ضيفت مؤسسة الحوار الانساني بلندن يوم الاربعاء 8/3/2017 الشاعر العراقي القادم من استراليا مصطفى المهاجر في امسية ثقافية قرأ فيها بعضا من قصائده وتحاور فيها مع جمهوره، كما شارك في الامسية الناقد العراقي الكبيرالدكتور عبد الرضا علي بقراءة نقدية لبعض قصائد الشاعر.
مصطفى المهاجر – من مواليد العراق – ميسان ، انهى دراسته الهندسية في جامعة بغداد ، انهى الخدمة العسكرية وخدمة الاحتياط في الجيش العراقي. غادر العراق عام 1982 بعد مداهمة ليلية لمنزل عائلته واعتقال اثنين من إخوانه, ولم تعرف أخبارهم حتى الآن؟ أقام في دمشق مدة عشرين عاماً ، عمل في مجال الصحافة والأدب طيلة وجوده في دمشق. كتب في صحف المعارضة العراقية بدمشق وفي الصحف السورية واللبنانية. عضو إتحاد الكتاب العرب – جمعية الشعر.- عمل مع اتحاد الكتاب العرب مدققاً لغوياً لمطبوعاته. عضو مؤسس لمنتدى الأربعاء الثقافي بدمشق ،غادر دمشق عام 2002 الى استراليا ولا يزال مقيماً فيها.- شارك في عدد من المهرجانات الثقافية في استراليا كما شارك في مهرجان المربد “11” عام 2014.
صدر له حتى الآن المجموعات الشعرية التالية :
1- غآئب كالوطن… حاضر كالبكاء – دمشق 1992
2- إيقاعات على وتر القلب – دمشق 1994
3 – وحدي ( بدعم من إتحاد الكتاب العرب) – دمشق 1997
4 – تمتمات ( عن إتحاد الكتاب العرب) – دمشق 1999
5 – و جع الأسئلة الليلية (عن إتحاد الكتاب العرب) – دمشق 2000
6 – مجموعة شعرية باللغة الانجليزية 2008 – AWAY…FAR AWAY
7 – بعد فوات الأوان – صدرت الكترونيا فقط
وله قيد الاعداد للنشر :
1 – ترانيم وجد (1) – شعر
2 – ترانيم وجد (2) – نصوص
3 – ليس حباً سواه – مجموعة شعرية خاصة بالشهيد محمد باقر الصدر
4 – هناك أبعد من “تلفات الدنية“
5 – حذفه الرقيب – مجموعة المقالات السياسية والثقافية التي نشرت في الصحف العربية والمواقع الالكترونية.
قراءة في مجموعة ” بعد فوات الاوان ”
قدم الكتور عبد الرضــا عليّ قراءة نقدية لمجموعة مصطفى المهاجر “بعد فوات الاوان” فقال :
مصطفى المهاجر،وهو اسم ادبي للمهندس “صباح الأنصاريّ” شاعرُ القممِ العاليةِ الرصينةِ بامتياز، وهذه المجموعةُ الموسومةُ بـ ” بعد فوات الأوان ” تثبتُ للمتلقّي الكريمِ أنَّ هذا الشاعرَ وريثُ عمودِ الجواهري الجديدِ باقتدارٍ، وشعرِ التفعيلة السيّابي الفاعل بيقينٍ. ولا غَروَ، فـ ” بول فاليري” يقولُ: ” لاشيءّ أدعى إلى إبرازِ أصالةِ الكاتبِ وشخصيتهِ من أن يتغذّى بآراءِ الآخرين، فما الليث ُ إلا عدّةُ خرافٍ مهضومة .”
ثمّةَ مميّزاتٌ ينبغي الإشارةُ إليها في هذه المجموعة تتلخّصُ بالآتي:
1- صورُها الفنيّةُ على درجةٍ عاليةٍ من الابتكارِ، فهي توليديّةٌ ناميةٌ ليست عاديّةً، وأخيلتُها جديدةٌ موحيةٌ نأتْ عن التعبيرِ الصريحِ، كما في قولِهِ :
فأنتَ تُضيئُ …
بلمسِ النجومِ
و نحنُ اشتعلنا …
بلمسِ يديكْ
فمن أينَ نذهبُ …
عن ناظريكْ …؟!
و من أين …؟ من أين ..؟
نأتي إليكْ ..!
فكلُ الدروبِ تحيطُ بنا
و تدفعُنا كي نحطَ لديك
حنانيكَ هذا مُقامُ الندى
و هذي المزاميرُ …
تبكي عليك.
” وهي من المتقارِب “
2- عاطفةُ نصوصِها تقتربُ من درجةِ الاتّقاد، ولا تنفكُّ تلازمُ القارئَ الجادَ بقوّةٍ، وهذه الديمومةُ هي الشرطُ الأهمُّ في تمييزِ العاطفةِ الحقيقيّةِ من غيرِها من العواطفِ التي تجيءُ من خارجِ النصِّ، ومتى كانت من داخلهِ أضحتْ مثيرةً للوجدانِ، ولسنا نغالي إن قلنا : إنّ المهاجرَ حين يبكي يجعلُكَ تشاركهُ البكاءَ، وحين يُنشدُ لوطنهِ الجريحِ يجعلُكَ تلامسُ الجراحَ معه، وإذا اشتكى الوجدَ وتغزّلَ على نحوِ ما يُظهرُ الصوفيُّ، أو العذريُّ من بوحٍ، فإنّهُ يقودُكَ إلى أن تعيشَ معه تجربةَ الاكتواءِ واللوعةِ كما في :
يراودُني الوهمُ
أنْ سوفَ تذكرُني
ذاتَ بُعدٍ
فتبعثُ لي
عبرَ هذا المسمى البريدِ
سلاما
فأختالُ من فرحٍ
تضيئُ بي الروحُ
أستنشقُ الذكرياتِ البعيداتِ
بوحاً أليفا
و نفحاً شفيفا
و سرباً من القُبَّرّاتِ
المحناةِ بالوجدِ …
إضمامةً من خُزامى
***
و لكنهُ الوهمُ
لكنهُ الوهمُ
يا صاحبَ الروحِ
جوهرةٌ غُصةٌ
و الندامى …
على شاطئيه ..
يتامى ..!!!
3- موسيقا شعرِ هذه المجموعةِ ساحرةٌ، تنسابُ انسياباً من غيرِ التواءاتٍ، أو ضروراتٍ، وإيقاعاتُها المختارةُ تثبتُ حسَّ شاعرِها عروضيّاً في استخدامِ بعضِ الأوزانِ على نحوٍ فاعل، كما فعلَ الشاعرُ في إيقاعِ المتقارِبِ حين خلّصَهُ من بعضِ ما فيهِ من رتابةٍ، وقد أكثرَ من إيقاعهِ، وجوّدَ في القصائدِ الآتيةِ : بكاءُ المزامير، و الفراقُ، وما تشاؤون، و انتظار، و قبلاتٌ لبغداد، ووهمٌ، وغيرِها.
فضلاً عن إفادتهِ من تداخلِ إيقاعَي المتقارِبِ والمتدارِكِ في قصيدةِ ((برعم)) و قصيدةِ (( بعد فوات الأوان)) وهي ميزةٌ حقّقها الشعرُ التفعيليُّ خلالَ حركتهِ التحديثيّةِ في الإيقاع.
في شعرِ المهاجرِ تتحقّقُ الإثارةُ والإدهاشُ والابتداع، وتقودُكَ نصوصُهُ الجميلةُ إلى خُلاصاتٍ تفتحُ العيونَ المغلقةَ فتحاً، كما تجعلُكَ بعضُ قصائدهِ أن تتعاطى مع الأسئلةِ الملحّةِ التي يُثيرُها المبدعُ الملتزمُ الذي يُدركُ الهدفَ الساميَ الذي يسعى إليه، وقد بيّنتْ معظمُ نصوصهِ التي خاطبتْ وطنَهُ وقاسمتْهُ الألمَ الممضَّ، أنَّ المهاجرَ مصطفى لم يكن كغيرهِ ممّن توسّلَ ببعضِ المفرداتِ، أو المصطلحاتِ التي أكثرَ منها الساسةُ الذين تاجروا بها ظنّاً منهم أنّها ستمنحُ نصوصَهم صكوكَ الغفرانِ، وتقرّبُها من دائرةِ الإبداع.
إنّنا على يقينٍ من أنّ قارئَ هذه المجموعةِ سيحتفي بها، ويجعلُها زاداً ثقافيّاً إبداعيّاً يعودُ إليها كلّما أحسّ بحاجتِه إلى إدامةِ وجدانهِ المرهفِ سعياً لامتلاكِ الجمال.
قراءات شعرية
ثم قرأ الشاعر مصطفى المهاجر مجموعة من قصائده فأ بتدأ بـتعريف شعري فقرأ قصيدة:
أنا
الليل الموحش
والوحدة
والذاكرة التعبى
وانا
حزني.. يمتد
يهاجر
لا نلقى
اهلا .. احبابا
او وطنا
طوف
قاصية البلدان
ودانيها
لم يألف سكنا
ومضى
والريح تسابقه
يسبقها شجنا
وزع في الارض
أضلعه
اوردة
جفت
فيه الانساغ
واحلاما تائهة
وضنى
فعلى جسر في بغداد
له عينان وفي البصرة
والشام
وطهران ….
هنا … وهنا
يركض … والاصحاب
تفارقه دون وداع
وتحدقه في بئرالقلب
تفاجئه الظلمة
غابت
لم يبق سواه هناك
يلوح للمجهول
يسائله اين الكل؟!
فلا يلقى اذنا
تكبر دمعته
ساخنة
تكبر غربته
والليل يطول
ويطاول اعمارا
زمن
يزهر مابين اصابعه
لحن
من ايام الذاكرة الاولى
يعرفه
ويحاول ان يذكر
ما صاخبه
من كلمات
تهرب منه
الالفة
والاسماء الخمسة
والاحرف
والارقام
ولايبقى
الا العمر الموحش
والغربة
والوحدة قاتلة
وانـــــــــــا
من انت ؟ … ما انت ؟
لا ارض ابعد من مداك
لا وجد اقرب من هواك
من انت…
حتى تستطيل على الدنا
فخرا
وتشمخ في علاك…؟!
من انت ..
حتى تفح الاماق
ادمعها ..فداك.. ؟!
من انت
حتى تبذل المهج الرقاق
بصيص نبض واهن بالشوق
تكنزه رؤاك؟!
من انت
ما طعم الفراق
تصوغ جوهرة … يداك؟!
ما انت
تركض في ضمير الغائبين
مجللا بشذى نداك؟!
من انت …؟
من سواك ….؟
من اعلاك…؟
من رفع القلوب
الى قصي من سماك….؟!
لا ارض ابعد من مداك
لا وجد اقرب من هواك
كم ذا يمد جناحه شوق
فيحرقه لظاك…..!!
ما انت…
يا وطنا
تفيض احبة ..كرما
وتطعمهم اذاك…!!
من انت ؟
من سواك…..؟
من اسماك….؟
من اعلاك….؟
يا انت يا وطنا
تناءى عن اضالعنا
هناك…..!
ها نحن نشحن نفينا
وجدا
ونسأل ؛ هل نراك..؟!
فلا نراك..!
لا ارض ابعد من مداك
لا وجد اقرب من هواك
سلاما لكم اجمعين
في الهزيعِ الأخير من الليلِ
أنثرُ أوراقَ عمري الحزينْ
أقلّبها…
أعدد مامرَّ
من خيبةٍ… غربةٍ…
عَرقٍ…
أو دمٍ.. وحنينْ
وأقرأ بين السطورِ
التي شفَّها الوجدُ
خاتمةً لاتبينْ
* * *
هنا…
ضاعَ لي صاحبٌ
عشرةٌ… مئةٌ
في السجونْ
هنا…
غادرتني ابتسامة أمي
وأختي الحنون
هنا…
كنتُ أركضُ
نحو الحدودِ
أُخبئ بعض القصاصاتِ
شعراً ونثراً
وأحملُ
مفتاحَ بيتي
السجينْ
* * *
هنا.. وهنا
لستُ أدري
الى أين تأخذني
دورةُ البحثِ
عن وطنٍ
عامرٍ بالنخيلِ
وبالامنياتِ البسيطةِ
والياسمين
* * *
هنا.. كان شوكٌ
هنا.. كان صفعٌ
هنا.. كان ركلٌ
هنا.. كان نفيٌ
هنا.. كان قهرٌ
هنا..
ياإله السماواتِ
ضَعْني..
على أول الدربِ
نحو الجنون
لأفهم.. أيُّ الوريقاتِ
مشغولة بالنداءِ العقيمِ
وأيُّ السطورِ
ملامحها
تستبينْ
* * *
في الهزيعِ الأخيرِ من الليل
يجرّدني حلَمي
من بقاياي
يقلبني
فوق هذا القتادِ
الذي اسمه البعدُ
لاللشمالِ..
ولالليمينْ
* * *
ياصحابي الذين استفقتُ
على هجرهم
واحترقتُ ببردِ الفراقِ
الحزينْ
هاأنا
في الهزيعِ الأخيرِ
من الليلِ
أنثرُ أَوراقَ عمري
وأسألها…
عن غدٍ
مفعمٍ بالأنينْ
* * *
سلاماً لكل الذين
ثووا في الزوايا
من القلبِ
واستوطَنوا
الروحَ
رغم البعادِ
الملفعِ
بالراحلينْ
سلاماً…
لمن ظلَّ
يمسكني بالمودةِ
أمسكهُ
بأساي اللعينْ
سلاماً…
لكم أجمعينْ
سلاماً…
لكم أجمعين
ما ثَمّ إلا الكلام
قلقٌ…
من بقايا الكلامْ
قلقٌ…
والخطى في الرياحِ القصيةِ
تستافُ أحلامَها
ترتدي البعدَ والعُريّ
والعثراتِ المريبة
وسطَ الزحامْ
قلِقٌ…
والكوابيسُ
تملأ أوردتي
يقظةً أو منامْ
هكذا يمتطي الوجدُ
ظهرَ الليالي
فتصبح مشغولةً
بالنجومِ البعيدةِ
والقبّرات الشريدةِ
والذبذباتِ السريعةِ
بين التباعدِ… والالتحامْ
هنا أصحر القلبُ
معتمراً جُلَّ أحلامهِ
فاستباه الظلامْ
هنا… رحلَ الصحبُ
فارتبكَ الخطوُ
ثم طواهُ القِتامْ
هنا.. لم أزلْ أذكرُ الراحلينَ
إلى حيثُ لا عودةٌ
أو سلامْ
هنا…جربتني المواويلُ
فامتلأ العمرُ أغنيةً
رددَ اللحنَ منها اليمامْ
أُقاسمُ إيقاعها الشجو
والنوحَ
والبوحَ
والتمتمات البعيدات
عمّا يُرامْ
هنا… حيث لا جسرَ
يُوصلُ بين الأحبةِ
والأمنياتِ الغريبةِ
والصحبِ
لا جرسَ يوقظ أحلامنا
إذ تنامْ
هنا.. أيها القلبُ
ماذا لديكَ…؟
وماذا تريدُ…؟!
وماذا ستلقى..؟!!
وكلُّ الدروبِ إلى نخلكَ المشتهى
مستباةٌ
يحوّطها القلق المرُّ
والجندُ.. والخانعونَ
يقسّمها الاقتسامْ
هنا… قلِقٌ…
والحروف الرتيبةُ
لاشيءَ يربطها
كي تُرى جُملاً
يستقيم بها الوزنُ…
واللحنُ…
والظلُّ .. واللونُ
والـ(أنتَ)… والـ(نحنُ)
أو ترتدي حلةَ الانسجامْ
قلِقٌ.. من ظلامِ الصباحِ
المسافرِ مستوحداً
للغمامْ
قلِقٌ… ليس يُجدي الكلام
قلِقٌ… ليس يُجدي الصراخُ
السكوتُ
الهروبُ
البقاءُ
النعوتُ
النداءُ
البكاءُ
الجلوسُ
القيامْ
قلِقٌ… أجرعُ الكأسَ
مترعةً بالسخامْ
وأرى الأفقَ
أغبرَ
مشتعلاً
بدمِ اللوزِ… والجوزِ
ثمةَ مَنْ يذبح الآن
في ذروةِ الذلِ
سِربَ الحمامْ
قلِقٌ…
لغدٍ لا يُرامْ
قلِقٌ…
للنوارسِ تبحثُ عن شاطئٍ
نشفَ البحرُ
أينَ تُولي النوارسُ
وجهتها إذ تُهاجرُ..؟
هل ثَمَّ بحرٌ جديدٌ
بعيد الظلامْ..؟!
وهل ثَمَّ..
شعرٌ.. ونثرٌ
ووصلٌ.. وهجرٌ
ونخلٌ.. وتمرٌ…؟!
وهل ثمَّ
أمٌ.. وأختٌ
ودربٌ.. وبيتٌ
وعيشٌ.. وموتٌ..؟!
وهل ثمَّ
مّنْ يُرتجى
في الأنامْ..؟!
كلامٌ
كلامْ
وماثمَّ
إلا الكلامْ
نشيد الحياة
رسم السبطُ فوق وجه الزمانِ
بدماهُ ملامحَ العنفوانِ
ومشى في مفاصل الدهر نبضا
مستثيراً كوامنَ الوجدانِ
وبقلبِ الحياة صار نشيداً
تتغناهُ طاهراتُ الجنانِ
وبعينين من دموعٍ…ونورٍ
نظرَ الأفقُ نحوه بامتنانِ
أشعلَ الوجدُ في ضمير الصحارى
وكساها اخضرارها بالمغاني
وتجلى بكل نفسٍ… هواها
وجلاها من ريبة وامتهانِ
وسما بالسمو أقصى مداهُ
نافياً بالشموخِ حدَّ المكانِ
فاستقامت على حفيف خطاهُ
ناصعاتٌ من المنى والأماني
………….
أيها الموقدُ الحروفَ ضياءً
واشتعالا تنوعُ فيه المعاني
تتهاوى لأخمصيه عروشٌ
مثقلاتٌ بظلمها والهوانِ
وترى نصرها العظيمَ دماءً
وسبايا بشاسعِ البلدانِ
ويراها بقلبهِ أضحياتٍ
ومطايا للعبةِ الشيطانِ
فرحَ القاتلون زهواً وناموا
في غرورٍ بدافىء الأحضانِ
واستفاقوا ملفعينَ بذلٍ
وضياعٍ وحسرةِ الخسرانِ
وبكى السبطُ بؤسهم وشقاهم
ومصيراً بجاحمِ النيران
يالقلبٍ براهُ حبُّ البرايا
مستفيضٍ برقةٍ وحنانِ
وجَنانِ معلق…بالمنايا
والمنايا مدارجٌ للجنانِ
…………..
أيقظَ السبطُ بالشهادة فجراً
سترته سواترُ العصيانِ
منعتْ نورَهُ البرية ظُلما
لتغطي معايبَ السلطانِ
وترى الناسَ ضائعين سكارى
وترى الحقَّ مغمضَ الأجفانِ
كيفَ والسبطُ شاهدٌ وشهيدٌ
محضُ رؤياهُ ذروةُ الإيمانِ
والتراتيلُ باسمه…تتحدى
سطوة البغي من ذوي التيجانِ
فمضى يزرعُ الدروب لهيباً
علوياً مضمخاً بالأذانٍ
رافضاً بيعةً تؤول قيوداً
وهواناً يفوقُ كلَّ هوانِ
وبغابِ السيوفِ أنبتَ ورداً
يتنامى أريجهُ كلّ آنِ
وسقاهُ بدمعهِ ودماهُ
ليرى فيه رفعةَ الإنسان
ظامئا ظلَّ والسحابُ يداهُ
كلّ حُرّ يقول فخرا سقاني
……………
ليسَ بالدمعِ وحدهُ تُتغنى
أو كلامٍ نلوكهُ باللسانِ
قد حملناكَ والطريقُ جحيمُ
والمنايا تسابقت للطعانِ
زرعوا الأرضَ كالطفوفِ ضحايا
واستفاقت أحقادهم في المغاني
واستثيرت بأرضنا من جديد
موجةُ البغي أوغلت في الرهانِ
كربلاءُ تواصلت .. بلظاها
فكوتنا بحارقِ النيرانِ
وتناءت عن الديارِ قلوبٌ
أحرقتها قساوةُ الهجرانِ
وتهاوى بنوكَ للغدرِ صرعى
بعد رفضٍ لسلطة الصبيانِ
كم صريعٍ على خطاكَ تسامى
شامخٍ بالإباءِ نحو الجنانِ
وقفَ “الصدرُ” مثلما كنت طوداً
يتحدى “يزيد” هذا الزمان
رافعا من دماك راية عزٍّ
وفخارٍ وعزمةِ الفرسان
ومشى الدربَ واثقا بخلودٍ
وانتصارٍ مجللٍ بالأماني
وبنوه تسابقوا للقاءِ
واحتدامٍ بفكرة وسنان
أرعبوا الحاقدين في كل أرضٍ
وتباروا تشدهم حسنيانِ
والعراقُ الوسيعُ صار طفوفاً
وسجونا تضجُ بالأحزانِ
وبنو العم والخؤولهِ.. صمٌّ
عن نداهم ولهفةِ الولهانِ
فكأن العيونَ تشكو انحسارا
أو تعامت عن محنة الإخوانِ
فغدونا بكل أرض شظايا
ولجلادنا رفيفُ الأغاني
وتضيقُ القلوبُ عنا وتُهدى
لرضاهُ مشاعرُ العرفانِ
تصبح الأرضُ طوعة في ولاءٍ
مستثير حفيظة الإيمانِ
كيف يرضى قاتل زينته
بالحماقات شهوةُ الذؤبانِ
…………..
فالعراقُ الذبيحُ صار ركاما
وحبيسا بلعنة العدوانِ
والسعارُ المغذّ نحو جوارٍ
يتوالى بحقده في المكانِ
أيُ حرثٍ وأي نسلٍ تناءى
عن لظاه من بين قاص ودانِ
ثم عادوا تبادلاً لودادٍ
واتجارا بعزة الأوطانِ
لتظلَ التيجانُ لصقَ رؤوسٍ
خاسئاتٍ بشهوة التيجان
يا دمانا توزعت..وهوانا
لم يقارفْ تخالطَ الألوانِ
علويّ الولاء يبقى لنهج
في الحنايا مؤطرٍ بالتفاني
صنعَ السبطُ من دمٍ ودموعٍ
كربلاءً تُطلُ في كل آنِ
من جنوب العراقِ حتى جنوبِ
لاهب العزمِ في ثرى لبنانِ
يتبارى فتياننا…لجهادٍ
ورضا الله غايةُ الفتيانِ
ولدى القدسِ أمة تتحدى
همجة البغي…صولة القرصانِ
يتعالى من الحناجر صوتٌ
وتراتيل من هدى القرآن
ليس إلا الجهاد نهج الحياة
وسبيلاً لعزةٍ وجنان
إن دربَ الحسينِ باق نداه
وعطاياه في ضمير الزمانِ
رسمَ السبطُ للحياة خلودا
ونعيما بطاعة الرحمن
فاستقامت على حفيف خطاه
ناصعاتٌ من المنى والأماني
محضُ ذكراه نفخةُ من جِنان
والمواساةُ لوعةٌ في الجنانِ
ولصيقٌ إلى الشفافِ هواهُ
ومقيمٌ بدورة الحدثانِ
وسنأوي إلى رحابكَ يوما
لنؤدي مراسم الشكرانِ
وسيرى تلهفٌ وحنينٌ
يومَ تجلى عصابة الطغيان
وبعد انتهاء الشاعر مصطفى المهاجر من قرائته توجه الحضور باسئلتهم ومداخلاتهم حول تجربته الشعرية ورحلته في المنافي وتأثير ذلك وانعكاسه على كتابته الابداعية ،واجاب الضيف على الاسئلة مما اغنى الجلسة الشعرية ومنحها جوا شعريا وابداعيا جميلا.