عرض: أحمد عبدالعليم – باحث في العلوم السياسية
Derek Chollet, The Long Game:How Obama Defied Washington and Redefined America’s Role in the World (New York: Public Affairs, 2016)
مع انتهاء فترة حكم الرئيس الأمريكي باراك أوباما، يبدو من المهم تحليل سياساته الخارجية إزاء ملفات عدة، من أجل تقديم تصور وتقييم عما يمكن أن يكون قد أحرزه وإدارته في فترة عصيبة شهدت تفاعلات متعددة على المستوي الدولي. ولا شك في أن الشرق الأوسط وقضاياه ليسا ببعيدين بأي حال من الأحوال عن تلك السياسة، أو عن تلك التفاعلات الملتهبة، خاصة بعد ثورات الربيع العربي عام 2011، وما مثله ذلك من اختبار حقيقي وصعب للإدارة الأمريكية إزاء تفاعلات تتسم بالديناميكية الشديدة، وتتطلب تعاملا مرنا ومسئولا لا يستنزف من رصيد الولايات المتحدة في العالم.
في هذا الإطار، يأتي كتاب ديريك شوليت، مسئول سابق في إدارة أوباما، حيث كان مساعدا لوزير الدفاع الأمريكي لشئون الأمن الدولي، خلال الفترة من عام 2012 حتى عام 2015. وتنبع أهمية هذا الكتاب من كون مؤلفه كان قريبا للغاية من صناعة القرار، وإدارة السياسة الخارجية الأمريكية في فترة مهمة وحرجة للغاية. فيتناول الكتاب فلسفة السياسة الخارجية الأمريكية بشكل عام في عهد الرئيس أوباما، بالإضافة إلى تعامل الولايات المتحدة الأمريكية تجاه ملفات متعددة، أبرزها ملف الشرق الأوسط، وذلك بالتركيز على الملف السوري، وتطورات الأحداث في العراق، عقب الانسحاب الأمريكي، بالإضافة إلى الاتفاق النووي الذي شاركت فيه الولايات المتحدة مع إيران، وما نتج عن ذلك من تداعيات وخلافات حادة داخل أمريكا وخارجها.
فلسفة السياسة الخارجية في عهد أوباما:
يشير الكاتب إلى أن السياسة الخارجية لأوباما يمكن توصيفها بأنها مباراة طويلة وممتدة، كان حريصا خلالها على التمسك بسلسلة من المبادئ التي طبقت من أجل إدارة القوة الأمريكية بنجاح، ولتحقيق الأهداف الاستراتيجية بشكل أكبر. وتلك المبادئ هي فلسفة إدارة أوباما بالأساس، حيث تتضمن تحقيق التوازن بين المصالح والقيم، بمعني ضرورة التوازن بين استخدام أو التهديد بالحل العسكري، والدبلوماسية، كذلك تحقيق التوازن بين الضغط الاقتصادي، والمساعدات التنموية، بالإضافة إلى الحيطة والحذر في الملفات الحرجة من أجل عدم تورط الولايات المتحدة بشكل سلبي، وأن يكون التدخل الأمريكي قادرا على استيعاب أولويات الداخل، وتوجهات الخارج والأهداف الأمريكية المعلنة.
وبالإضافة إلى عنصر التوازن كأحد المبادئ الرئيسية في السياسة الخارجية لإدارة أوباما، يبرز الكاتب عناصر أخري، منها تجنب الالتزامات التي تكلف الكثير، وضبط النفس، والدقة في ممارسة دور مشرط الجراح، وليس المطرقة، والصبر، وضرورة إعطاء السياسات الوقت والجهد من أجل أن تؤتي ثمارها، والواقعية في توقع إمكانية الفشل، والتواضع حول ما يمكن تحقيقه، والتفرد في الوعي بأن القوة الأمريكية الهائلة تجعل لديها مسئولية فريدة في قيادة العالم.
ويبزر الكاتب كون تلك السياسة التي انتهجتها الإدارة الأمريكية في ظل فترة أوباما تتناقض بشكل كبير مع كثير من موروثات السياسة الخارجية التي كانت تنتهجها إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش، حيث إن الأخير قد خلف وضعا اقتصاديا أسوأ، مع ضلوع أكثر من مئة وخمسين ألف جندي في حربين في أفغانستان عام 2001، والعراق عام 2003، وما لذلك من تداعيات كبيرة على تراجع الهيبة الأمريكية في العالم.
وفي هذا الإطار، يشير الكاتب إلى أن إدارة أوباما قد تعاملت مع خصمين كبيرين، هما الصين وروسيا، بكثير من الدبلوماسية، والتوازن، وضبط النفس، وأن التوجه الأمريكي في عهد أوباما تجاه آسيا كان ضروريا، وأثبتت الإدارة الأمريكية نجاحها في كون هذا التوجه فعالا للغاية.
التعامل “الصبور” مع ملفات حرجة بالشرق الأوسط:
يصف الكاتب السياسة الخارجية الأمريكية، خلال فترة أوباما تجاه ملفات، مثل العراق وسوريا، بأنها لم تكن ناجحة بالشكل الكافي، حيث إن قرار أوباما سحب جميع القوات الأمريكية من العراق نهاية عام 2011 كانت له نتائج صعبة، نظرا لكون ذلك ارتبط بخلق فراغ أمني كبير بخروج آلاف الجنود الأمريكيين، ووجود قوات عراقية مدربة، لكنها لا تمتلك الجاهزية والاستعداد اللازمين، وهو ما نتج عنه ظهور تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق والشام “داعش“، حيث إنه ظهر كتنظيم قادر على إسقاط وإدارة المدن العراقية تباعا، خلال عام 2014. ولا يختلف الوضع في العراق كثيرا عن سوريا، خاصة في ظل امتداد هذا التنظيم في الدولتين.
ويعترف الكاتب بوجود أخطاء في تعاطي إدارة أوباما مع الملف السوري أيضا، وذلك في إشارة من الكاتب إلى تدهور الأوضاع الأمنية والسياسية في سوريا، خلال السنوات الأخيرة، والمسئولية الأمريكية المباشرة في ذلك، في ظل عدم إدارة الملف السوري بشكل جيد، وهو ما أتاح الفرصة لنفوذ روسي كبير. فيري الكاتب أن السياسة الأمريكية في سوريا هي سياسة مترددة بعض الشيء، ومتأخرة في بعض المواقف، حيث إن تردد الإدارة الأمريكية في مساعدة المعارضة السورية المعتدلة أدى إلى إضعافها. ومع ذلك، فإن الكاتب يدافع عن السياسة الخارجية “الصبور” لإدارة أوباما، ويري أنها كانت تنطلق وفق معطيات مختلفة تتطلب حذرا من أجل عدم التورط في الخارج.
ويبرز المؤلف مثالا على ذلك في النقد الكبير الموجه لإدارة أوباما في البداية لعدم اتخاذه موقفا دوليا صارما وسريعا تجاه استخدام نظام الأسد للأسلحة الكيميائية، والنظر إلى ذلك كأحد مكامن الفشل الأمريكي في إدارة الملف السوري. ومع ذلك، فإنه يؤكد أن أوباما بمفرده لا يمكن تحميله كل تلك الأخطاء الكارثية في العراق وسوريا، وأنه يحسب له أنه قد نجح بالجهود الدبلوماسية، وليس من خلال القوة العسكرية، في تخلي سوريا عن ترسانتها الكيميائية، والتخلص منها تدريجيا.
وفي الشرق الأوسط أيضا، يجادل الكاتب بأن الإدارة الأمريكية قد تعاملت مع الملف النووي الإيراني بنوع من “الدبلوماسية الصبور“، في ظل بناء دعم دولي، من أجل فرض عقوبات قاسية على إيران، بل والتهديد باستخدام الحل العسكري من آن لآخر. ويري أن الاتفاق مع إيران من المواقف الناجحة لإدارة أوباما، في ظل تحجيم المخاوف الدولية من نجاح إيران في الحصول على قنبلة نووية، وما لذلك من تهديد كبير على الأمن والسلم الدوليين.
يري الكاتب أنه تأخر عشر سنوات، إلا أنه أفضل من ألا يتحقق بالأساس. ومع ذلك، لا ينكر الكاتب حقيقة كون هذا الموضوع قد خلق حالة كبيرة من الاستقطاب داخل الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها، في ظل تشكل مسارين للرأي العام، أحدهما يدعم بقوة هذا الاتفاق ويراه انتصارا، والآخر يرفض الاتفاق بقوة، ويري أنه هزيمة للعالم وانتصار لإيران، وأن هذا الخلاف لا يزال شرسا، خاصة داخل أروقة السياسة الأمريكية.
وختاما، يصف الكاتب السياسة الخارجية في عهد الرئيس باراك أوباما بأنها سياسة النفس الطويل، وليس التدخلات العاجلة القصيرة، خاصة بعد النتائج الكارثية لإدارة بوش السابقة، ويبرز كون تورط الولايات المتحدة خارجيا لا يزال أقل من الفترة السابقة لإدارة أوباما. وربما يؤخذ على الكتاب أن مؤلفه كان أحد مسئولي الإدارة الأمريكية، مما يفقده بعض الحيادية في تناول توجهات السياسة الخارجية الأمريكية في عهد أوباما، لينتقل من دور الشاهد على الأحداث إلى دور المعترف بأوجه النقد والقصور، ثم إلى دور المدافع باستماتة عن شخص أوباما من جانب، وعن أغلب توجهات إدارته من جانب آخر. إلا أن الكتاب يكشف العديد من خبايا صناعة القرار الأمريكي، ويؤرخ لمرحلة مهمة كان لها تداعياتها المختلفة على العالم بشكل عام، وعلى الشرق الأوسط بشكل خاص.