صادق الطائي
من هم الصابئة المندائيون ؟ هم اتباع دين موحد ،ربما كان من اقدم الديانات على ارض الرافدين ،عاشوا ومازالوا في جنوب ووسط العراق بين مد الاضطهاد وجزر التسامح على مر العصور.
(الصابئة) كلمة ذات اصل ارامي ، وهي مشتقة من الجذر المندائي “صبا” الذي يعني (تعمد) او ارتمس في الماء ، و (المندائيون) كلمة مشتقة من الجذر المندائي “مندا” التي تعني بالمندائية (المعرفة) ، وبذلك يكون معنى (الصابئة المندائيون) هو : (المتعمدون الذين يعرفون الدين الحق) .
وللدين المندائي مجموعة من الاسس او المبادئ التي يقوم عليها وهي :
1-التوحيد.
2-التعميد.
3-الصلاة.
4-الصوم.
5-الزكاة.
والمندائيون يؤمنون بالله وبوحدانيته ، ويطلقون عليه في كتبهم المقدسة اسم (الحي العظيم) و(الحي الازلي) ،ويعتقدون ان آدم (ع) هو اول انبيائهم ، وهو المعلم الاول الذي نزلت عليه تعاليم الدين الحق – الدين المندائي – ثم ارسل بعده عدد من الرسل لتعليم البشرية تعاليم الدين ؛ وهم شيت (ع) ويسمى بالمندائية “شيتل” ، ثم سام بن نوح (ع) ، واخر انبيائهم هو يحيى بن زكريا (ع) وهو الرسول والمعلم الكبير الذي جدد الدين المندائي .
وللصابئة المندائيين عدد من الكتب المقدسة ، في مقدمتها كتاب “كنزاربا” (الكنز العظيم) ، وهو صحف ادم التي انزلت من الحي العظيم على ادم (ع) ، وفيها تعاليم الدين الحق ، ويقع الكتاب المقدس “كنزاربا” في جزئين :-
الجزء الاول : “كنزاربا” اليمين ،ويحوي هذا الجزء على قسم مهم من الادب الديني المندائي وتعاليمه ، كما ويحوي على قصص وميثولوجيا دينية تصور صراع قوى الخير وقوى الشر، قوى النور وقوى الظلام ، ويقص علينا عملية الخلق ،خلق الكون والسماوات والانسان الاول ادم (ع) ، ونزول النفس من مستقرها السماوي عند الحي العظيم الى جسد ادم الطيني .كما يحتوي هذا الجزء على الكثير من التعاليم والصلوات والادعية الدينية .
الجزء الثاني : “كنزاربا” يسار ، وهو الجزء الخاص برحلة عودة النفس الى بارئها بعد الوفاة، وعمليتي التطهير والعقاب التي تجري عليها في هذه الرحلة .
اما الكتاب الثاني من الكتب المقدسة فهو “دراشة اد يهيا” ، اي (تعاليم النبي يحيى بن زكريا (ع)) ، ويحوي تعاليم واقوال النبي المعلم “يهيا يهانا” كما يسمى بالمندائية .
وكذلك فأن هنالك عدد كبير من الكتب المقدسة في الادب الديني المندائي ، مثل الـ”قلستا” وهو ( كتاب ترانيم وادعية الزواج ) وكتاب الـ”نياني” وهو كتاب (الادعية والصلوات المندائي).
والمندائيون يتوجهون في صلواتهم وفي جميع طقوسهم باتجاه الشمال ، ويكون دليلهم في ذلك النجم القطبي لثباته ، وذلك لاعتقادهم بأن “المة اد نهورا” (عالم النور) او الجنة المندائية تقع في المكان المقدس الذي هو في الشمال ،وان الانفس ترحل بأتجاه الشمال ، والخير ياتي من الشمال ، على عكس الجنوب الذي تأتي منه كل الشرور ، وهم يؤدون الصلاة ثلاث مرات في اليوم ، ويأتون الزكاة ، ويصومون (36) يوماً متفرقة على ايام السنة، اذ يمتنعون عن اكل اللحوم، الا ان الصوم الكبير هو ان يكف الانسان شرورة عن الاخرين بالقول والعمل .
وللزواج والانجاب اهمية دينية كبيرة في الدين المندائي والعزوبة محرمة ،ولاترهب في الامتناع عن الزواج بالنسبة لرجل الدين المندائي . اما طقوس الزواج المندائي فهي من الطقوس المتميزة التي تؤكد على الايجاب والقبول بين العروسين وعلى شهادة الاهل والاصدقاء وعلى اشهار و اعلان الزواج في جو طقسي احتفالي ، تصاحبه طقوس التطهر والتعميد بالماء الجاري المقدس “يردنا” كما ان لعذرية العروس اهمية خاصة في شروط الزواج .
ويُشهدنا التاريخ على شخصيات مندائية مرموقة حازت مكانة عالية في مجالات العلم والادب والفلسفة والرياضيات والطب ، ومن هذه الشخصيات على سبيل المثال لا الحصر :
- ابراهيم بن سنان : المهندس المشهور الذي عاش في العصر العباسي .
- البتاني : الرياضي والفيلسوف والفلكي العباسي .
- ابو اسحق الصابي : الشاعر والاديب والفيلسوف صاحب الرسائل المشهورة مع نقيب الطالبيين الشريف الرضي .
- ثابت بن قرة : الفيلسوف والرياضي والفيزياوي والمترجم المشهور في البلاط العباسي .
- سنان بن ثابت : شيخ الاطباء في بغداد العباسية في عصر المأمون .
لقد عاش المندائيون لمئآت السنين في قرى وقصبات جنوب العراق وايران ،على ضفاف الانهار واطراف الاهوار ، وبقيت منطقة دلتا دجلة والفرات جنوب وادي الرافدين مناطق الطائفة التقليدية حتى منتصف القرن العشرين . فبعد الاحتلال الانكليزي وتأسيس الحكم الوطني في العراق وفي فترة ما بين الحربين ، حدثت هجرات كبيرة قام بها ابناء الطائفة من مناطقهم الاصلية الى المدن الكبرى في العراق مثل بغداد والبصرة ،وقد احدثت هذه الهجرات تغيرات جوهرية في البناء الاجتماعي للطائفة تمثل في تغير نمط العيش من التقليدية الى الحداثة ، كما وتمثل في تغير نمط القيادة ومراكز القوة في المجتمع المندائي .
وعند مطلع عقد الثمانينات من القرن العشرين حدث تحول واضح في بنى الطائفة الاجتماعية والسياسية والثقافية ، تمثل في حركة جادة ودؤوبة لبلورة الهوية الثقافية الدينية والعصرية ، وقد تمثلت جهود الساعين من ابناء الطائفة في هذا المجال في تشكيل النظم الجديدة المتمثلة في ثلاثة مجالس تقود الطائفة وتمثلها في التعاطي مع الاخر ،وهذه المجالس هي :
- مجلس العموم : وهو برلمان الطائفة الذي يتم فيه تمثيل الافراد ( لعشائرهم /عوائلهم) عن طريق الانتخاب الحر .
- المجلس الروحاني : وهو مجلس يضم كل رجال الدين المندائيين ،واجباته رعاية الشؤون الدينية لابناء الطائفة .
- مجلس شؤون الطائفة : وهو المجلس الذي يدير كل الشؤون الحياتية للطائفة في المجالات الاجتماعية والثقافية والترفيهية والتعليمية عبر عدد من اللجان التي يشرف عليها .
ان التغير الذي حدث في مجتمع الطائفة المندائية طال كل انساق البناء الاجتماعي. ففي النسق الاقتصادي ،كان ابناء الطائفة في مناطقهم الاصلية يمارسون حرفاً تقليدية اتقنوها وبرعوا فيها مثل الحدادة والنجارة والصياغة بالاضافة الى صناعة واصلاح الزوارق ، وقد ابدع المندائيون في فن الصياغة وعلى الاخص اعمال المينا السوداء المنقوشة على الفضة. بينما نجد ابناء الطائفة بعد هجرتهم الى المدن الكبرى ودخولهم المدارس الحديثة والجامعات قد ولجوا الى كل مجالات المجتمع ، فنجد اليوم منهم المهندس والطبيب والضابط والاستاذ الجامعي ..الخ .
أن ثقافة وبناء المجتمع المندائي هي جزء وثقافة فرعية من المجتمع العراقي ، وقد عانى ابناء الطائفة ما عاناه الشعب العراقي من ويلات وحروب وازمات ، وربما كان اثر ذلك على ابناء الطائفة المندائية اكثر وضوحاً بحكم كونهم اقلية دينية صغيرة ، مما دفع أعداداً من نخبة ابناء الطائفة الى الهجرة خارج العراق بحثاً عن الامان والرزق الحلال وهامش الحرية، الا ان صِلاتهم بوطنهم الاصلي لم تنقطع ، كما وان سعيهم للحفاظ على هويتهم الدينية والثقافية والاجتماعية بقي حاضراً رغم كل شئ.
ان لدراسة ثقافة مجتمع طائفة الصابئة المندائيين ، اهمية خاصة لما تمثله هذه الطائفة وهذا الدين من دور مهم في فهم نشوء وتطور وتداخل الاديان والحضارات والثقافات على ارض الرافدين ، فأبناء هذه الطائفة هم بحق ورثة هذه الحضارات العريقة .