صادق الطائي –
ضيفت مؤسسة الحوار الانساني بلندن يوم الاربعاء 21/10/2015 الدكتور خالد الشفي في محاضرة ثقافية سلط فيها الضوء على التعريف بوثيقة العراق التي كتبها كورقة بحثية ،وبين المباني والاسس الإنسانيه لهذه الورقة ،والدكتور خالد الشفي، استشاري أمراض الأحياء المجهرية ، حصل على درجتي الماجستير والدكتوراه في الطب من جامعة لندن،وهوعضو وزميل الكلية الملكية البريطانية عمل في عدة مستشفيات في المملكة المتحدة كما دَرس في عدد من جامعاتها ، كتب العديد من المقالات في الاختصاصات العلمية .
وقد ابتدأ الدكتور الشفي محاضرته بالتقدم بالشكر لمؤسسة الحوار الانساني بلندن والقائمين عليها لأتاحتها الفرصة له لتقديم رؤياه حول امكانية بناء الدولة المدنية في العراق وتبيان الاسس والمباديء التي تقوم عليها مثل هذه الدول، قائلا ؛ قال تعالى في محكم كتابه (وما ارسلناك الا رحمة للعالمين) كما قال جل من قائل ( وادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) ومن اياته في التنزيل الحكيم (وجادلهم بالتي هي احسن) في تأكيد رب العزة على تعليمنا الحوار وثقافة الاختلاف للوصول الى افضل النتائج ،كما قال الامام علي (ع) (الناس اما اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق) في تبيان القيم الانسانية في بناء المجتمعات ،وكل ذلك انما يمثل تراثا انسانيا لكل البشرية قبل ان يكون مجرد طقوس دينية ،وقد قال خير البشر الرسول الكريم (ص) ( ولو اتبع الحق أهوائهم لفسدت السموات والأرض).
الدولة المدنية
ثم تناول د.خالد الشفي مفهوم الدولة العراقية المدنية وما يعنيه بـ (وثيقة العراق) ومقوماتها وكيفية المحافظة على ثرواتها الطبيعية ذاكرا ؛في خضم الصراع الدولي والاقليمي لابد للعراقيين ان تتوحد اهدافهم وكلمتهم من اجل الحفاظ على حاضرهم ومستقبل ابناءهم والأجيال التي سوف تأتي من بعدهم من التشتت والانقراض التدريجي.ولاشك في كون الاتحاد قوة لكنه بحاجة الى تعريف وتحديد بغية الاتفاق والاتحاد عليه ، وجعله ميثاقا عمليا سهل الفهم والتطبيق والمراقبة والمتابعة ، بغية اخراج البلد من دوامة الجهل والدجل وكل الكوارث التي تنتج عن الأساليب والحيل المتبعة في الاستغفال والاستعباد والاستهانة بحقوق ومصير الناس. ثم ذكر ان الغايه والهدف من الوثيقة التي يقترحها هو بناء دولة مستقله ذات كرامة، دولة مدنية بما تعارف عليه الناس خصوصا دول أوربا الغربية وليست الدولة الأفلاطونية او الاسلامية او العقائدية …وليست دولة النخبة او دولة الحزب او الجماعة او الصفوة…او الحاشية او العائلة ..،وبين ان تراكم الخبرات البشرية قد اتضحت لنا ، وان الحالة الانسانية التي دعت اليها الأديان السماوية وحركات التحرر العالمية وعمليات النهوض بالواقع الاجتماعي والمعيشي وكيفية ترجمتها على الواقع باتت معروفة ومطروحة كمشاريع عمل لمن يريد ان يستثمر خطوطها العامة لبناء الدول الحديثة.
ما هو هدف الوثيقة ومن المسؤول عن تطبيقها؟
انتقل د. الشفي الى تبيان الهدف من هذه الوثيقة قائلا؛ ان الغرض من هذه الوثيقة هو التوعية الجماهيرية للحقوق الفردية والمجتمعية ، وبالتالي امكانية بناء الدولة التي تجمعهم على أسس من الحقوق والواجبات وتفهم المسؤوليات من اجل البناء والاداء الحسن والتطور والانتماء والمحافظة عليه بالمتابعة والمحاسبة…الخ، لكي يكون الوطن ملكا لعامة الناس وليس للخاصة فقط، والمعرفة المسبقة بما يجري وما سيجري وما يجب ان يكون..وبالتحديد ما هي صورة هذه الدولة التي تنادي بها كل القوى المخلصة؟ وهل بالإمكان تحقيقها على ارض الواقع؟
ثم عرف د.خالد الشفي الدولة بالقول ؛ الدولة وكما بات معروفا من الادبيات السياسية والقانونية هي عبارة عن عقد اجتماعي ونظام سياسي لمجموعة من الناس ( السكان) ، وهذا العقد الاجتماعي نتاج كل الأفعال الفردية التي لها مردود وأثر فردي وأثر اجتماعي مبني على المعتقدات والتجارب وكل العلوم والمعارف المكتسبه،ثم تسائل ؛من يقوم بتنفيذ هذه الوثيقة؟ ومن يقود تطبيق هذه الوثيقة؟
وأجاب ؛هي واجب عيني وليس كفائي على كل فرد ، ولكنها وبشكل خاص واجب الطبقه الوسطى المثقفة (كل المثقفين والمتعلمين) ،فهي المعنية بأخذ زمام المبادرة في قيادة ومراعاة التطبيق والمتابعة ، وان تكون هي المرجعيه في هذا المضمار .لماذا؟ كي نبعد المزايدين و المنافقين والانتهازيين الجهلاء والدجالين من تلويث هذا العمل العام، اي في العرف الحالي هو عمل الوزارات والدوائر الرسمية وشبه الرسمية والأهلية .ثم تسائل ؛ماهي المباني لهذه الاطروحة ؟وكيف تتحقق؟وماهي القواعد والآليات لديمومتها والحفاظ عليها؟
واقترح د. الشفي ؛ان وثيقة العراق عبارة عن مجموعة حقوق ،وكل حق هو مسؤولية بذاته ويحتوي على قانون ينظمه ، وهي ليست شعارات إنما هي عقد اجتماعي اي عقد عمل.(ميثاق نرتبط به ونتعاقد ونتعاهد عليه) خاضع للمراجعة الدورية يضمن الموازنة بين الحق العام والحق الخاص من اجل ضمان أمن وسعادة الجميع ، مثلا عندما يقتل شخص او يتضرر، هناك تعويض او دية الفرد ولكن هناك حق عام خارج عن مساحة الفرد ليضمن تماسك ووحدة المجتمع والدولة.
ثم انتقل لتناول و مناقشة بنود (وثيقة العراق) المقترحة ،ذاكر:
١-البند الاول: تحديد المفاهيم
حق الهويه الوطنية وحرية الاعتقاد ،وهذا الحق هو اهم الحقوق واهم المسؤوليات في آن واحد، لان كل شيء مرتبط بمستوى الاندفاع والإدراك الفردي والحالة المعنوية ..وهو الركيزة الاساسية للأمل في البناء والتطور،فضلا عن الدفاع والعيش بكرامة، اذ لايمكن ان ان نحافظ على الحقوق والمسؤوليات الاخرى اذا كان الفرد ضعيف الإرادة خاويا من دافع الأمل والانجاز والابداع ،فاذا مات الفرد ماتت الأمة، وهلكت الدولة وأصبحت دولة فاشلة ،اي توطن الفشل فيها ،ودخل الجهل والدجل ،لان المجتمع حينئذ سيصبح اتكاليا ،مستوردا ،غير قادرعن دفع الاذى عن نفسه…وسيكون فريسة للمجاعات والحروب والفقر، وهي النتيجة الطبيعية لهذا الانحطاط الفردي، وعندها تبرز كل انواع الاستهتار والاستعباد التي تمنع حتى مجرد الإشارة الى التفكير الصحيح ،بل تنمو ايضا كل انواع الترغيب والتجويع والترهيب لتطويع الناس ، وكسر الإرادة الانسانية فيهم ،حتى يكون الناس عجينة سهلة التشكيل لأي ديكتاتور او متسلط يحكمهم، وقد قال تعالى في محكم كتابه (لايغير الله مابقوم حتى يغيروا مابأنفسهم).
ماهي مواصفات الانسان عديم الهوية (الهويه الوطنية)
وصف د. خالد الشفي الانسان عندما يفقد هويته الوطنية بانه سيكون خائن ،عابث، خامل، لايحب التطور،اناني، انتهازي ،منافق ،يحب التبعية ،اي انه غير مؤهل لبناء الدولة والحفاظ عليها ،وقد يكون فقيرا او غنيا ولكنه غير وطني ،وهنا لابد من الاشارة الى ان لاتعارض بين الهوية الوطنية والقيم السماوية والإنسانية ،بل انها تتطابق معها في دفع الاذى عن المواطن والوطن والدفاع عن الوطن وثرواته ،وهو ماجاءت به الآيات السماويه ، وهنا لابد من الإشارة الى عوامل تشتيت الهويه الوطنية :
ا- العوامل الخارجية : وهي المؤامرات والطبخات السياسية من قبل الدول المستكبرة والطامعة بخيرات البلد.
٢- العوامل الداخليه : وتتمثل بالشعور بالاحباط و تكرر الفشل وشيوع الروح الانهزامية.
وتسائل د.خالد الشفي ؛ إذن كيف نقوي هذه الهويه الوطنية ؟ وذكر ذلك في نقاط هي:
بالثقافة والتأكيدعلى العامل السلوكي والتطبيقي.
الحفاظ على المال العام وتطويره.
الحفاظ على النفس الانسانية وتطويرها وصيانة كرامتها.
نشر الفكر الجامع.
منع الأفكار التي تفرق المجتمع ،وامامنا مثال حي ، فقبل فترة منعت وزيرة الداخلية في بريطانيا (وهي من الدول العريقة في مجال الديمقراطيات وحقوق الانسان) كل انواع بث الكراهية في المجتمع، واعتبر القانون البريطاني ذلك جريمة بحق المجتمع مثل الطائفية والعرقية والمناطقية .
الموضوعية في الحوار:ولنا في قول الامام علي(ع) اسوة حسنة حيث قال (انظر الى ماذا قال وليس من قال) ، وقال تعالى (كُنتُم خير أمة للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر).
-استخدام الوسائل التالية في جمع الأمة وتقويتها؛
• النشيد الوطني والعلم الوطني وكافة الرموز الجامعة.
• التأكيد على دور الأدب والفن وما يلعبانه في خلق الهوية الوطنية .
• السينما والمسرح
• الإذاعة والتلفزيون
• التواصل الالكتروني
والعكس هو الالتفاف على على هذه الهوية في كل الادوات السابقة، وعلى كل الإعمار،وفي كل مجالات الحياة من حقوق ومسؤوليات ،قال تعالى (الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شىء).
كيف نقيس الهوية الوطنية؟
وهنا تسائل د.خالد الشفي ؛كيف يمكن قياس الهوية الوطنية ؟ فوضح ان ذلك يتم عن طريق البحث عن الأثر في :
• الإخلاص في العمل.
• التعاون .
• العطاء.
• نكران الذات.
• التطور والبحث العلمي.
والنتيجة ستكون بحسب رؤيته هي ؛مجتمع ناجح ،ودولة ناجحة غير فاشلة ، أفرادها عزيزون بين الامم وحتى جواز سفرهم يبعث على الاحترام.إذن ماهي هويتنا؟
الهوية العراقية
يؤكد د.خالد الشفي ،يجب التركيز في كل تفصيلة من تفاصيل حياتنا على الهوية العراقية الجامعة وليست الهوية التبعية او الطائفية او العرقية، ومن هنا يسهل تثبيت حق الفرد وفرض مساحة لذلك وهذا الحق يثبت انتماء الفرد الى وطنه وبيئته ويعمق مسوؤليته الاجتماعية تجاه وطنه، اي ان سكان العراق هم عراقيون بلا تمايز عرقي او طائفي او مذهبي او ديني ،وهذا لايمنع من ان لهم حق الاعتزاز بأصولهم ومعتقداتهم والتعبير عنها بشكل سلمي وحضاري بحيث ان هذا التعبير لا يسيء الى وحدة الشعب والوطن، ويجب ان يؤمن الكل باننا في سفينة واحدة اسمها الوطن ننجو بها وتنجو بِنَا.
٢-البند الثاني :الحقوق
ويمكن ذكر ما يلي في هذا الجانب :
• حق التعليم والتدريب والتاهيل : وهو امر واضح، فكل أفراد المجتمع العراقي لهم حق التعلم والتدريب ليكون الفرد نافعا غير مهمشا ،حتى و ان كان معوقا بدنيا ، لان هذا الامر سيعزز من قدرته على العطاء والبناء .
• حق الصحة: صحة البدن وصحة النفس ،فالعقل السليم في الجسم السليم وهذا مرتبط في نتائجه بالبند الاول.
• حق الأمن في الوطن : وهذا يشمل الأمن الداخلي للممتلكات، والحفاظ على حياة المواطنين وأعراضهم ومقتنياتهم ، كذلك الدفاع عن حدود الوطن وصد كيد الطامعين في ثرواته واراضيه.
• حق الاتصال والمواصلات : لحفظ وتطوير الأفراد وكذلك الموارد والطاقات ونقلها وتدويرها في البلد.
• حق الاسرة والحفاظ عليها ،ومنها حقوق الأطفال والامهات والنساء.
• الضمان الاجتماعي للفرد والاسرة وهذا واضح لايحتاج الى تعريف.
اما الحقوق العامة فهي؛
• حقوق المجتمع والوطن المباشرة في تثبيت وتحقيق كل ما من شأنه ان يرسخ استقلال البلاد والابتعاد تدريجيا عن عوامل الابتزاز والتبعية والهيمنة من قبل الدول الخارجية بكل اشكالها العرقيه او الدينيه او المذهبيه.
• حق الرأي العام ، وتنميته والحفاظ على استقلاله كسلطة رابعة ممثلا بالصحافة والإذاعة والتلفزيون وكل انواع التواصل الاجتماعي حتى لانكون ضحية للإشاعات. قال تعالى؛ (يا أيها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنبا فتبينوا) ، للأسف أصبحنا نوزع ما تبيعه وكالات الأنباء العالميه من سموم ثقافية..وظهرت طبقة من المظللين ( المحللين ) علاوة على القنوات الفوضوية او الفضائية !!
• حق الانتخاب وإيجاد مناخ طيب للممارسة الحزبية والسياسه بشكل نزيه بحيث يضمن التداول السلمي للسلطه وفق قانون واضح للأحزاب والنقابات المهنيه،علما ان الحزب ليس هوية إنما وسيلة لخدمة المجتمع،وان الأحزاب هي القنوات الاساسية لخدمة المواطنين في النظام السياسي الناجح وليست مهمة الأحزاب التحشيد العنصري او الطائفي او تكريس السلطة ( حزب السلطة).
• تحديد المعايير لكل من السلطة القضائية والتشريعية والتنفيذية والفصل بين السلطات الثلاث.
• الإخلاص في العمل بكل اشكاله والمحاسبه على الاهمال بكل طرقه في كل مرافق الدوله.
• حق بناء علاقات خارجية مع كافة الدول على أسس الاحترام المتبادل للسيادة والكرامة والابتعاد عن التبعيه الخارجية والمعاهدات المذلة.
وقد فتح باب التعليق والاستفسار والمداخلة لمناقشة ورقة الدكتور خالد الشفي امام الحضور الذين اغنوا بمناقشاتهم وملاحظاتهم افكار وطروحات الضيف.