اليات الصراع بين أيدلوجية التقدم وايدلوجية التخلف
يرى وائل حلاق في كتابه الدولة المستحيلة ان أيدلوجية التقدم أو عقيدة التقدم لا مرجعية لها سوى نفسها ومركزية الحضارة الغربية التي تدعيها. فالحداثة قدمت نموذجا تقنيا أدى لتطور الاقتصاد وبعض الجوانب الحياة المادية لكن المفارقة في فرض انتقال هذا التطور الى كل جوانب الحياة الاخرى حيث اصبحت عقيدة التقدم هي المعيار للحضارة وللتطور البشري هذه واحدة من الإشكالات التي يقدمها حلاق بدراسة الحداثة واخطابها الكوني الذي تدعيه. فمفاهيم الدولة الحديثة والحضارة والسلطة والمواطنة والديمقراطية والعدالة والحرية والدين والأنسنة والرقمنه وغيرها من المفاهيم التي تحتكرها الحداثة ولا تقبل اي تفسير لها غير ما تقدمه من تاويل حيث تقدم لها مفهوم ثنائي القيمة احادي النظرة قد لا تعني الكثير من الشعوب بل تجعل من تلك الشعوب مستعبدة طائعة خاضعة للهيمنة بدلالة اللفظ وما تقدمه الحداثة.
في اخر محاضراته “النقد والانتقاد في مفهوم الحداثة” يرى الدكتور حلاق ان هنالك تضاد وربما تناقض بين الانتقاد والنقد فالاولى تهتم بالخارج ويمكن معالجتها ولايؤثر على الجوهر ويكون التغير طفيف والثانية تهتم بالداخل ولا يمكن معالجتها بل ينبغي العمل على المحو وبناء شيء جديد خارج ذلك الاطار ، لذلك علينا نقد الحداثة واعادة بنائها لا انتقادها كما قدم ادوارد سعيد في الاستشراق وغيره.
وهكذا يواصل حلاق نقده للحداثة التي بدأت منذ ديكارت وما قبله قليلا ويراها خطر على الانسان لانها نزعت منه قيمه ويوافق بذلك رأي المفكر طه عبد الرحمن في دعوته لاعادت اللباس الى العالم وستر عورته بعد ان ظهرت السدومية في مفهومه في كشف العورة والانحراف. ما يراه حلاق في إصلاح الحداثة هو العودة للقيم الاخلاقية الاسلامية ويوافق طه عبد الرحمن في فلسفته الاخلاقية مع اعتراضه عليه في تسليمه لاخلاق الواجب الكانتيه.
لكل امة ثقافة وقيم وان الحضارة الانسانية واحدة والتجارب الانسانية كونية لا حجر ولا أسوار على المعرفة الإنسانية ولا أمن بالأثنييه الرقمية التي تصف الحالة الانسانية بالدجيتل(واحد او صفر) فالحالة الانسانية لها القابلية ان تكون بكل الاعداد الطبيعية واكثر وايضا اوكد على ان المنهج الكيفي هو الدراسة الاكثر قربا لفهم الانسان وليس المنهج الكمي.
الحداثة بنيت على النقد وهي تتقوى به ولا فرق بالنقد او بالانتقاد حيث قدم فكر ما بعد الحداثة منذ سبعينات القرن الماضي الى يومنا هذا انتقادات وافكار لإصلاح الحداثة وما تقدمه مدرسة فرانكفورت النقدية في أجيال متعاقبة وكثير من المفكرين خارج هذه المدرسة هي محاولات لتصحيح مسار الحداثة ومواءمتها وهي في تصحيح دائم للنتائج المترتبة على عصر الحداثة للانتقال الى عصر ما بعد الحداثة.
اعتقد مناقشة الدكتور حلاق مهمة لربما تفتح افاقا جديدة وكون الدكتور حلاق مفكر أكاديمي من طراز مميز قرأ الحداثة وعاشها وقدم النقد في إصلاحها لكن حلول الدولة القيمية الاخلاقية التي يراها حلاق هي أشبه بالحلم بالمدينة الفاضلة. فلم نرى نموذج تاريخي للدولة الاخلاقية الفاضلة على طول التاريخ وعرضه غير ما انتهت اليه جمهورية افلاطون ببيع فيلسوفها عبدا في الاسواق. وكل الاعتراضات التي قدمها على المفاهيم الحداثية يمكن اعادة صياغتها وهي ايضا ثنائية القيم في مجتمع الشرق ويمكن اعادة بلورتها وصياغتها وفق ثقافة الشرق او اي أمة اخرى ويمكن تحديد سقفها ضمن البنية الثقافية الاجتماعية وحسب قيم كل مجتمع وبناه ، فلا فرض ولا استسلام لامة ترى ان حريتها وكرامتها بالالتزام وبالحرية المنضبطة.
المشكلة ان مجتمعنا مصاب بداء الاثنينية والذي هو اما الحرية الغربية او ضدها القمع والكبت وعندما تريد تعريف للحرية يقول لك هي الانحلال والانحراف ويعطي مثلا ناقصا ثم ينتقل الى حكم كلي تكون نتيجته القهر والاستبداد.
الحداثة قدمت حلا لدين الكنيسة في القرون الوسطى هو تحيده وجعله مسالة شخصية وهذا الحل لا يتلائم مع مجتمعنا فالدين الإسلامي لازال فاعلا ومؤثرا لكن محنته مع الايدلوجية التي توظفه في دغومائية امتلاك الحقيقة ولا تقدم حلا لبناء دولة حديثة تكون منافسا حضاريا لان الكثير من الحواضر الاسلامية لاتؤمن بهذه المفاهيم ولا تقدم لها حلا او روية فلسفية اسلامية. ان لجوء الدكتور حلاق للتراث هو هروب الى الخلف وعجز عن تقديم بديل اسلامي حضاري يكون حلا ناجعا لامة عانت وما زالت تعاني من القهر والاستبداد والتخلف.