
حسن المياح
الفطرة هي أصالة الطهارة والخير في فلسفة وحكمة وغاية الخلق والوجود ، وغريزة حب الذات المتأصلة في خلق ووجود الإنسان هي الأساس في عمل الخير أو سلوك طريق الشر —
الله الخالق سبحانه وتعالى يعلم ما ومن خلق ، لذلك حق له أن يؤشر الى مكامن الخير والشر ، والصحيح والخطأ ، والجيد والرديء ، ويبين كيفية المعالجة..ومن أساسيات الخلق والوجود من باب الوجوب اللطفي على الله تعالى أن يبين طريق الهداية ، ويهيأ الإمكانات الأساس في المخلوق ، ويفسح للمخلوق ( الإنسان ) أن يتمتع بالحرية والإختيار ، ليكون هو المسؤول أمام الله سبحانه وتعالى فيما يعمل ويسلك ، وهذه المسؤولية تستبطن الحساب ثوابآ أو عقابآ طبقآ للعمل الإنساني..والله تعالى منح الإنسان حق الأختيار لكيلا يحتج الإنسان على الله تعالى بأنه مسير مقيد محدد لزومآ وتطبيقآ ؛ ولذلك ترك له الفرصة كاملة أن يختار بحرية..لأن يفعل أو لا يفعل..
والهداية الإلهية الربانية هي التوضيح والكشف والإراءة والتحذير والتنبيه وما الى ذلك من تبيانات تستهدف مصلحة الإنسان في سلوك الطريق الصحيح ، ولم يتحدث الله تعالى فقط شفاهآ ونظرية ، وخطابات وتنبيهات ، كمنهج هداية فحسب ؛ وإنما زود الإنسان بتجارب وممارسات عملية ، ليوضح له كيف يكون التصرف الخير من الشرير …. وما قصة الشجرة التي منع أبونا النبي آدم وأمنا حواء عليهما السلام من أكل ثمارها ، وهي التجربة من أجل دروس تربوية ، وغاية تهذيبية لهما ، ولنا الخلق البري أجمع … ، في ” أن يفعل أو لا يفعل ” …. وتلك هي التربية الإلهية ، والهداية الربانية للمخلوق الإنسان ، الذي لم يترك هملآ بلا توعية ولاتربية ولا تهذيب ولا تنبيه ولا توجيه ، وكما يقول المعلم الأول أرسطو ، بأن الله سبحانه وتعالى قد خلق الإنسان ، وترك هملآ سائبآ يتصرف كيفما يشاء ويقدر هو الإنسان..
” وهديناه النجدين ” النجد هو الطريق ، والنجدان هما الطريقان ، الخير والشر …. والهداية الإلهية هي هداية على نوعين ، نظرية وعملية ، وهي على مرحلتين مترابطتين ، أولهما النظرية ، وهي إراءة الطريق وتبيانه وتوضيح معالمه .وثانيتهما العمل والتطبيق وهي الإيصال الى المطلوب ممارسة سلوك تجربة حياة عملية ومنهج مسيرة إنسانية..وبتعبير آخر أن القسم النظري من الهداية الإلهية هي التشريعات وما تنطوي عليه من مفاهيم وقيم خلقية … ، والقسم العملي هو التطبيق العملي لهذه التشريعات في واقع الحياة والإنسان … . ولم يقتصر الأمر في الهداية الإلهية على هذا فقط ، وإنما أرسل الله تعالى الرسل والأنبياء مبلغين حسيين مشهودين للتشريعات ، والأوصياء هم أدلاء على الطريق للإيصال الى المطلوب ، سلوك تجربة منهج حياة ” وما كنا معذبين حتى نبعث رسولآ ” ، والرسول ظاهر مشاهد وهو النبي عليه السلام ، وباطن وهو عقل الإنسان الحر المختار في أن يفعل أو لا يفعل..والحرية والإختيار هما اللذان — من خلال العقل ومدركاته — ينتجان السلوك الذي يكون عليه الإنسان المخلوق ، وفقآ للإمكانات الداخلية التي يتحلى بها عقل الإنسان ويتميزها ، والجواذب الخارجية من إغراءات وشهوات ، ورغبات ونزوات ، ومصالح ومنافع ، وما الى ذلك من مؤثرات أخرى في المحيط الخارج …..
وهنا يبرز دور غريزة حب الذات التي تفرض وجودها وتأثيرها على سلوك الإنسان بوجه عام .وهذه الغريزة ذاتها لم تترك سدى هملآ تفعل ما تشاء ( وهي بمقدورها أن تجعل الإنسان يفعل بما تشاء وتريد إذا هملت وحدها وأطلق لها العنان ) ؛ ولكن توفرت لها تربية وتهذيب … ومتى ما تربت هذه الغريزة وهذبت ، فإن السلوك الذي ترشد اليه يكون صحيحآ صالحآ ، مثمرآ طيبآ …. ؛ ومتى ما لم تأخذ كفايتها من التربية والتهذيب الصالح المثمر المفيد المستقيم ، فإنها ستغري الإنسان على سلوك طريق الشر والعمل المنحرف الشرير ، وأنها ستدفع الإنسان على إرتياد الطرق المنحرفة المعوجة ، وإتخاذ قيمآ وسلوكات لا أخلاقية تتميز بالشرور والعدائية والعدوانية ، وأنها تدعو الى الإستئثار ذاتآ وهذه طبيعتها ، والإحتكار أنانية نفع ذات خالص ومصلحة إنتماء لما تهوى وترغب من أداء ولاء..ولذلك فإن غريزة حب الذات هي الأساس والمنبع الذي يرشد الى نوع السلوك ، ووفقآ لما هي عليه من تربية وتهذيب ، وأنها هي مصدر الشرور والإنحرافات والظلم والإجرام والإنتقام لما تكون عقيمة المحرومة من التربية والتهذيب ، وأن العنان مطلق لها ، وتكون التصرفات كما هي تصرفات الحيوان ، لأن الحيوان شهوة خالصة خلقآ وهي المتطلب منه سلوكها ، والحيوان لا عقل له يعلم ويرشد ، وهذه هي غريزة حب الذات …… بينما الإنسان مركب من عقل وشهوة ، والعقل المهذب الناضج في الإنسان هو المدير القائد ، والشهوة هي ملذاته المشروعة ، وتحصيلاته الطيبة ، بوعي وإتزان ، وهي الطيبات التي ذكرها القرآن الكريم في آياته الكريمة الحكيمة..والعقل المستقيل الراكد عند الإنسان يعني أنه لا عقل مستخدم؛ وبذا يكون الإنسان هو عبارة عن كتلة شهوات ورغبات ونزوات حيوانية ليس إلا..بالوقت الذي يستطيع فيه الإنسان أن يجعل تلك الشهوات والرغبات والنزوات ، نعمآ إلاهية مشروعة طيبات.
والأخلاق وقيمها المعنوية والمادية السلوكية التي تنتجها تأثيرات غريزة حب الذات المنفلتة اللامرباة واللامهذبة ، هي سلوكات حيوانية عدائية معتدية ظالمة إرهابية قاتلة مهلكة ، وأنها لا تميز بين محمود ومنبوذ ، ولا بين صحيح وخطأ ، ولا بين إجرام وسلام ، ولا بين خير وشر ، ولا بين عيب وحرام وبين مقبول محمود مراد وحلال..وتلك هي الأنظمة الإجتماعية السياسية التي تقود الحياة والإنسان ، تبعآ لما هي عليه من تربية غريزة حب الذات وتهذيبها.
فأما هي تربية وإلتزام ، وتهذيب وتطبيق للتشريعات الإلهية بإنسجام ، وذلك هو دين الله الإسلام …… وأما هي إنفلات وسيبان ، وتلك هي الأنظمة الوضعية البشرية الفاقدة للتربية الإلهية والتهذيب الرباني ، من علمانية ومدنية على الطراز الحديث والموضة المعاصرة المتغيرة المتبدلة ، والليبرالية وأنواع الإشتراكيات والشيوعية ، والديمقراطية ، وما اليها من زركشات يافطات ، وتزيينات موضات ، وتزويقات تقليعات ، من هزال إفراز الذهن البشري المحدود المتكرر المتقوقع دورانآ على الذات ، والتفكير القاصر المجتر.
وغريزة حب الذات المنفلتة المتمردة هي أساس الشرور والسلوكات الإرهابية والإعتدائية والعدوانية وكل التصرفات اللا خلقية من خيانة وغدر ، وظلم وبلطجة ، وقتل وحرمان ، ونهب وسرقات ، ومحاصصات وحرمانات ، وإستئثارات وإستحواذات ، وإحتكارات ومنوعات ، وعزل وهجران ، وما الى ذلك من موبقات ونوازل شريرة ، وتصرفات جهنمية معتوهة مجنونة ، مخربة مدمرة ، شالعة قالعة ، قاتلة مميتة.