أمجد فتحى-
نبذة عن المؤلف:
جورج فريدمان.. هو مؤسس والمدير التنفيذى لشركة ستراتفور (كبرى الشركات الخاصة فى مجال الاستخبارات واستشراف المستقبل)، وكثيراً ما يشار إليه على أنه خبير إعلامى. ألف أربعة كتب، كان آخرها “حرب أمريكا السرية”، ونشر العديد من المقالات حول الأمن القومى والحرب المعلوماتية وأمن الحاسبات الآلية وعمل المخابرات. يعيش فى مدينة أوستن بولاية تكساس.
العرض العام
يقع هذا الكتاب فى 253 صفحة من القطع المتوسط، ويتكون من ثلاثة عشر فصلاً، بالإضافة إلى المقدمة والخاتمة.
فى هذا الكتاب، يستخدم المؤلف خبراته فى العمل المخابراتى – وإن كان على مستوى القطاع الخاص – فى تحليل الماضى والحاضر، ومن ثم استشراف ما يمكن أن يحدث فى المستقبل وبالتحديد فى القرن الحادى والعشرين بأكمله، وفى الوقت نفسه يجعل الولايات المتحدة محوراً لتحليله هذا. ويعترف الكاتب بأنه لا يمتلك بلورة زجاجية يقرأ بها المستقبل، لكنه يشير إلى أن لديه طريقة – وإن كانت منقوصة – أثبتت نجاحاً فى فهم الماضى والتنبؤ بالمستقبل، كما يعترف بأن الكثير مما سيتوقعه قد لا يحدث، وأن هدفه هو تحديد التوجهات الرئيسية، جيوسياسياً وتكنولوجياً وديموغرافياً وثقافياً وعسكرياً، بمنظورها الأوسع، وبالتالى تحديد الأحداث الرئيسية التى قد تقع خلال القرن الحالى.
ويرى الكاتب أن العصر الأوروبى قد انتهى وأن عصر أمريكا الشمالية قد بدأ، وأن الولايات المتحدة ستسيطر على هذه القارة خلال المائة عام المقبلة، وأن أحداث القرن الحادى والعشرين ستدور حول الولايات المتحدة، وهذا لا يعنى بالضرورة أن نظامها عادل أو أخلاقى، أو أن نموذجها الحضارى قد وصل لمرحلة النضج، ولكنه يعنى بطريقة أو بأخرى أن تاريخ الولايات المتحدة سيصبح تاريخ القرن الحادى والعشرين
ويسرد الكاتب أهم الأحداث الكبرى التى وقعت فى القرن العشرين ويخلص من هذا السرد إلى أنه لو كنا فى بداية القرن العشرين، لكان من المستحيل التنبؤ ببعض هذه الأحداث، ولكن هناك بعض الأمور التى كان من الممكن ــ بل ولقد تم بالفعل ــ التنبؤ بها. ثم يتناول أهم الأحداث التى وقعت فى أوائل القرن الحادى والعشرين، ورؤيته لتطور الأمور مستقبلاً خلال هذا القرن. ويرى أن الحدث الرئيسى خلال هذا القرن هو بقاء قوة وحيدة قائمة وبرسوخ وهى الولايات المتحدة، وأن قوتها وموقعها الجغرافى يجعلانها القوة الفاعلة المحورية للقرن الحادى العشرين.. ولذلك يتنبأ بأن يتمحور تاريخ القرن الحادى والعشرين ــ وبصفة خاصة النصف الأول منه ــ حول صراعين متضادين، الأول عبارة عن محاولة قوى ثانوية تشكيل تحالفات للسيطرة على الولايات المتحدة واحتوائها، والثانى سيكون تحرك الولايات المتحدة بشكل استباقى لمنع تشكيل مثل هذه التحالفات. ويضرب الكاتب مثالاً على ذلك وهو محاولة زمرة من المسلمين إحياء الخلافة الإسلامية، وقيامهم بتوجيه ضربة فى نهاية الأمر إلى الولايات المتحدة – متمثلة فى أحداث الحادى عشر من سبتمبر عام 2001 – لجرها إلى حرب لإظهار ضعفها وإطلاق انتفاضة إسلامية. وقد ردت الولايات المتحدة باجتياح العالم الإسلامى، ليس بهدف الانتصار عليه، بل لإشاعة الفوضى فيه، ووضعه فى مواجهة مع نفسه، بحيث لا تنهض إمبراطورية إسلامية.
ويتنبأ الكاتب بأن القرن الحادى والعشرين سيشهد حروباً أكثر من القرن العشرين، ولكنها ستكون أقل كارثية، وبأن يشهد صراعاً بين الولايات المتحدة وروسيا، التى تعيد بناء نفسها وقوتها، وبأن روسيا لن تستطيع الانتصار فى النهاية، بسبب مشكلاتها الداخلية وتناقص عدد سكانها وضعف بنيتها التحتية. ويستبعد الكاتب أن تمثل الصين تحدياً للولايات المتحدة فى هذا القرن، لأسباب، منها: موقعها الجغرافى، وقوتها البحرية المحدودة، وعدم استقرارها الداخلى
كما يتنبأ الكاتب بأن تتحول بعض الدول – التى لا تعد قوى عظمى اليوم – إلى قوى جديدة بحلول منتصف القرن وتكون أكثر قوة خلال العقود القليلة التالية وهى اليابان وتركيا وبولندا. ويتوقع أن تؤثر العلاقة بين تلك الدول والولايات المتحدة بشكل كبير على أحداث القرن الحادى والعشرين، مما سيؤدى فى النهاية إلى الحرب العالمية القادمة، التى ستكون مختلفة عن أى حرب فى التاريخ، حيث ستستخدم فيها أسلحة تدخل اليوم فى نطاق الخيال العلمى. ويرى الكاتب أن اليابان ستشن هذه الحرب – بالتضافر مع تركيا – ضد الولايات المتحدة، وأنهما ستحققان انتصاراً فى البداية، لكن الولايات المتحدة ستستجمع قواها وتعود للانتصار، وهو الأمر الذى سيكرس سيطرتها على العالم لفترة طويلة، وعلى الأقل حتى نهاية هذا القرن وسيؤدى إلى دخولها مدة عقدين متواصلين من النمو والازدهار الاقتصادى مشيراً إلى أن الولايات المتحدة عادة ما تستفيد اقتصادياً من الحروب. ويرى الكاتب أن هذه الحرب التى ستندلع فى منتصف القرن الحالى ستنتج عن أسباب تقليدية وهى اعتقاد تركيا واليابان خطأ أن الولايات المتحدة تسعى إلى تدميرهما، فى حين أن الواقع هو أنها تعرضهما فقط لضغوط شديدة كى تغيرا من تصرفاتهما دون رغبة حقيقية لديها فى خوض الحرب. كما يرى أن تركيا واليابان لن تكونا راغبتين فى الحرب، لكن ضغوط الولايات المتحدة ستشعرهما بتهديد وجودهما، كما أن التفاوض معها سيفشل نتيجة لاعتقادهما أن شروطها فى التفاوض تعجيزية. وفى حين تكون استراتيجية الولايات المتحدة هى عدم السماح بظهور وبتزايد قوة أى من تركيا أو اليابان أو غيرهما بحيث تهدد مصالحها الاستراتيجية، الأمر الذى يدفع اليابان وتركيا إلى تبنى استراتيجية تفضى بالتحرك ضد ذلك الوضع كسبيل وحيد للنجاة. ويشير إلى أنه سيكون هناك سبب آخر لاندلاع تلك الحرب وهو رغبة اليابانيين فى تأمين خطوط الملاحة الدولية فى المحيطين الهادى والهندى والتى تسيطر عليها الولايات المتحدة، ورغبة الأتراك فى بسط نفوذهم القديم فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وآسيا الوسطى والبلقان، واصطدامها بسعى الولايات المتحدة للحفاظ على موازين قوى معينة تكفل تحقيق مصالحها الاستراتيجية فى تلك المناطق. وتنبأ الكاتب بأن تبدأ اليابان شن تلك الحرب من الفضاء، حيث ستكون الدول الكبرى قد تمكنت من إقامة محطات فضائية مدارية دائمة، إضافة إلى قواعد على سطح القمر، وشبكات من الأقمار الصناعية. ويركز الكاتب فى هذه الجزئية على التقدم التكنولوجى العسكرى الذى سيكون العالم قد توصل إليه فى القرن الحادى والعشرين، والذى سيؤثر على مجريات الحرب ويؤدى إلى تقليل عدد الضحايا بشكل كبير بسبب زيادة الاعتماد على التكنولوجيا
ويشير الكاتب إلى أن هناك خمس مناطق مرشحة فى العالم حالياً لأن تكون “خطوط تصدع نشطة”، على حد وصفه، خلال القرن الحادى والعشرين، أولاها: منطقة حوض المحيط الهادئ الهامة، وثانيها: أوراسيا عقب سقوط الاتحاد السوفيتى، وثالثها: أوروبا فى إطارها النهائى، ورابعها: العالم الإسلامى، وخامسها: المكسيك والولايات المتحدة. وفيما يتعلق بالعالم الإسلامى، يرى الكاتب أن الأزمة الحالية مع العالم الإسلامى جارى احتواؤها، ولكن العالم الإسلامى ككل يظل غير مستقر. ورغم أن عدم الاستقرار هذا لن يتحول إلى انتفاضة إسلامية عامة، إلا أنه يزيد من احتمال استغلال إحدى الدول الإسلامية هذه الحالة من عدم الاستقرار وضعف الدول الإسلامية الأخرى لفرض نفسها كقوة إقليمية. ويتساءل الكاتب عن الدولة التى يمكن أن تفعل ذلك، فيقول: إن إندونيسيا، أكبر دولة إسلامية فى العالم، ليست فى وضع يسمح لها بفرض نفسها. وباكستان، ثانى أكبر دولة إسلامية فى العالم، وهى أيضاً قوة نووية، لكنها منقسمة داخلياً للغاية، لدرجة أنه يصعب تصور كيف ستتطور لتصبح قوة إقليمية، وإنه بعد إندونيسيا وباكستان، هناك ثلاث دول إسلامية كبرى أكبرها مصر وتعداد سكانها 80 مليون نسمة، والثانية: تركيا وتعداد سكانها 71 مليون نسمة، والثالثة: إيران وتعداد سكانها 65 مليون نسمة.. ولكن حينما ننظر إلى الدول الثلاث من الناحية الاقتصادية، فإن تركيا لديها الاقتصاد السابع عشر فى العالم، وإيران التاسع والعشرون، ومصر الثانى والخمسون. ونظراً لأننا نعلم جميعاً أن حجم الاقتصاد ليس كل شىء من الناحية الجيوسياسية، فإن إيران تبدو أكثر الدول الثلاث عدوانية، وهذا فى الواقع خطؤها الأساسى.. ففى محاولتها حماية نظامها من الولايات المتحدة ومن المسلمين السنة ومن العرب المعادين لها، تضطر إيران لأن تظهر حزمها مبكراً وقبل الأوان المطلوب. وخلال هذه العملية، تجذب إيران انتباه الولايات المتحدة، التى تركز بالتالى حتمياً عليها كقوة خطيرة. وفى الوقت الذى تحاول فيه إيران أن تصبح قوة إقليمية بينما تركز أكبر قوة فى العالم انتباهها على كل خطوة تخطوها، فإن أقل ما يقال فى هذا الأمر إنه يولد موقفاً غاية فى الصعوبة. ويرى الكاتب أن تركيا حالة مختلفة جداً، فهى ليس فقط لديها اقتصاد رئيسى حديث، ولكنها أيضاً أكبر اقتصاد فى المنطقة حتى الآن ــ أكبر من إيران ــ وربما الاقتصاد الوحيد الحديث فى العالم الإسلامى كله. والأهم من ذلك، أنها تقع فى موقع استراتيجى بين أوروبا والشرق الأوسط وروسيا، وهى ليست معزولة أو مقيدة، فلديها عدة اتجاهات تستطيع أن تتحرك من خلالها ولا تمثل تحدياً للمصالح الأمريكية، لذا فهى لا تواجه تهديداً مستمراً من الولايات المتحدة. وهذا يعنى أنه لا يتعين على تركيا أن تكرس مواردها لاعتراض سبيل الولايات المتحدة.. ومع صعود اقتصادها، فمن المحتمل أن تعود قريباً لممارسة دورها القديم، وهو: القوة المسيطرة فى المنطقة. ويضيف الكاتب: إن مصر هى أكبر دولة فى العالم العربى، وكانت القائد التقليدى له. وفى عهد الرئيس جمال عبد الناصر مارست محاولة رئيسية لكى تصبح زعيمة للعالم العربى الذى تفكك بعمق، ونجحت مصر فى استعداء لاعبين رئيسيين فيه كالسعودية على سبيل المثال. وعقب معاهدة كامب ديفيد مع إسرائيل عام 1978، توقفت مصر عن محاولة توسيع نطاق قوتها، وفشلت فى ذلك على كل حال. وبالنظر إلى اقتصادها وعزلتها النسبية وتقوقعها، فمن الصعب تصور أن تصبح مصر قوة إقليمية فى أى إطار زمنى معقول، بل الأرجح أن تقع مصر فى نطاق نفوذ دولة أخرى، سواء كانت تركيا أو الولايات المتحدة أو روسيا، وكان هذا قدر مصر بالفعل لعدة قرون. ومن ذلك، يخلص الكاتب – كما يقول – إلى أنه حينما ننظر إلى الحطام المتبقى من العالم الإسلامى عقب الغزو الأمريكى للعراق فى عام 2003، ونفكر أى الدول فى المنطقة ينبغى أن تُأخذ على محمل الجد، يبدو من الواضح أنه لا بد أن تكون تركيا، حليفة الولايات المتحدة، وأهم قوة اقتصادية فى المنطقة. ويتنبأ الكاتب بأنه فى إطار محاولة تركيا إظهار نفوذها فى الشرق الأوسط، فإن النقطة الفاصلة فى ذلك سوف تتمثل فى تعرض مصر – التى يرى أنها تتوارث عدم الاستقرار – لأزمة داخلية، واستخدام تركيا لوضعيتها كقائدة للعالم الإسلامى، وإرسالها قوات إلى مصر لتحقيق الاستقرار فيها. وسوف تتواجد قوات حفظ السلام التركية فى مصر فجأة بحيث تسيطر على قناة السويس وبالتالى تمارس تركيا عادتها التقليدية القديمة فى التمدد غرباً فى شمال أفريقيا. ويتوقع الكاتب أنه إذا ما استغلت تركيا هذه الفرصة فإنها ستصبح القوة الرئيسية فى منطقة غرب أوراسيا، وبالنظر إلى أن إسرائيل ستظل دولة قوية إلى هذا الحين، فإن وضعية تركيا فى العالم الإسلامى ستقف فى وجه إسرائيل وتجبرها على التكيف مع القوة التركية التى تنظر إسرائيل إليها سلفاً كصديق. ويرى الكاتب أن سيطرة الأتراك على قناة السويس سيفتح المجال أمام احتمالات أخرى بالنسبة لتركيا حيث ستمكنها من دفع قواتها إلى البحر الأحمر، وبالتالى إحكام السيطرة على شبه الجزيرة العربية وتحقيق إنجاز كبير لها يمكنها من أن تصبح فى وضعية تهدد إيران. ويمضى الكاتب فى توقع مواجهة فى البلقان بين تركيا من جهة وائتلاف من دول أوروبا الشرقية تقوده بولندا من جهة أخرى. ويشير إلى أن ألمانيا ستراقب هذه المواجهة عن كثب وأنها ستقف بعد ذلك فى صف الأتراك فيها، فى الوقت الذى ستدعم الولايات المتحدة البولنديين عسكرياً فى هذه المواجهة وستحثهم على المضى قدماً فيها
وعلى الصعيد الديموغرافى، يتنبأ الكاتب بأن يشهد القرن الحالى نهاية للانفجار السكانى، وأن يؤدى ذلك إلى نقص فى العمالة فى الدول الصناعية المتقدمة، وأن يجرى التنافس بين هذه الدول على استقطاب المهاجرين لتلبية احتياجاتها من العمالة، وأن يفضى ذلك إلى مواجهة خطيرة بحلول عام 2080 بين الولايات المتحدة والمكسيك التى يتوقع الكاتب أن تتحول إلى قوة رئيسية فى العالم مع نهاية القرن.