو ليس في العصر الوسيط بالمضمون ذاته في القطر الأثيني والقطر المصري أو العراقي. بمعنى آخر، لا تتأسس الدولة، محور السياسة وغايتها، على الأركان ذاتها في كل حقبة وكل مكان. فقد تقوم الدولة على الدين، كما يمكن أن تقوم على القومية، كما يمكن أن تقوم على القانون، وتكون دولة ديمقراطية قانونية. ونصاب السياسة، أي مشمولاتها من مجالات وطرائق ووسائل وغايات، ليست واحدة في كل الحالات. وما نسميه دولة في الحضارة الإسلامية الكلاسيكية ليس له علاقة بمفهوم الدولة الحديثة، كما نعرفه في العصر الراهن، وإن كان يشكل نمطا من أنماط الكيانات السياسية.
قد تكون الرابطة الدينية أساسا لرابطة سياسية، وقد تتطابق جماعة الدين مع جماعة الدولة، أو الجماعة السياسية، لكن هذا ليس شرطا، ولا يمثل الحالة السائدة في التاريخ. وهو في العصر الحديث أكثر ندرة من أي فترة سابقة. فلا توجد اليوم جماعة دينية متطابقة تماما مع الجماعة السياسية، ولا يستثنى من ذلك الدول القائمة صراحة على الرابطة الدينية، مثل إسرائيل وباكستان. وبالعكس لا تقوم السياسة اليوم، من حيث هي تحقيق لسلطة ودولة، من خارج الرابطة السياسية. ذلك أن السلطة والدولة الحديثتين تستدعيان كشرط لهما تراجع أسبقية علاقات العصبية الطبيعية أو شبه الطبيعية لصالح نشوء علاقة مواطنية قائمة على وحدة القانون ومساواة المواطنين أمامه معا.
وليست العلاقة بين الجماعة السياسية والدولة واحدة في كل الأنماط السياسية. فعلاقة الدولة بالجماعة الدينية في الحقبة الاسلامية ليست من النوع ذاته الذي يحكم علاقة الدولة الحديثة بالأمة. فالدولة في النمط الأول مضافة إلى الجماعة من خارجها، أو آلة قهر خاصة تسندها شرعية دينية مستمدة من مطابقة تشريعاتها، فعليا أو شكليا، لأحكام الشريعة الدينية أو ما يعتقد أنه كذلك. أما الدولة الحديثة، في شكلها المكتمل الديمقراطي، فهي دولة معبرة عن الجماعة ومنبثقة عنها. بل هي الجماعة ذاتها وقد تجسدت في شكل مؤسسي منظم. وهي تستمد شرعيتها من نفسها، أي من آلية التمثيل الديمقراطي نفسه المعبر عنه في مجلس تشريعي منتخب. في الحالة الأولى تكون الدولة سلطانية، خاضعة للعصبية التي تستبد بسلطتها وتسيطر عليها، وتخضع من خلالها المجتمع لنظام ثابت. وفي الحالة الثانية تكون دولة أمة، تعكس نشوء رابطة سياسية تجمع بين مواطنين، وتترجم إرادتهم في العيش المشترك، وترجع إليهم في كل ما يتعلق بمصالحهم العامة والخاصة، وتعمل من خلال مباديء دستوية وقانونية واضحة ومضبوطة، من حيث أسلوب التشريع وضبط أصوله وقواعد عمله
و مع التطور الذي عرفته البشرية و ظهور المواثيق و العهود الدولية المعنية بحقوق الإنسان باتت المجتمعات المتحضرة سواء متدينة كانت أو علمانية مجتمعات تختفي فيها – أو بالأحرى تكاد تختفي – كل التمايز و التحيزات والانقسامات التي تهدد وحدة المجتمع ، و هي وحدة تسمح بالتنوع و الاختلاف في إطار مبادئ و غايات جامعة لطوائف الأمة التى تتعايش على أرض واحدة ، من اجل مصير واحد …
المواطنة حقوق و واجبات و تحديات
يمكننا أن نخلص من كل ما سبق أن المواطنة هي كلمة تدل على طبيعة العلاقة العضوية التي تربط ما بين الفرد والوطن الذي يكتسب جنسيته ، و ما تفرضه هذه العلاقة أو الجنسية من حقوق و ما يترتب عليها من واجبات تنص عليها القوانين و الأعراف،و تتحقق بها مقاصد حياة مشتركة يتقاسم خيراتها الجميع .
مع أن المواطنة تتسع بأتساع الدولة إلا أن الدولة باعتبارها كياناً معترفاً به جغرافياً و سياسياً قد تضم مواطنين لهم جنسيات أخرى و ليست لهم التزامات المواطنين ذاتها ، و بالمثل فهم لا ينتفعون بالامتيازات ذاتها التي ينتفع بها المواطنون و في كل الأحوال ترتبط المواطنة بالدولة القائمة لها سلطات أدراية و لها نظم عاملة ،و لها دستور و قوانين و لم تعد المواطنة محصورة في ولاء عشائري و لا قبلي و لا طائفي و لا عرقي و لا طبقي .. بل يتجاوز الولاء هذه الأطر الضيقة ليرتبط بالوطن الأم الحاضن للجميع .
و في ظل المفهوم الجيد للعولمة و ما أتت به من تحولات سياسية و اقتصادية و ثقافية و علمية و تقنية فقد أصبح العالم وطننا الأكبر أو كما يقال قريتنا الكوكبية التي نسكن فيها و من ثم ظهر ما يعرف بالمواطنة العظمى أو المواطنة العالمية ( Global Citizenship) و للمواطنة بمفهومها القومي لها قيمتها و بمفهومها العولمي لها قيم خاصة بها
فالمواطنة من مفهومها القومي لها قيمها مثل الولاء ، حب الوطن ، خدمة الوطن بإخلاص التعاون و المشاركة في الأمور العامة بين المواطنين .
أما المواطنة بمفهومها العولمي فهي تتطلب
السلام ، و التسامح الإنساني و احترام ثقافات الآخرين و تقديرها و التعايش مع كل الناس ، كذلك التعاون مع هيئات ونظم و جماعات و أفراد في كل مجال حيوي كالغذاء و الأمن و التعليم و العمل و الصحة
و المواطنة بمفهومها العالمي لا تمسح أو تلغى المواطنة بمفهومها القومي فبدون تلك الأخيرة لا وجود للمواطنة بمفهومها العالمي فكلاهما يعاضد الأخر .
المواطنة حقوق
مثلما سبق و ذكرنا أن مبدأ المساواة و العدل بين المواطنين هو الطابع الأساسي للمواطنة في الدولة الحديثة و هو أمراً لم يتحقق بين عشية و ضحاها ففي بداية ظهور الدولة القومية بقيت هناك بعض صور التميز فكان المسيحي الكاثوليكي في انجلترا لا يتمتع بنفس حقوق البروتستانتي بعد إنشاء الكنيسة الإنجيلية خلال النصف الأول من القرن السادس عشر ، و بقى الحال كذلك إلى منتصف القرن التاسع عشر .
إلا أن مبدأ المساواة خطا خطواته الواسعة في أعقاب الحرب العالمية الثانية و شهدت تلك الحقبة تدوين حقوق الإنسان و ظهور المواثيق و العهود الدولية التي تلزم كافة الدول المصدقة عليها بمبادئها و نصوصها و تضمن للأفراد حقوقهم.
و عرف المجتمع الدولي للمرة الأولى تعريفا محددا لماهية حقوق الإنسان ليس هذا فحسب بل أصبح هناك معايير يمكن من خلالها قياس وضعية حقوق الإنسان في أي دولة في العالم .
وانتقلت حقوق الإنسان و حرياتها من الحيز الضيق الخاص بكل دولة إلى الحيز الأوسع فلم تعد حقوق الإنسان شأناً داخليا فحسب بل أصبحت شأناً دولياً و بات هناك ما يعرف بالشرعة الدولية لحقوق الإنسان والتي تضم المواثيق و العهود الدولية المعنية بحقوق الإنسان
و قد ارتكزت كافة المواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان على مبدأ المساواة بحيث أصبح هذا المبدأ من الحقوق الأساسية حيث تناولته العديد من المواثيق و ذلك على النحو التالي
- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948 م ( م 2 )
- العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية 1966 ( م 2)
- اتفاقية إلغاء كافة أشكال التميز العنصري 1969 ( م 1 ، 2 ، 4 )
- اتفاقية إلغاء كافة أشكال التميز ضد المرأة
لذا فأننا نجد أن كافة الدساتير الحديثة باتت تنص على قائمة من الحقوق للمواطنين – بل أن البعض توسع و منح للأجانب بعض الحقوق طالما كانوا في إقليم الدولة ” مثل المادة الثانية من الدستور الأرجنتيني 1994 و المادة العاشرة من دستور كولومبيا 1991 م .
و يصنف العديد من الباحثين الحقوق و الحريات العامة إلى حقوق سلبية و أخرى ايجابية و يقصد بالأولى تلك الحقوق التي يُنص عليها بأسلوب سلبي أي بعد جواز إخلال الدولة بها مثل ( الحق في المساواة و حرية العقيدة … الخ ) اما الحقوق الايجابية فهي التي تنص الدساتير على الزام الدولة بتوفيرها مثل التأمينات الاجتماعية و العمل و الصحة …الخ .
و على الرغم من أن مصر صادقت على كافة المواثيق و العهود الدولية التي تعتني بحقوق الإنسان و على الرغم من أن الدستور المصري كفل العديد و العديد من الحقوق و الحريات و التي يعنينا منها ألان الحقوق و الحريات الخاصة بالمواطنة مثل حرية العقيدة و على الرغم من التعديلات التي أدخلت على الدستور المصري مؤخرا فيما يخص المواطنة و النص على أن المواطنة هي أساس نظام الحكم في مصر إلا أن هناك العديد و العديد من التشريعات والنصوص القانونية التي لا تزال تحتاج إلى مراجعة شاملة كي تتوافق و المبادئ الواردة في تلك المواثيق هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فأنه عقب إقرار التعديلات الدستورية الأخيرة و التي تم التأكيد من خلالها على أن المواطنة هي النظام القائم عليه نظام الحكم في مصر فأن هذا الأمر يؤكد على ضرورة مراجعة البنية التشريعية المصرية.
حقيقة أن هناك بعض التطورات الايجابية مثل منح الأم المصرية الحق في توريث الجنسية المصرية لأبنائها ومساواتها في ذلك بالرجل إلا أن هناك احتياج إلى المزيد من الجهد فعلى سبيل المثال لا الحصر نحن في أمس الحاجة إلى إصدار تشريع خاص بدور العبادة الموحد و غيرها من التشريعات التي تعمل على ترسيخ مفهوم المواطنة هذا من ناحية و من ناحية أخرى على الدولة أن تسعى كذلك للعمل على تطوير و تحسين الظروف الاقتصادية للمواطنين وتوفير ضمانات اجتماعية للمواطنين تكفل لهم الحد الأدنى من أوضاع اقتصادية و مادية تمكنهم من الحياة بشكل يحفظ كرامتهم ، خاصة في ظل قيام الدولة بخصخصة القطاع العام و العمل من خلال سوق مفتوح و هو أمر يتطلب قيام الدولة بوضع معايير و ضوابط محددة تضمن بها حقوق المواطنين الاقتصادية و الاجتماعية .
و من ناحية ثالثة على الدولة أن تراجع قانون الجمعيات الأهلية لتطلق يد مؤسسات المجتمع المدني و التي يقع على عاتقها دور هام في ترسيخ مبادئ و مفاهيم المواطنة .
المواطنة مسؤوليات و واجبات .
سبق و أن ذكرنا أن المواطنة تعد وظيفة يتحتم على المواطنين القيام بأعبائها و هو ما عبر عنه جيمي كارتر الرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأمريكية حينما انتهت مدة رئاسته و عودته إلى ولايته قائلاً ” انه عائد إلى أعلى وظيفة في الدولة و هي وظيفة مواطن “
مسئوليات المواطنة
يقسم الباحثين مسئوليات و واجبات المواطنة إلى قسمين الأول مسئوليات تفرضها الدولة و مسئوليات يقوم بها المواطنون طواعية ؛ إلا أن هناك من ينظر إلى الأمر من زاوية مختلفة و يقسم مسئوليات المواطنة من خلال المواطن ككيان قانوني و المواطن ككيان سياسي ..
أولا : مسئوليات المواطنة كمسئوليات تفرضها الدولة و مسئوليات يقوم بها المواطنون طوعاً
و يعتبر هذا التقسيم هو التقسيم الأكثر يسرا ًو سهولة في التعرف على مسئوليات المواطنين خاصة و أن كان المتلقي من غير القانونين .
المسئوليات الإلزامية
و هي المسئوليات التي تفرضها الدولة على المواطنين و هي .
1- الضرائب
2- الخدمة في القوات المسلحة و الجيش
3- الالتزام بالقوانين التي تفرضها الدولة و يسنها ممثلو الشعب في البرلمان .
المسئوليات الطواعية
أما بالنسبة للمسئوليات التي يقوم بها المواطنون طوعية دون فرض التزامات عليهم بشأنها هي
- المشاركة في تحسين الحياة السياسية و المدنية
- النقد البناء للحياة السياسية ،
- العمل على تضيق الفجوة ما بين الواقع الذي نعيشه و الغايات و الآمال الديمقراطية التي نرجوها .
و كما هو واضح فأن المسئوليات الإلزامية هي مجموعة من الالتزامات التي تفرض على المواطنين تجاه الدولة بموجب الدستور و القوانين .
فالدستور هو عقد ما بين الحكومة و المواطنين يرتب لكل منهما حقوق و يلزم كل منهما بواجبات والتزامات و غالبا ما ينص على تلك الحقوق و والواجبات في باب منفصل بالدستور يسمى بباب الحقوق و الواجبات العامة .
كما تفرض مجموعة من الالتزامات الأخرى من خلال القانون العام و هو القانون الذي يختص بتنظيم العلاقة ما بين الفرد و الدولة و تظهر الدولة فيه بمظهر السيادة .
هذا و قد أكد الدستور المصري (1971 م ) على مجموعة من الواجبات العامة و هي .
1- الواجب الوطني في مكافحة الأمية .
2- واجب العمل .
3- واجب الدفاع عن الوطن و أراضيه.
4- واجب الحفاظ على الوحدة الوطنية .
5- صيانة أسرار الدولة .
6- الواجب الوطني في المساهمة في الحياة العامة.
ثانيا : المواطن ككيان قانوني و كيان سياسي.
يعتبر تعريف الالتزامات و المسئوليات من المنظور القانوني و السياسي أكثر عمقا من التعريف السابق الإشارة إليه وهو يعتبر أن المواطنة لها عنصران أساسيان و هما المواطن ككيان سياسي و المواطن ككيان قانوني و حقيقة أن العديد من الباحثين يرون أن هذا التصنيف يقع محله في تعريف المواطنة و بيان عناصرها إلا إننا نرى أن موقع هذا التصنيف سيكون في تحديد مسئوليات المواطنة.
1- المواطن ككيان قانوني .
عندما نصف المواطن بأنه كيان قانوني فأننا نقصد بذلك ذلك الجانب من ممارسات و سلوكيات الأفراد الذي ينظمه القانون على مستوى علاقة الفرد بأفراد آخرين ، او على مستوى علاقته بالدولة و هي العلاقة الذي تلعب فيه الدساتير و التشريعات دورها لتحقيق هذا التوازن ما بين المصلحة العامة للمجتمع ككل و المصلحة الشخصية .
و هنا نقترب إلى فكرة المسئوليات الإلزامية التي تحميها الدولة و تسن تشريعاتها العقابية لمعاقبة أي من المواطنين اخل بتلك الالتزامات .و بناء على تلك الالتزامات نشأت للمواطن حقوقاً موازية يستطيع ان يلجأ إلى القضاء لينالها إذا ما حرم منها .
و خلاصة الأمر أن المواطن ككيان قانوني له حقوق حددها القانون و عليه التزامات قانونية يتمتع بها
المواطن ككيان سياسي.
و يقصد بها أن المواطن هو أساس العملية الديمقراطية ، فالدولة المدنية تقوم على أساس الإرادة الشعبية و الشعب ما هو إلا جموع المواطنين الذين يختارون من يحكمهم .
فالفرد منذ ولادته حتى ينمو و يصبح عضوا في جماعة يشارك همومها و يشارك في إدارتها عن طريق حقوقه السياسية فالعهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية اكد على ان لكل فرد يولد له الحق في ان يجمل اسما معينا و جنسية بلدة تلك الجنسية التي تُعد أول أشكال الروابط القانونية للمواطنة .
و المواطن ككيان سياسي هو المواطن الرشيد الذي يتمتع بالشخصية القانونية و يصبح له الحق في المشاركة في المجتمع الذي يعيش فيه المشاركة في إدارة هذا المجتمع و البعض يرى ان تلك المشاركة في مظهرها هي حق و في جوهرها هي التزام طوعي .
و يتضح أن كافة المسئوليات التي تقع على عاتق المواطنين هي مسئوليات تهدف في المقام الأول تحقيق الصالح العام فالصالح العام Public interest هو الهدف الرئيسي من نشأة السلطة و الدولة فالدولة جاءت لتحقيق صالح المجتمع و خير أفراده ككل ، و هو ما لا يتأتى إلا من خلال أيمان الإفراد بالصالح العام و الخير المشترك و يذهب أرسطو إلى أن الخير واحد بالنسبة للفرد و الدولة ، و أن خير المجتمع أكثر كمالا و أسمى و أجدر بالسعي من الخير الفردي ، ويتفق أفلاطون مع ما ذهب إليه أرسطو من أن ما هو خير للدولة يكون بالطبيعة خيرا للفرد .
و يؤكد أرسطو على أن المجتمع لا يستمر ما لم يتصرف أفراده بشكل عقلاني يحقق الخير المشترك لهذا المجتمع .
و يرى العديد من الفلاسفة بأنه من العقلانية أن يضحي الفرد بجزء من خيره المادي لصالح المجتمع ، و أن من ينشدون خير المجتمع يحققن أيضا في الوقت ذاته خيرهم الخاص ؛ و ذلك لان الخير الخاص لا يمكن ان يتحقق دون الخير المشترك للمجتمع .
و بدونا نقول انه لا يمكن أن تتحقق الديمقراطية في أي مجتمع دون أن يعي مواطنيها مفهوم المواطنة بشقيها واجبات و حقوق واجبات تفرضها الدولة و تحميها بسياج من التشريعات العقابية التي تلزم المواطنين بأدائها وهو أمر لا يشوبه أية شائبة و واجبات أخرى بها المواطنون طواعية و هو امرأ لا يجوز للحكومات أن تتدخل فيه لإلزام المواطنين بأدائه و أنما هو دورا يجب أن يسعى المواطنون لأدائه طواعية و بدون هذا الدور تفقد المواطنة واحدة من أهم ركائز دعامتها الخاصة بالواجبات و هو ما يؤدي دون شك إلى فشل التجربة الديمقراطية :-
فالديمقراطية لن تتحقق بمجرد بناء دولة مدنية تعبر عن المصلحة العامة للمواطنين ؛ لان هذه الدولة تتحول إلى دولة استبدادية تمارس استبدادها باسم المصلحة العامة ، و من هنا ظهرت الحاجة إلى خلق توازن ما بين المصلحة العامة التي تمثلها الدولة المدنية و المصلحة الخاصة التي يمثلها حقوق الفرد المواطن ؛ و المواطنة هي رمانة هذا التوازن ولكن هذا التوازن لن يقم من دون أن تكون المواطنة مستنده إلى الواجبات الغير إلزامية و التي يفترض على المواطنين القيام بها و بدون تلك الواجبات يختل هذا التوازن و تميل الكفة صوب الدولة الاستبدادية .
و عليه فأننا يمكننا قياس مدى تقدم التجارب الديمقراطية في الدول من خلال بحث مدى التزام مواطنيها بمسئولياتهم التي تفرضها المواطنة و مدى تمتعهم بحقوقهم و لا يقصد بالالتزامات والواجبات هنا الالتزامات القانونية فحسب بل أننا نرى أن مدى التزام المواطنين بالمسئوليات الطواعية هو اكبر دليل على مدى تقدم التجربة الديمقراطية في أية دولة
و بالنسبة للوضع في مصر ففي دراسة حديثة لمؤسسة ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان صدرت في أكتوبر 2007 تحت عنوان المواطنة حقوق و اجبات و قد تناولت تلك الدراسة مدى التزام المواطنين بالواجبات القانونية و الإلزامية التى تفرضها المواطنة .
وقد ألقت تلك الدراسة الضوء على الجرائم التي رصدتها المؤسسة والتى تمثل فى مجملها اخلال من قبل بعض المواطنين في الوعى بواجبات المواطنة وذلك خلال سبعة أشهر من يناير 2007 و حتى يوليو من ذات العام حيث رصدت الدراسة ى هذا الإطار 93 جريمة على النحو التالي
– 22 حالة تهريب آثار- 16 سرقة كابلات كهرباء – 20 حالة سرقة قضبان و وصلات خاصة بالسكك حديدية – 13حالة سرقة كابلات تليفونات – 12 حالة إتلاف ممتلكات عامه – 5 حالات اختلاس و سرقة لمدارس و مواد بناء في مشروعات حكومية – حالة واحدة اختلاس أموال شركات عامه – ثلاث حالات قطع و أعاقة طرق- حالتين سرقة دور للعبادة .
و قد انتهت الدراسة إلى مجموعة من المستخلصات الختامية و التى جاءت على النحو التالي .
و قد توصلت المؤسسة من خلال تقريرها هذا إلى مجموعة من الملاحظات و هي على النحو التالي
أولا / 26.8 من الجرائم التي رصدتها الدراسة في القاهرة وحدها .
رصدت الدراسة 93 جريمة اعتداء على المال العام او المرافق العامة او الاثار و قد احتلت القاهرة المركز الاول في تلك الجرائم حيث ارتكب سكان القاهرة 25 جريمة من تلك الجرائم بنسبة تصل الى 26.8 % ، و جاءت القليوبية في المركز الثاني بنسبة 8.6% من اجمالي الجرائم التى تم رصدها بينما حلت محافظة الجيزة في المركز الثالث بسبعة جرائم بنسبة 7.5%.
ثانيا / سرقة الآثار و السكك الحديدة و اسلاك الكهرباء المعدل الاعلاى للجرائم التى رصدتها الدراسة
أوضحت الدراسة ان جرائم سرقة الاثار من اكثر الجرائم التى ارتكبت خلال فتره الدراسة حيث بلغت عدد الحالات التى رصدتها الدراسة 22 حالة بنسبة 23.7% و قد جاءت جرائم سرقة السكك الحيدية في المرتبة الثانية 21.3 % من اجمالي الجرائم التى رصدتها الدراسة و جاءت كابلات الكهرباء في المركز الثالث بنسبة 17% بينما جاءت جرائم سرقة كابلات التليفونات في المرتبة الرابعة بثلاثة عشر واقعة شكلت 14% من اجمالي الجرائم التى رصدتها الدراسة .
ثالثا / الشباب هم اكثر المعتدين على المال و المرافق العامة
أظهرت الدراسة ان 19% من الجرائم التى رصدتها الدراسة ارتكبت من أفراد تجاوزوا الاربعين عاما و انخفضت نسبة الجريمة في المرحلة العمرية الاقل من 18 عاما حيث لم ترصد الدراسة سوى حالتين فقط لا غير سجلت نسبة 2.8 % بينما اعلى المعدلات كانت للفئة العمرية من 21 و حتى 30 عاما بنسبة 31% من اجمالي الجرائم المرتكبة .
رابعا / العاطلين الأكثر فقدانا لمعنى المواطنة
أكدت الدراسة على أن أكثر من 24% من مرتكبي الجرائم التي رصدتها الدراسة من العاطلين ، كما أشارت إلى أن 18% من الجناة من العمال ان 15% مسجلين خطر و ان 12% من الجناة هم من العمال أصحاب الحرف الخاصة ( نجار ، كهربائي ..الخ ) .
ان المواطنة باعتبارها مناط الحقوق والواجبات فى المجتمع هى الضمانة الرئيسية لمجتمع ديمقراطى يتمتع فيه الجميع بكافة الحقوق ويؤدوا ما عليهم من واجبات بصرف النظر عن الدين أو الجنس أو اللغة الا انه في ذات الوقت يعد الحديث عن المواطنة باعتبارها حقوقا فقط احد اهم معوقات ترسيخ مبدأ المواطنة لان المطالبة لاحق تتساوى مع مسئولية اداء الواجب.