فطنة بن ضالي
– طرحت أسئلة كثيرة حول دور المثقف والثقافة في التغيير الذي تعيشه الشعوب وعن تأثير المثقف والثقافة في المجتمع،
لا شك أن المثقفين ما يفتئون يناقشون قضايا الواقع، ويدلون بآرائهم، ويقترحون اقتراحات كثيرة، فما مصير آرائهم واقتراحاتهم ؟ كيف يكون التأثير الثقافي على مصير المجتمع والأمة
يعرف مريد البرغوثي التأثير الثقافي بقوله :” نحن في غنى عن التذكير بأن التأثير الثقافي يتحقق ببطء وعلى مهل، بالتراكم التاريخي ،
ويترك بصماته المؤثرة في جبهة الوعي والقيم والجمال .إنه تأثير يدور مع الهواء ومع القرون ، ومع الأيام وينتقل من جيل إلى جيل ،
بحيث يشكل مجمل الإبداعات والنصوص والأفكار والصراعات الفكرية ومواقف المثقفين من هذه الصراعات ،
اقتراحات لا تفنى ولا تموت ولا يمكن نسيانها ، نماذج حية متجددة باستمرار لاختيار الإنسان على هذه الأرض طرقا يرتضيها لشكل حياته ،
وشكل موته ، وفرحه وحزنه ، وأخذه وعطائه ، وصورته أمام الذات وأمام الجماعة البشرية التي ينتمي إليها .” (1)
التأثير الثقافي غير محدود بزمن آني وهو تراكم فعلي لزمن ليس بالقصير جدا ، وهو قدرة على اختيار طرق عيش بديلة ، واقتراحات متجددة باستمرار بمعنى حضور دائم للمثقف على نحو إيجابي . وإن كان تـأثيره بطيء فربما هو خاضع لمستوى التراكم الذي يعرفه إنتاج الأفكار والتشبع بها ،
غير أن الكاتب يفرق بين نوعين من الثقافة استنادا إلى هذا التراكم : ثقافة تفاعلية وأخرى سطحية ، فالتفاعلية هي التي تتجلى في لحظة الفعل الثقافي المتحقق والمنجز،
وتطرح أسئلة حقيقة لها علاقة بالواقع ” إن هذا التأثير البطيء ولكن الأكيد ، يتراكم من حقبة إلى أخرى، ومن جيل إلى آخر،
ومن بلد إلى بلد، ومن حضارة إلى حضارة ، وهذا التراكم بالضبط ، هو ما يمكن أن نصفه بالثقافة ” التفاعلية “، بالتالي ، فإن لحظة إيجابية ما ، لا تنتظر تجلياتها الثقافية في النصوص ” التصفيقية ” التي تليها ، بل إن في هذه اللحظة ذاتها يتجلى تراكم ثقافي إيجابي متحقق ومنجز .”
(2) ، أما السطحية فهي التي تطرح الأسئلة البعيدة عن الواقع والمنشغلون بها ” يهرولون بلا ترو ولا تمحيص إلى التقاط المشهد الثقافي قبل ضبط كاميراتهم بدقة ، فتخرج الصورة شائهة ، مختلفة البؤرة ،
بعيدة الصلة بأصلها الواقعي ، وهم بذلك لا يقدمون إجابات خاطئة في حياتنا فحسب ، بل يطرحون الأسئلة الخاطئة أيضا.”(3) وهي بهذا بعيدة عن الفعل واللحظة الإيجابية .
ويحدد عبد الكبير الخطيبي في مقدمة كتابه المغرب العربي وقضايا الحداثة ، وظائف المثقف في ثلاث وظائف هي : -1
الوظيفة البيداغوجية التقنية إذ يُمَرّس غيره على قضايا الفكر والفن ، بحيث يعطي المثال بنفسه .
-2 الوظيفة الإجتماعية : فسواء أكان ملاحظا أم عنصرا فعالا أم مجرد ناشر للمعرفة ، فإن المثقف يقوم بدور تنبيه الفكر على ذكاء وحساسية عصره.
-3 الوظيفة الأخلاقية : فسواء أكان مناصرا للعقل المطلق أم للحكمة في خدمة الإنسان ،
أم كان مناصرا لقضية أو لمثل أعلى ، فهو مطالب بأن يتكيف باستمرار مع المبادئ والقيم التي يدافع عنها ،وبالتالي فهو مرغَم على سلوك موجه لذاته .
لكن استبطان قانون الفكر يعني الاستقلال والملاحظة . ملاحظة النفس كشخص حامل لحرية مستمرة للتفكير .(4). ومن تم فإنه يؤكد على أن المراس والتكيف وإرغام النفس هي مهام المثقف ، لأنه ينتمي إلى عصره.
الحاجة اليوم – أكثر من ذي قبل- ماسة إلى الثأثير التفاعلي الثقافي ، المبني على الحقائق وعلى العقل والتمحيص واقتطاف النتائج في لحظاتها بعيدا عن التمويه ،
كما أن الحاجة اليوم ماسة إلى تحقيق الوظائف الأساسية للأدوار المنوطة بالمثقف ” فهو” قائد وجداني ” بمعنى من المعاني و، وعليه أن يرى جدل اللحظة دائما لا أن يجاري أن يجاري التاريخ ،
بل يحسن قراءته ويجيد رؤية عناصره المتشابكة والمتداخلة بحيث يساعد ، موضوعيا على إرساء وتعميم الوعي الحقيقي وتبديد عتمة الدهليز المتعرج المفضي إلى المعرفة ،
وبذلك يكون عونا للمواطن البسيط على اللحظة التاريخية الصعبة أو الهابطة ، دون أن يتخلى باي حال عن حقه ، وواجبه الذي بدونه لا يكون المثقف ،
ألا وهو ممارسة النقد ” (5). ومن أجل ممارسة هذا الواجب الذي هو النقد فإن محمد عابد الجابري يلح على ضرورة الحفاظ على استقلالية المثقف “فإذا اعتمد المثقف على نفسه ، وتحلى بالقناعة واعتز برأيه ،
وتجنب التنازل أمام أية ضغوط ، بما فيها ضغوط العيش والحياة المترفة ، فحينئذ سيكون له شأن”(6).إذ كلما حضرت الحرية والديموقراطية والاستقلالية ، كلما تأتى النقد في شروطه الموضوعية
.” الثقافة اليوم ليست مجرد مظهر براق أو نفحة ، بل هي أيضا شئ جدي ، هي ما يخلد البلد والشعب ، في تاريخه وذاكرته ، وفي قدرته على الحياة والبقاء”.(7) .
وربما يحتاج الوضع اليوم إلى فكر جديد يولد التصورات المختلفة عن التصورات السابقة تضاف إلى التراكم بعناصره المختلفة والمتنوعة من انتاج فكر وصنع يد إنسان حر مستقل.
