تحت عنوان (المثقف والطائفية) قدمت الكاتبة والروائية العراقية ابتسام يوسف الطاهر امسية في مؤسسة الحوار الانساني بلندن يوم الاربعاء 10 /2/2016 ،وقد اشارت في بداية الامسية الى ان هذه الورقة او البحث هو عبارة عن استطلاع رأي عملت عليه الكاتبة لتستقرأ اراء المثقفين العراقين حول موضوع الطائفية.ثم ذكرت ؛ قبل البدء اود ان انوه انني اعتبر كل الاديان متشابهة ومستنسخة عن بعضها البعض ،لذا لم اعد اؤمن بأي منها،لكني والحمد لله اؤمن بخالق هذا الكون ، اقول هذا لاقطع الدرب على من قد يتهمني بالتحيز لفئة ما او طائفة ما،وانا اقول انني انتمي لطائفة مهمة وعزيزة على قلبي هي العراق ،العراق بشمسه الحارقة وبرده القارس ،بجباله وسهوله وانهاره واهواره.
وتشير الاستاذة ابتسام الطاهر الى ان هناك شروح عديدة وتعريفات كثيرة لكلمة المثقف والثقافة تملأ صفحات الانترنت،لكنني ارى ان الثقافة لاتقتصر على المعرفة الشاملة والمكتسبة من الكتب،بل صارت تدل ايضا على ثقافة المرء ومعارفه الاجتماعية والاخلاقية وتمييزه بين الصالح للمجتمع والمضر به ،فالمثقف بحسب احد التعريفات هو (الناقد الاجتماعي) همه ان يحدد ويحلل ويعمل من ذلك على المساهمة في تجاوز العوائق التي تقف امام بلوغ نظام اجتماعي افضل،نظام اكثر انسانية واكثر عقلانية، كما انه الممثل لقوة محركة اجتماعيا يمتلك من خلالها القدرة على تطوير المجتمع من خلال تطوير افكار ومفاهيم تخدم المجتمع ، والمثقف هو من يملك قدرا من الثقافة التي تؤهله لقدر من الالتزام الفكري والسياسي تجاه مجتمعه.
ثم اضافت السيدة الطاهر ؛هناك خطأ شائع بين بعض المثقفين المسلمين بشكل خاص مفاده ان الاديان الاخرى اقل عنفا من الاسلام ،وانها لم تعرف الصراع الطائفي الذي نعانيه اليوم ،وبعيدة عن التطرف الذي اضر بالاسلام في الوقت الحالي. لكن التاريخ ينبئنا عن الحروب الصليبية سيئة الصيت وعن حروب وصراعات دامت قرون شنت بأسم المسيحية بين البروتستانت والكاثوليك.. وكانت احد اسباب تخلف اوربا في مرحلة ما كنا نسميه بعصور الظلام في اوربا.
واشارت السيدة ابتسام الطاهر :لقد وضعت احدى الصديقات على الفيسبوك صورة مؤثرة لقبرين تبين تحايل المهندس على الطائفية احدهما لزوج كاثوليكي واخر لزوجته البروتستانتية ،فجعل منها يدين تتعانقان عبر الجدار الفاصل بينهما،وهنا تجدر الاشارة الى ان الاوربيين ،قد تجاوزوا محنتهم الطائفية وابعدوا الكهنة والقيادات الدينية عن شؤون البلاد السياسية ،ثم جاءت الثورة الصناعية التي ساهمت بالتطور الاقتصادي ،وبهذا طوروا انفسهم وبنوا حضارتهم الحالية. اذن التطور الصناعي والمصالح الاقتصادية اليوم هي التي تتحكم بالصراعات بين طبقات المجتمع وبين الدول،فعلماء الاقتصاد يرجعون السبب الاول لتلك الحروب واستغلال الدين والتعصب الطائفي الى العامل الاقتصادي.
وبينت السيدة الطاهر ان غريزة حب البقاء ما زالت تتحكم بالانسان فهو لم يخرج من الغابة او بالاحرى كلما خرج منها يعود اليها من جديد لينطلق الحيوان الذي في داخله والذي همه الغاء الاخر.تلك الغريزة يستغلها الاخ الاكبر…المتمثل بأمريكا،مضافا لها بهارات عواطف الانسان ومشاعره ازاء كل ماله علاقة بالدين ،مع الكثير من الاملاح الطائفية ، بهذا نجحت طبختهم وقد وجدت الارض الصالحة لها في مجتمعاتنا المتشظية والمتشرذمة والتائهة. لذا انا لااتفق مع من يبعد امريكا وتدخل الدول الكبرى في تلك الصراعات التي نعيشها منذ عقود بل منذ عصور.منذ عصر الاستعمار او الاستعباد حتى وقتنا الحالي ،فامريكا تستعمرنا او تستعبدنا منذ الحرب مع ايران وبعدها وجهت (القائد الضرورة)لاشعال حربه ضد الكويت ،واستعمرتنا بشكل مباشر منذ 1991 ،حينهادفعت حكومة صدام الورقية لتلعب ورقة العشائر والطوائف…واول اعلان مباشر لذلك حين اطلق العنان لعشيرته لقتل صهره زوج رغد صدام حسين التي تعتبر اليوم احد اهم ممولي داعش اليوم .مع ان المشكلة كانت معارضة ذلك الصهر للرئيس عسكريا وسياسيا ولم يكن الامر عائليا ،ومن ثم تخلت الدولة عن كل واجبتها ازاء المواطن الذي لم يجد غير عشيرته ومن ثم طائفته لتوفر له الحماية والعزوة بعد انتشار عصابات السرقة والقتل والخطف على اثر فرض الحصار.
ثم اضافت السيدة ابتسام الطاهر ؛اذن وراء كل مصبة هنالك يد مباشرة او مستترة لامريكا وبعض الدول الاوربية ومعهم بعض الدول العربية التي تسيرها الادارة الامريكية،تذكرون كوارث رواندا والمجازر التي ارتكبت بين قبيلتي التوتسي والهوتو ،حينها قدم التلفزيون البريطاني فيلما وثائقيا عززه بصور ومشاهد حية صورت في الخمسينات والستينات من القرن الماضي،حين كانت بلجيكا تستعمر رواندا ،رأينا كيف وظفت بلجيكا علمائيها واطبائها ليقواموا بحملة فحص وقياسات لاطوال ورؤؤس ابناء القبيلتين ليوهموا احدهما انه متفوق على الاخر لانه الاطول او الاجمل. لكن رواندا بعد تدخل الدول كلها والمنظمات الانسانية استطاعت بعد مجازر حصدت الاف الارواح ان تتوصل لحلول انسانية اولها الغاء التسميتين التوتسي والهوتو،فهل هناك من له الحكمة والقوة والحب للوطن والانسانية ليصدر قرارا يمنع فيه استخدام المسميات الطائفية والاثنية كالسنة والشيعة والعرب والاكراد؟
ثم اضافت ؛لم يكن في رواندا سنة وشيعة ..عرب او اكراد ولا خمير حمر وغيرهم من القبائل كما هو الحال في كمبوديا ،ولا شيوعين ورأسماليين كما هو الحال في كوريا الشمالية والجنوبية ،هنالك قبيلتين ولابد من ايجاد وسيلة للتفرقة بينهما.كذلك كان للاستعمار البريطاني الدور الاول في تعزيز الكراهية بين اليهود والمسلمين والمسيحين في العراق والمسلمين والهندوس والسيخ في الهند وبعض الدول التي كانت تستعمرها وتعزز الصراع اكثر بعد خروج المستعمر الذي بذر بذوره.نعم هناك بعض النفوس التي يسهل زرع تلك البذور في دواخلها ،فمن المخجل حقا ان نرى البعض ينزع عنه قناع الوطنية والانسانية ليظهر وجهه الحقيقي العنصري والطائفي ،خاصة بين من يدعي الثقافة والمعارضة لصدام.
ثم اضافت السيدة الطاهر ،فأن يسألني زميل جاهل بعد 2003،هل انت شيعية ام سنية ؟ بعد سنوات من العمل معا،هذا لا استغربه او استبعده،او يسأل مواطن انكليزي امرأة عراقية مسيحية كانت تصلي معه في نفس الكنيسة ،هل انت شيعية ام سنية؟ هذا ايضا لا نستغربه ،لكن ان يحكي شاعر او كاتب او كاتبة باسم الطائفية وان الشيعة عملاء لايران واخر يعتبر السنة عملاء للسعودية ،فهذا ما يحز بالنفس ويهد جدران الامل ،لان الامر برمته فيما يخص العراق هو البعث ،الذي كما قال عنه الكاتب كريم كطافة (انه شيء لالون ولارائحة له بل يتلون مثل الحرباء)بالامس لبس قناع المقاومة الشريفة ليفجر الشورجة وسوق الغزل والمدارس والمطاعم ،بعدها لبس قناع التهميش ،ثم قناع الدين تحت اسم داعش بالتعاون مع لقطاء القاعدة ليعيث بارض العراق فسادا وهذا بمساعدة بعض من يعملون في الدولة سواء اعضاء برلمان او وزراء ووكلاء وزراء .
وهنا تسائلت السيدة الطاهر ؛هل المثقف في ظل تلك الفوضى مؤهل ليلعب دور السياسي ؟او ليقع في فخ السياسة وبالتالي التعصب الطائفي؟هل المثقف قادر اليوم على التأثير في الشارع ؟بعد ان يتخلى عن عصبيته لطائفته او حزبه؟
ثم اجابت ؛الكثير من المثقفين العراقيين بشكل عام ،واليساريين بشكل خاص وظفوا فنهم من اجل المجتمع وقضاياه،والتزم الكثير منهم جانب الدفاع عن حق المجتمع في التطور والتقدم ،ما عدا قلة ممن استماله النظام السابق الى جانبه.
وغالبية المثقفين او المبدعين لم يعارضوا النظام السابق لانه سني ،ونعرف ان الالاف من الشيعة كانوا منتمين لحزب البعث عن قناعة او خوف من بطشه،ومنهم من له ضلع في السلطة،كذلك الاعتراض على السلطة الحالية بعيد تماما عن منطق كونها شيعية وهي ليست كذلك لان الطوائف الاخرى مشاركة فيها،انما رفضنا جاء اولا لطائفيتها وتقسيم السلطة على اسس طائفية بعيدة عن الكفاءة والاخلاص والحرص على الوطن والمواطن . ادانتها تنصب على ما قدمته للمواطن ،اعتراضنا على عدم كفاءة تلك السلطة في ادارة الدولة وعدم الاهتمام بما يتعرض له الشعب والوطن من مخاطر وما يحصل الان من كوارث امنية ودخول العصابات الارهابية وما دمرته من البلد.
اذا كانت الخلافات بين السنة والشيعة عقائدية ،فقد صارت النزعة التنافسية حول السلطة ومغانمها هي الدافع الاول لتلك الخلافات ،خاصة بعد سقوط نظام البعث حيث صار التمثيل البرلماني طائفيا بعيدا عن تمثيل المواطن العراقي.فصارت السلطة كعكة تتقاسمها قيادات اغتصبت تمثيل المكونات الرئيسية من الشيعة والاكراد والسنة ،اي ان للسنة حصة في هذه الكعكة وليسوا مهمشين كما يدعي الكثير منهم ،وبقي القسم الاكبر من الشعب بمختلف مكوناته فقيرا ،يفتقد لابسط مكونات الحياة اليومية في بلد غني بموارده الطبيعية مثل العراق.
وتضيف السيدة ابتسام الطاهر؛في ظل هذه الفوضى ظهرت اصوات كثيرة تعزز الطائفية بكل اشكالها ،لكن المؤلم ان بعض هذه الاصوات من بين من كنا نعتبرهم رموزا للثقافة العراقية ،لاسيما من كانوا يسيرون في ركب المعارضة للنظام السابق،ومنهم من طرح وجهات نظر كاريكتورية مضحكة مبكية ،فهذا يجعل من الشيعة عملاء لايران وولاءهم لها اكثر من ولاءهم للعراق ،وذاك يبتدع نظريات ويجعل من النبي محمد ابنا للنبي ابراهيم ،ولم يكتف بذلك بل يجعل من النبي ابراهيم (شيعيا) اذن فالنبي محمد شيعي،بحسب رأي ذلك الفطحل في الفقه .
والمشكلة في هذه المهاترات البعيدة كل البعد عن الثقافة والدين انها تنتشر على صفحات الانترنت ،وتشكل خطورة كبيرة حيث انها تحضى بتأثير على البسطاء ،خاصة من باتوا يرون ان الوضع في ظل النظام السابق (السني) حسب ادعائهم ،هو افضل من الوضع الحالي المتردي امنيا واقتصاديا .على الرغم من ان من يقوم بالتفجيرات هم من مرتزقة النظام السابق الممولين من عائلة صدام وقيادات البعث المقيمين في الاردن والخليج مع بعض من سموا بالقاعدة بالامس واليوم باتوا داعشا ،بعد ان بارت سلعة الماركة المسماة بالقاعدة ،مستغلين غياب القانون وصراع الكتل الطائفية على مناصب السلطة من اجل منافع شخصية مما عرض البلد للتخريب والتدمير .
ثم استنتجت الاستاذة الطاهر ؛الانبعاث الطائفي امر صادم ومحير ،لكنه سلط ضوءا كاشفا على زيف وسطحية الانتماءات الحديثة للمثقف العربي ،وهو ما يدل على زيف المثقف العربي امام بريق الطائفية ،ثم اضافت ان الطائفي يتعصب حتى ضد نفسه وضد مصالحه ،وهذا هو المثال الاعلى للعمى الطائفي ،وان اشد انواع العمى ظلمة هو العمى الطائفي الذي يتغنى فيه الاعمى برومانسية الظلام القادم ،ولديه استعداد ليفقأ عينيه بنفسه ليتحقق حلمه الطائفي،كما رأينا ذلك بتهليل البعض لداعش وفتح الابواب مشرعة لتلك العصابات ،ومثال ذلك تأييد الشاعر سعدي يوسف وبعض الكتاب القوميين وكذلك برلمانيون عراقيون لداعش ما دامت تمثل الطائفة التي ينتمون لها.
واختتمت الاستاذة ابتسام الطاهر الامسية بتأكيدها على ضرورة ان يعي المثقف دوره الفاعل في الوقوف بوجه النزعة الطائفية التي غزت مجتمعنا،وان المثقفين كشريحة تقع على عاتقهم المهمة الاكبرفي تخليص المجتمع من هذا الداء الخطير.