صادق الطائي / لندن
استضافت مؤسسة الحوار الانساني في لندن يوم الاربعاء المصادف 22/ 10/2014 الدكتور ماجد عبد الله جابر في أمسية ثقافية سلط فيها الضوء على كتابات الكتاب السويديين حول العراق ، وقد حاول الباحث وهو اكاديمي عراقي درٌس في عدد من الجامعات العربية ويعمل كباحث متخصص بالشؤون الاسكندنافية تسليط الضوء على بعض مما كتبه الكتاب السويديون حول العراق منذ فترة بعيدة في التاريخ وحتى فترات متأخرة من القرن العشرين ، حيث اشار في بداية حديثه الى ان السويد تعتبر مهمشة في المكتبة العربية ، وذلك لقلة المصادر التي تتناولها مقارنة بالدول الاوربية الاخرى التي كانت تربطها علاقات تاريخية بالعرب مثل بريطانيا وفرنسا وايطاليا والمانيا ، ثم قدم الدكتور ماجد عبدالله جابر نبذة سريعة وتعريفية عن تاريخ السويد قائلا ؛
الفايكينج والعصور الوسطى
من غير المعروف متى وكيف نشأت مملكة السويد تاريخيا ، ولكن قائمة الملوك السويديين تعتبر الملك إيريك المنتصر أول الملوك الذين حكموا كلاً من Svealand (السويد) و Götaland (جوثيا) في مقاطعة واحدة. وكانت السويد وجوثيا دولتين منفصلتين قبل ذلك بفترة طويلة. لكن بيولف – وهي ملحمة شعرية وطنية قديمة – وصفت حروباً شبه أسطورية بين السويد وجوثيا في القرن السادس الميلادي.
ان عصر الفايكنج السويدي يمتد ما بين القرنين الثامن والحادي عشر. ويشير بعض المؤرخين إلى أن السويديين توسعوا في تلك الحقبة انطلاقاً من شرق السويد وضموا الجيتس جنوباً، وأن الفايكنج السويديين والغوتلانديين ارتحلوا شرقاً وجنوباً، إلى فنلندا ودول البلطيق وروسيا وبيلاروسيا وأوكرانيا والبحر الأسود وأبعد من ذلك إلى بغداد. التي اطلقت عليها العديد من الكتابات السويدية اسم (السوق العربي الكبير) ، وقد كانت تجارة الفايكنج مع الدولة العباسية تكاد تنحصر في تجارة الجلود والعبيد ، وقد عثر على الاف القطع النقدية الذهبية والفضية من مسكوكات الدولة العباسية في السويد ، وقد وصف الرحالة العربي احمد بن فضلان في الكتاب الذي يصف رحلته الى ممالك الشمال ، الفايكنج بتفصيل كبير واصفا احوالهم الاجتماعية والدينية والاقتصادية فهو يقول (رأيتهم عندما جاؤوا في رحلاتهم التجارية، ونزلوا عبر نهر الفولغا ، لم أشاهد في حياتي أجساماً أكثر كمالاً منهم ، طوال القامة كالنخيل وهم شقر، لا يرتدون السترات ولا القفطان، غير أن الرجال يرتدون ملابس تغطي جانباً واحداً من الجسم، وتترك يداً حرة ، كل رجل لديه فأس وسيف وسكين، ويحتفظ بهم في جميع الأوقات. السيوف حادة مشطوفة، وهي نوع من سيوف الفرنجة) ، ويسود اعتقاد بأن طرقهم مرت عبر نهر دنيبر جنوباً وصولاً إلى القسطنطينية وقد قاموا بغارات عديدة في تلك المناطق .
حقبة فاسا
في عـام 1389، توحـدت ممـالك الدنمارك والنرويـج والسويـد تحت حكم مـلكة الدنمـارك مـارغـريتا Margareta وفي العام 1397، تشكل اتحاد كالمار Kalmar Union، الذي ضـم البلدان الاسكندنافيـة الثلاثة، لتكون تحت سلطة ملك واحد. إلا أن الاتحاد (1397–1523) مـزقـته الصـراعـات الـداخليـة التـي بلغت ذروتهــا فيمــا يُعــرف بـ (مذبحة ستـوكهـولم) في العـام 1520، عندمـا اُعـدم 80 مـن النبلاء السويديين بإيعاز من ملك الاتحاد ، الدانماركي كريستيان الثاني Kristian II. ، لقـد أشعـل هــذا العمل شرارة التمرد، الأمر الذي أدى في العام 1521 إلى خلـع «كريستيان الثاني»، والاستيلاء على السلطة من قبل أحــد النبـلاء السـويديين، وهـو غـوستاف فاسـا Gustav Vasa، ابن احد النبلاء الذين اعدموا والـذي كان قــد انتخب ملكاً للسويد في السادس من حزيران من العام 1523 ، ولم تزل السويد حتى اليوم تحتفل بهذا التاريخ كعيد وطني للبلاد .
تم إرساء أسس الدولة السويدية في عهد جوستاف فاسا Gustav Vasa الذي أمتـد حكمـه للفـترة (1523–1560). وجرى تأميم الكنيسـة ، وصودرت عقاراتهـا من قبل التـاج، وجـرى ادخــال الإصـلاح البروتستانتي. لقـد تركزت السلطـة في يـد ّي الملك وأدخلت الملكية الوراثية حيز التنفيذ في 1544.
الامبراطورية السويدية
منذ تفكك «اتحاد كالمار»، تركزت السياسة الخارجية السويدية نحو بسط سيادتها على بحر البلطيق، الأمر الذي أدى إلى حروب متكررة مـع الدنمارك من فـترة 1560 فصاعداً. بعد تدخل السويد الفائق النجاح في عام 1630 في حرب «الثلاثين عاماً» إلى جانب ألمانيا البروتستانيـة، أصبـح «غوستاڤ الثاني أدولف» أحد أقـوى ملـوك أوروبا، كما ألحقت السـويـد هـزائماً بالدنمـارك في حربي 1643–1645 و 1657–1658. وتبعت فنلنــدا، ومقــاطعــات في شمــال ألمـانيــا وجمهوريات البلطيق الحالية إلى السويد أيضاً، وبعد معاهدة السـلام في وستفـاليـا (Peace of Westphalia ) في عام 1648 ومعاهدة سـلام روسكيلد ( Peace of Roskilde) مـع الدنمارك في العـام 1658، أصبحت السـويــد قـوة عظمـى في شمــال أوروبا. كمــا أسست السـويــد مستعمرة لم تدم طويـلاً في ما هـو معروف الآن بـ ديلاوير Delaware في أمريكا الشمالية. على أية حال، فأن اقتصاد السويد المعتمد إلى حـد كبير على القطاع الزراعي كان يفتقر إلى الموارد اللازمة لتحافظ السويد على مركزها كقوة عظمى على المدى الطويل. بعـد هزيمتهــا في «حـرب الشمــال العظمــى» (1700–1721) ضـد القــوات المشـتركة لـكل مـن الدنمارك وبولندا وروسيـا، فقـدت السـويـد معظم مقاطعـاتهـا على الجانب الآخـر من بحـر البلطيق، وتقلصت لتصـل إلى الحـدود المعـاصرة للسـويـــد وفنلندا. وأثناء حروب نابليون، استسلمت السويد وتخلـت عن فنلنــدا إلى روسيــا. كتعويـض، نجــح المارشـال الفرنســي جان باتيست برنادوت Jean Baptiste Bernadotte، الذي كان قد انتخب وريثاً للعرش السـويـدي في عـام 1810، في الحصــول على النرويج، التي اُجبرت على الاتحاد مع السويد في عام 1814. و ُحل هـذا الاتحــاد سلمياً في عام 1905 بعد العديد من الخلافات الداخلية.
السويد في العصر الحديث
شهد القرنان الثامن عشر والتاسع عشر زيادة سكانية كبيرة، والتي عزاها الكاتب إيساياس تيجنر في عام 1833 إلى السلام ولقاح الجدري والبطاطس حيث تضاعف تعداد سكان البلاد بين عامي 1750 و1850. وفقاً لبعض الباحثين، وقد كانت الهجرة الجماعية إلى الولايات المتحدة الطريقة الوحيدة لمنع المجاعة والتمرد، حيث هاجر تقريباً 1% من السكان سنوياً خلال ثمانينيات القرن التاسع عشر. ومع ذلك، ظلت السويد في فقر مدقع، معتمدة على الاقتصاد الزراعي بالكامل تقريباً، في الوقت الذي بدأت فيه الدنمارك ودول أوروبا الغربية في التصنيع . وقد اتخذت السويد رسمياً موقف الحياد خلال الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية، على الرغم من أن حيادها أثناء الحرب العالمية الثانية كان محط جدل. ووقعت السويد تحت النفوذ الألماني لفترة طويلة من الحرب، وانقطعت علاقاتها مع بقية العالم بسبب الحصار. وارتأت الحكومة السويدية أنها ليست في وضع يسمح لها بمقارعة ألمانيا، فقدمت بعض التنازلات. كما قامت السويد أيضاً بتوريد الصلب وقطع الآلات لألمانيا طوال فترة الحرب العالمية الثانية . ومع ذلك، فإن السويد أيدت المقاومة النرويجية، وفي عام 1943 ساعدت في إنقاذ اليهود الدنماركيين من الترحيل إلى معسكرات الاعتقال . كما ساعدت السويد فنلندا خلال حرب الشتاء وحرب التحرير بالعتاد والمتطوعين.
وأخذت السويد تلعب دوراً أكبر مع اقتراب نهاية الحرب، خصوصاً في جهود الإغاثة الإنسانية، بقبولها للكثير من اللاجئين وخصوصا اليهود من المناطق التي خضعت للاحتلال النازي. وأُنقذ كثير من هؤلاء بسبب عمليات الإنقاذ التي أجرتها السويد في معسكرات الاعتقال ، ولأنها اعتبرت ملاذاً للاجئين ومعظمهم من دول الشمال ودول البلطيق. مع ذلك، فإن كثيراً من النقاد الداخليين والخارجيين يعتقدون أنه كان بوسع السويد أن تفعل المزيد لمقاومة النازية أثناء الحرب، حتى ولو بالمخاطرة باستقلالها.
ثم انتقل الدكتور ماجد عبدالله الى استعراض بعض الكتابات السويدية التي تناولت الحضارة العربية والعراق بشكل خاص ذاكرا اهم الكتابات وكما يلي :
v تاريخ السويد – اولف اوبري : كتاب تحدث فيه المؤلف عن رحلات الفايكنج وكبف كانوا يسافرون عبر روسيا وصولا الى بغداد – السوق العربي الكبير .
v السويد والعالم الاسلامي : ويتحدث فيه المؤلف عن العلاقة بين الفايكنج السويديين وبغداد العباسية شارحا طبيعة العلاقات التجارية التي كانت قائمة بينهما على تجارة الجلود والعبيد.
v كتاب المتاحف السويدية : وهو كتاب كبيرمصور فيه العديد من صور العملات الاسلامية التي تم العثور عليها في السويد ، وهو كتاب تعريفي بكل المتاحف الموجودة في السويد ويمكننا ان نلاحظ فيه بصمة الشرق الواضحة في المتاحف السويدية حتى ان النخبة المثقفة والنخبة السياسية السويدية تعتزان كثيرا بالعلاقات التاريخية مع الشرق وما تمثله هذه العلاقات من حوار حضارات.
v كتاب 3000 حقيقة غير معقولة : الذي تناول علاقات الفايكنج بالحضارة العباسية ايضا وفيه اشارة الى ان عدد قطع النقود الاسلامية الموجودة في البلدان الاسكندنافية مجتمعة حوالي 85 الف قطعة ، موجود منها 80 الف قطعة في السويد بالاضافة الى الكنوز من حلي ومجوهرات شرقية ذات اصول عربية واضحة في تصميماتها ، مما يدل على عمق العلاقة بين الفايكنج السوييدين والعباسيين .
v تاريخ العالم – الدكتور اوتو خوركن – ستوكهولم – 1933 : المؤلف من الاكاديميين السوييدين المرموقين ، وهو استاذ كرسي في جامعة اوبسالا العريقة التي تعد مع جامعة غوتنبرغ من اعرق الجامعات الاوربية ، وقد خصص د. خوركن في الجزء الاول من موسوعته ( تاريخ العالم ) 74 صفحة للحديث عن حضارة دجلة والفرات ( حضارة الرافدين ) ، مشيرا الى ان السومريين هم اول من اسس المدن والمجتمعات المتحضرة في تاريخ الانسانية ، كما اشار الى اختراع الكتابة في العراق القديم مبينا انه اختراع ما كان للبشرية ان تتطور لولاه.
v تاريخ العالم – الشعوب وحضاراتها – د.كارل كارمنتي – 1931- ستوكهولم : والمؤلف استاذ التاريخ في جامعتي اوبسالا وغوتنبرغ ويعد من اهم الاكاديميين السوييدين في مجال اختصاصه وله العديد من المؤلفات في مختلف مراحل التاريخ ، وقد خصص في كتابه هذا اكثر من 100 صفحة من الجزء الثاني لمناقشة الحضارة العربية من الفترة المحمدية صعودا في سلسلة الزمن ، ويشير الى بغداد قائلا ؛ لقد نمت العاصمة الجديدة – بغداد – لتكون مدينة عالمية كما كان حال بابل ونينوى وروما واثينا التاريخية ، وكانت في وسط ارض مفتوحة غنية بالثروات والمصادر الطبيعية مما اهلها لان تكون مدينة كوزموبوليتانية في ذلك التاريخ ، وعن طريق الفرس والسريان وترجمة تراثهم تمكنت النخبة المثقفة في العاصمة العباسية من التعرف على كل تراث الانسانية الشرقي والغربي .
v تاريخ الشعوب عبر العصور – 1938 – ستوكهولم : اشترك في تأليفه عشرة من الكتاب والاكاديميين السويديين منهم د. تور ارنه و د. اريك فالك ، وقد تناول هذا الكتاب الحضارة الاسلامية والاشارة الى دورالانهار في نشوء الحضارات في العالم ، كما تناول حضارة اشور وبابل في العراق وارتباطها بالنهرين دجلة والفرات ، مبينا سبب اطلاق الاغريق على العراق اسم ( ميزوبوتيميا )- بلاد النهرين –
v تاريخ المأذنة – فيفي لورن تيخوم – 1985 – ستوكهولم : وقد ركزت الكاتبة جهدها البحثي على العصر العباسي مشيرة الى ان مصر والشام وباقي العالم الاسلامي كان يقاد من بغداد من خلال الحكومة المركزية ، وان بغداد العباسية كانت مدينة او عاصمة عالمية الا انها اقرب الى مدن الحكايات الاسطورية ، وهنا يظهر جليا تأثر العديد من الكتاب السويديين عندما يتناولون الفترة العباسية وبغداد بأجواء قصص الف ليلة وليلة التي ترجمت الى اللغة السويدية منذ مايقارب القرن .
وأخيرا اختتم الدكتور ماجد عبدالله جابر محاضرته بالاشارة الى حادثة اغتيال رئيس الحكومة السويدي الاسبق اولف بالمه ، وقد كان زعيما للحزب الاشتراكي ، وقدم الباحث قراءة للصحافة السويدية التي غطت الموضوع وعلاقة جريمة الاغتيال بالعراق ، اذ ان الامم المتحدة كانت قد كلفت اولف بالمه عام 1982 بترأس لجنة المساعي الحميدة التي عملت على ايجاد حلول لأيقاف الحرب العراقية الايرانية ، وعلى الرغم من ان اولف بالمه بذل الجهود الكثيرة في هذا الامر الا انه لم يتوصل الا الى نتائج محدودة في موضوع ايقاف قصف المدن وتجنيب المدنيين ويلات الحرب وعدم التعرض للسفن التجارية في الخليج العربي ، والمثير للجدل والشك في نظر الباحث ان اغتيال اولف بالمه الذي نفذ عام 1986 لم يحل لغزه لحد الان ولم يتم الكشف عن القاتل ، بينما نلاحظ ان جرائم اخرى مماثلة حدثت في السويد مثل اغتيال وزيرة الخارجية السويدية (آنّا ليند ) من الحزب الاشتراكي عام 2003 لم يستغرق التحقيق فيه سوى ايام معددوة وكشفت الشرطة عن القاتل والمآرب التي تقف خلفه ، مشيرا الى ان بالمه بما يمثله كرمز سويدي وعالمي لارساء السلام العالمي قد تجاوز الخطوط الحمر التي لا تسمح بتجاوزها بعض الدوائر العالمية فتمت تصفيته .
وفي نهاية المحاضرة اجاب الدكتور ماجد عبدالله جابر على اسئلة العديد من الحاضرين مغنيا موضوع المحاضرة بالشروحات والتفاصيل التي قدمها.