جبار موسى/ بغداد.
لاشك ان مفهوم توزيع السلطات وعدم احتكارها في جهة واحدة هو مفهوم غربي وأظن ان مونتسيكيو هو أول القائلين به في العصر الحديث والعلة في ذلك ان تركيز السلطة بيد جهة واحدة مظنة الطغيان وقائدة نحو الاستبداد وجاء على خلفية الاستبداد في اوروبا وهناك من يرى ان تركيز السلطة بيد جهة معينة يبعث على اليسر في العمل السياسي من دون تعقيدات او اعاقة مع الاستماع لمشورة الخبراء وأصحاب الرأي والاختصاص.
وفي محاولة لقراءة الواقع العراقي قراءة نقدية نجد ان النظام السياسي في العراق نظام هجين لا يشبه أي من الأنظمة الديمقراطية في دول العالم فهو يتبنى تشتيت السلطة وتخفيفها الى درجة فقدان الفاعلية فلا تجد في العراق جهة تستطيع أن تخطو أي خطوة وتتحمل مسؤوليتها لأن ليس لديها صلاحية كاملة في ذلك.
الدول الديمقراطية القريبة من نظامنا السياسي هو النظام الديمقراطي الأمريكي والاوروبي على وجه العموم دون التفاصيل ولكن هناك ملاحظة مهمة هي وإن ادعت هذه الانظمة بالفصل بين السلطات وتوزيعها الا انها تعطي صلاحيات واسعة للجهة التنفيذية وتكاد تكون مطلقة في بعض الاحيان ففي الولايات المتحدة يد الرئيس المنتخب مبسوطة في كل شيء الا في حالة الحرب وقل مثله في بريطانيا والمستشارة الالمانية والفقيه الولي في ايران ورؤساء جمهوريات في العالم مثل روسيا وتركيا وفي العالم العربي والاسلامي ومملكات وامارات كلها تضع الصلاحيات بيد شخص يكون الرأس الأعلى في الدولة بغض النظر عن كونه منتخبا أم معينا من جهة منتخبة وهذا سر النجاح في كل هذه الدول لأن تشتيت السلطة يفقد القدرة على اتخاذ القرار وبالتالي تضييع المسؤولية.
في الفكر السياسي يجب أن تؤول الكثرة الى الواحد فموقع القيادة يتسع لواحد فليس معقولا أن تحكم الكثرة من موقع الواحد لأن القابل لايسع وليس لها القابلية على الاتفاق في الأعم الأغلب وانما الاختلاف سيد الموقف والاختلاف خطر على الدولة والنظام السياسي خصوصا في الحالات الحرجة التي تستوجب قرارا قياديا استراتيجيا يحدد مسار الدولة السياسي من قبيل قرارات الحرب أو السلم أو الاحلاف او المعاهدات الاستراتيجية. نعم لايجوز التفرد والتفرد غير الواحدية فالقرارات الصادرة عن التفرد قرارات استبدادية أما القرارات الصادرة عن الواحد فهي ثمرة تشاور ونقاشات واغناء للموقف يصار بعدها الى القرار بعزم الواحد المستل من الكثرة.
(فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّـهِ لِنْتَ لَهُمْ وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَ شاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) آل عمران/ ١٥٩ فهنا أمر بالمشاورة يقتضي الوجوب وصلاحية اتخاذ القرار من القائد الواحد بعد التوكل على الله. وهذا هو المعمول به في كل الدول الناجحة.
النظام السياسي في العراق بحاجة الى اعادة نظر خصوصا بعد تجربة طويلة يسهل معها تحديد الثغرات ووضع نظام سياسي جديد يقود العراق نحو المستقبل.