
ليس سهلا ان نكتب عن قامةٍ نسائية شامخة اجتمعت فيها مِنَ الصفات والمواهب النادرة، ما جعلها تعتلي القمة فتصبح النسخة الفريدة التي لم تتكرر ….
-2-
انها (آمنة الصدر) التي ورثتْ المجد الصدري، المضمّخ بعطر العلم والادب والاخلاق، ولم تقف عنده ، بل تَخَطَتْهُ الى سوح الفكر والنضال ، فكانت رائدةَ النهضة النسائيةِ الاسلاميةِ المعاصرة، بمشروعها التنويري ، ومؤلفاتها القيَمّة ، ومحاضراتها الثرّة، وأدبها المتميز ، وكل ذلك ادّى الى ان تشهد الساحة العراقية النسائية ” صحوة ” نسائية ملحوظة، أرعبت الاجهزة القمعية للنظام الدكتاتوري البائد ، التي لم تكن تريد لأحد أنْ يُشغلَ بغير التسبيح والتمجيد (للقائد الضرورة)، فكيف بها وهي ترى المسار النسائي الواعي الرافض لكل ألوانٍ الظلم والطغيان والانحراف يشق طريقه ويتعاظم أثرهُ يوماً بعد يوم بفعل الرائدة المُلهمة (بنت الهدى)، التي دخلت الى قلوب وعقول الفتيات العراقيات فجعلتهن يفتحن عيونهن على حقائق الرسالة الخالدة ومفاهيمها ويسعين الى التمسك بأهدابها ؟
انّ المسخ الاخلاقي هو ما كان يحرص الدكتاتور المقبور على إشاعَتِهِ في وسط الأمة ، وحينئذ يمكن له أنْ يكون الآمرَ الناهي كما يريد .
أما اذا كانت العقيدةُ الاسلامية راسخةَ الجذور في نفوس أبنائها وبناتها ، والالتزام بمفاهيمها وأحكامها من القوة والعمق بحيث لا مجال لاختراقها
مِنْ قِبَلِ الطاغوت وأجهزتِهِ القمعية كما كانت (بنت الهدى) توظّف كل طاقاتها لذلك، فان الاحقاد العفلقية تتصاعد الى حد الاقدام على تذويب جسد (بنت الهدى) الطاهر في حامض الكبريتيك (التيزاب) في واحدةٍ من أبشع الجرائم الكبرى التي اقترفها الدكتاتور المقبور .
-3-
ان الحوراء “زينب” كانت شريكة الامام الحسين (ع) في ثورته ضد الكيان الأموي الغاشم .
ولقد رافَقَتْه في مسيرتِهِ من الحجاز الى العراق، وشهدت كُلَّ ما جرى يوم عاشوراء من سنة 61 هجرية، وكانت رغم فداحة المصاب مثالَ الصبر والحكمة .
والنشاط في فضح الطغاة الظالمين ، ومع ذلك فقد سلمت من سيوف الغدر الاموي .
أما (بنت الهدى)، وهي شريكة أخيها الامام الشهيد اية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر – رضوان الله عليهما – ،في نهضته ومواقفه الباسلة ضد الظلم والطغيان العفلقي ، فلم تسلم من الطغاة المجرمين الذين امتدت ايديهم اليها معتقدين انهم إنْ قضوا على جسدها فانهم سيطفئون نُورَها ولكنها شمسٌ لن تغيب، إنْ غاب جسدها ، ففكرها ومواقفها لن تغيب
بنت الهدى فتشتُ عن ( زينبٍ )
فلم أجِدْ غَيْرَكَ بَينْ النساءْ
آمالها كنتِ وآلامها
وصبرها المرير في الابتلاءْ
استغر الله فلم يقتلوا
( زينب ) واغتالوكِ في ( كربلاء )
-4-
كانت الشهيدة ” بنت الهدى ” المشرفة على المدارس الخاصة التي انشئت لتربة البنات تربية اسلامية صحيحة في (النجف) و(الكاظمية) وكانت تتولى التدريس فيها بنفسها، الأمر الذي أسهم بتكوين جيل واعٍ من بنات الاسلام اللواتي يحملن العلم في كَفٍّ وهدى الاسلام في كفٍّ أخرى ..
وتلك واحدة من أهم انجازاتها
-5-
لقد كانت الشهيدة (بنت الهدى) في حركة دائبة لا تعرف الفتور ..
بين قراءةٍ ومتابعة، وكتابة وتأليف، ومحاضرات تربوية نوعية ، وبين استقبال الوافدات اليها السائلات عن أحكام دينهن، وقبل هذا وبعده كانت تعيش الهم الوطني الكبير ، والعمل من أجل ازاحة الكابوس الدكتاتوري الثقيل الجاثم على صدر العراق .
-6-
انها توّجت بشهادتها مسيرةً رائعة الأبعاد والفصول، ويحقُّ لنا أنْ نخاطبها بما قاله المتنبي :
ولو كان النساء كمن فَقَدْنا
لفضلّت النساءُ على الرجالِ
حسين الصدر