نشرت جريدة المدى العراقية، في عددها 3350 المصادف 29-4-2015 انطباعات شخصية
أسمتها كاتبتها السيدة حميدة العربي: “المراكز الثقافية فيالخارج هل تعرف دورها وطبيعة عملها”
العنوان لا شك تعميم بتعميم، وكله تجهيل بقابليات الآخرين ، وكأن الكاتبة هي وحدها من يعلم الدور، وهي وحدها من يعرف طبيعة العمل وكيف يدار وأعطتنا درسا في ستراتيجية العمل الثقافي للاتحاد السوفيتي السابق ودرسا في تكتيك الإنكليز وكيف يغرد الفرنسيون في مؤسساتهم الثقافية ولكنها جانبت جادّة الصواب في سيرة مؤسستنا الثقافية، كيف يجعل الإنسان من نفسه ببساطة،” كلّيّ العلم” : Omniscience ، واغلب الظن ان التعميم يضرّ، أوّل ما يضرّ، بصاحبه ويظهره بدور المتجني والمتعالي معاً. كان المفروض أن ُيقارن المركز الثقافي بالمؤسسات الثقافية الدولية بعد ان توضع بالحسبان ثلاث نقاط أساسية وهي عمر المركز ، ميزانيته وأخيرا نتاجه وهل انتفعت
منه الجالية العراقية وهي بيت القصيد. هذا هو المعيار الحضاري التي تقاس به الأمور في البلدان المتطورة والعقول النيرة. متى تترسخ لدينا ثقافة النقد البنّاء التي تبنى اولا على أساس المعرفة التامة بالشئ ، ظروفه ،بيئته ، ماهية التحديات التي تواجهه و الافاق التي يمكن ان تخرج من تلك المعطيات اولا ومن ثم انتقاده كي نخرج بمحصلة ، اما أقلامنا تَجهل بالشيء فتَجهل عليه و وتضلل القارئ بتفاصيل تصيببه بالملل ولاتعود عليه بالنفع.
ما ضرّ لو اتصلت الكاتبة بأي موظف بالمركز الثقافي العراقي لزوّدها عن طيب خاطر بالمعلومات الضرورية حتى تتجنب التعميم والتخرص.
وإذا كانت صاحبة المقال تتعالى عن السؤال كونها عالمة بكل شيء فكان يجدر بها ككاتبة ان تجيد البحث على شبكة المعلومات (الإنترنيت) فبمجرد ان تتصفح موقع المركز او صفحته على موقع التواصل الاجتماعي تجد كل نشاطات المركز موثقة بالمعلومة مدعومة بالصورة والفلم وكما يقول المحترفون من الصحفيين ” الصورة لاتكذب” اي انها ليست كالكلمات التي تُزَيف وتُزِيف.
تقارن السيدة الكاتبة المركز الثقافي العراقي بلندن، بمراكز ثقافية أجنبية ببغداد،”كالسوفيتي ايام زمان، والبريطاني والفرنسي وغيرها”.وتقول لقد افتتح المركز قبل أكثر من عام”.
إذن كيف طاب لها مقارنة مركز لا يتجاوز عمره ثلاثة أعوام بمؤسسات عريقة مخضرمة ؟ ثم سالت صاحبة المقال نفسها عن ما هي ميزانية المركز الثقافي العراقي، وما ميزانية تلك المؤسسات؟ مع ذلك لم تنصف فتذكر مثلاً زيارة رئيس المعهد البريطاني العريق السيد مارتن ديفيدسون Martin Davidson للمركز وثناءه على عمل المركز واعجابه بما انجزه في وقت قصير لايتناسب وعمره ولو كنت متابعة لعرفت ما أوردته ادبيات المعهد البريطاني عن المركز الثقافي العراقي وعمله.
تريد الكاتبة ان يقوم المركز بالمعجزات في ظل ميزانيته منها إصدار مجلة باللغة الأنكليزية، كما دعت الى فتح مدارس لتعليم اللغة العربية للأجانب، دعوة وفود أجنبية لزيارة العراق، وترجمة الادبيات العراقية إلى الإنكليزية… إلخ، ما أجمل الأحلام السادرة ولكن ما أخطرها إنْ لمْ تكنْ مشفوعة بالعمل الدؤوب، لماذا لا ننظر إلى الأمور بتواضع وموضوعية بدلاً من إغراق العاملين بالمعجزات، وما سطرته السيدة الكاتبة يدخل في باب المعجزات وهي إنْ محضتها مجرد عراقيل وإحباطات.
الأنكى من ذلك كيف فات صاحبة المقالة التعميمية أنْ ليس للروس جالية بالعراق، وليس للإنكليز جالية بالعراق، وليس للفرنسيين جالية بالعراق. بينما الجالية العراقية ببريطانيا من أعرق وأكبر الجاليات الأجنبية، كما أنّ معظم الأطفال العراقيين الذين ولدوا ببريطانيا، أو الذين نشأوا بها، مقطوعو الصلة بالعراق عملياً ولا يتكلمون اللغة العربية أو الكردية كما ينبغي. كان لا بدّ لأي مركز أن يركز جلّ اهتمامه بالجالية العراقية على قاعدة :” العراقي اولا. على هذا آفتتح المركز دورات في تعليم اللغة العربية واللغة الكردية، وأقام عدة ورشات تعليمية عملية… اذا كنت تستكثرين على العراقي الاحترام والاحتضان في المؤسسات العراقية فنحن نقول لك “العراقي اولا” .. كيف نعكس صورة العراق وارثه الثقافي والحضاري في غياب المثقف العراقي عن المشهد ؟ هل ندعو الإنكليز او غيرهم لزيارة مبنى المركز الذي سيكون خاويا بلا شك في حال غياب أهل الدار “العراقييون”، ومرة اخرى ادعوك لمراجعة موقعنا وصفحتنا على الفيس بوك ستجدين عشرات المحاضرات والندوات والأمسيات لانكليز تحدثوا بها عن حضارة وادي الرافدين او عن النتاج الفكري العراقي عبر الزمن ، ناهيك عن المعارض الفنية العراقية التي أقمناها في جامعات ومؤسسات ثقافية وفنية بريطانية. عريقة ولا يستطيع أيّ صاحب عين منصفة أن ينكر المهرجانات التي أقمناها في المملكة المتحدة على الهواء الطلق بجوار نهر التايمز او على قاعات الجامعات البريطانية او على قاعات لندن الشهيرة ولكن يبدو انها لم تستفز فضولك لحضورها ولكن أطمئنك بان مئات المهتمين من عراقيين اولا قبل غيرهم (موضع فخري واعتزازي) وانكليز وجنسيات اخرى حضرت وغنت واستمتعت بالموسيقى وعروض الأزياء واللوحات الفنية لفنانين عراقيين مغتربين ، ولكن يبدو أنها أُقصيت عن النقاش، ولكنْ للعلم ثمة كثرة كاثرة من المهتمين من عراقيين في المقام الأوّل ومن انكليز!!!
لو أرادت الكاتبة أن تقيّم المركز تقييماً علمياً وموضوعيّاً، فلا بدّ لها من مقارنته بالدوائر الثقافية الاخرى ، عليها ان تطلع اولا على الميزانيات ومن ثم النتاج كي تخرج بنتيجة منصفة .
ألا يستحق هذا بحدّ ذاته كلمة طيبة، فنشيع بذلك التفاؤل بدلا من إشاعة التشاؤم وتفتيت الجهود.
اعادت الى الاذهان خاطرة السيدة حميدة العربي قولا عربيا يكتب بماء الذهب يقول” المرءُ عدو ما يجهل” ولمن يريد ان يطّلع على جهد المركز بإنصاف وبلغة الأرقام التي لاتحمل نقمة ولا كراهية