استضافت مؤسسة الحوار الانساني بلندن الاستاذة نازنين أسود في امسية ثقافية على منصة زووم يوم الاربعاء 10 تشرين الثاني/نوفمبر 2021 وتحدثت عن العلاج النفسي السلوكي وآفاق تطوره.
نازنين أسود : قائدة فريق علاجات نفسية في مركز الرعاية الأولية والعلاجات النفسية في واندسوورث وتمتلك خبرة طويلة في هذا المجال. وقد عملت كمعالجة في هيئة الصحة البريطانية منذ عام 2004 وتدربت على العلاج السلوكي المعرفي، والعلاج السلوكي للازواج، وعلم النفس الإرشادي. علما إن مجال تخصص نازانين أسود هو اضطراب ما بعد الصدمة المعقد مثل الصدمات المتطورة والعنف المنزلي.
الأهداف:
المحاور التي تمت مناقشتها في هذه الامسية يمكن ايجازها بما يلي:
- تعريفات الصحة النفسية؟
- حالات اعتلال الصحة النفسية الشائعة.
- عوامل الخطر في حالات اعتلال الصحة النفسية.
- تأثير جائحة كوفيد 19 على الاعتلال النفسي
العلاج
يمكننا القول إن السؤال الاساس في هذه الامسية هو : ما هي الصحة النفسية؟ تشير تعريفات الصحة النفسية إلى إنها الرفاهية المعرفية والسلوكية والعاطفية. كما يتعلق الأمر بكيفية تفكير الناس وشعورهم وتصرفهم. و بحسب تعريف منظمة الصحة العالمية (WHO) فأن الصحة النفسية هي؛ ” حالة من الرفاه، يدرك فيها الفرد قدراته الخاصة، ويمكنه التعامل مع ضغوط الحياة العادية، ويمكنه العمل بشكل منتج، ويكون قادرًا على المساهمة في مجتمعه”. و يمكن أن تساهم مجموعة من العوامل المؤثرة في حياة الناس والصلات الشخصية والعوامل الجسدية في اضطرابات الصحة النفسية. ويمكننا القول إن شخصا واحدا من كل اربعة أشخاص يعاني من مشكلة صحية نفسية من نوع ما كل عام في المملكة المتحدة. ويمكن أن تؤثر الصحة النفسية على الحياة اليومية للفرد وعلى علاقاته الاجتماعية وعلى صحته الجسدية.
عوامل الخطر لحالات الصحة النفسية
كل شخص معرض لخطر الإصابة باضطراب في الصحة النفسية، بغض النظر عن العمر أو الجنس أو الدخل أو العرق. إن الظروف الاجتماعية والمالية والمهنية والمشاركة الاجتماعية والتعليم ونوعية الإسكان لها تأثير كبير في احتمالية اعتلال الصحة النفسية.
كذلك العوامل البيولوجية يمكن ان تكون اسبابا للاعتلالات النفسية، إذ يمكن للتاريخ العائلي الجيني أن يزيد من احتمالية الإصابة بأمراض نفسية ما، لكننا لا نستطيع الجزم بصحة تأثير الوراثة فقط على حالة الصحة النفسية للفرد. وقد تتطور حالات اعتلال الصحة النفسية مثل التوتر والاكتئاب والقلق بسبب مشاكل الصحة البدنية، وخصوصا في حالة الاصابة بالامراض المزمنة مثل السرطان والسكري وارتفاع ضغط الدم وحالات الألم المزمن.
حالات اعتلال الصحة النفسية الشائعة
- اضطرابات القلق: وهو حالة الخوف أو القلق الشديد، الذي يتعلق بأشياء أو مواقف معينة. إذ يحاول معظم الأشخاص الذين يعانون من اضطراب القلق تجنب التعرض لأي شيء يثير قلقهم، وقد يعاني الأشخاص أيضًا من أعراض جسدية، بما في ذلك الأرق ، والتعب، وتوتر العضلات، والنوم المتقطع.
- اضطرابات الهلع: يعاني الأشخاص المصابين باضطراب الهلع من نوبات هلع منتظمة، والتي تتضمن رعبًا مفاجئًا ساحقًا أو شعورًا بكارثة وشيكة مثل خطر الموت.
- الرهاب: قد ينطوي على خوف غير متناسب مع بعض الأشياء مثل الخيالات أو حيوانات معينة. مثل الخوف من العناكب او الصرصار او ابو بريص، او الخوف من الحقنة الطبية.
- الرهاب الاجتماعي: ويُعرف أحيانًا باسم القلق الاجتماعي، وهو الخوف من التعرض لحكم الآخرين. وغالبًا ما يقيد الأشخاص المصابون بالرهاب الاجتماعي تعرضهم للبيئات الاجتماعية والاختلاط مع الاصدقاء.
- رهاب الخلاء: يشير هذا المصطلح إلى الخوف من المواقف التي قد يكون الهروب فيها صعبًا، كذلك قد يشمل رهاب الاماكن الضيقة مثل التواجد في مصعد أو قطار متحرك. وكثير من الناس يسيئون فهم هذا الرهاب ويعتقدون أنه خوف من التواجد في الخارج فقط.
- الوسواس القهري (OCD) : إذ يعاني الأشخاص المصابون بالوسواس القهري من وساوس وأفعال قهرية. وبعبارة أخرى ، فإنهم يعانون من أفكار مستمرة ومرهقة، وحث قوي على القيام بأعمال متكررة ، مثل غسل اليدين والافراط في اجراءات النظافة والتعقيم بشكل مرضي.
- اضطراب ما بعد الصدمة(PTSD) : يمكن أن يحدث اضطراب ما بعد الصدمة بعد تعرض الشخص لحدث مرهق أو صادم، ويعتقد الشخص أن حياته أو حياة الآخرين في خطر كبير نتيجة ذلك. قد يشعر المصاب باضطراب ما بعد الصدمة بالخوف أو أنه ليس لديه سيطرة على ما يحدث، وقد تساهم الأحاسيس بالصدمة والخوف في الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة.
اضطرابات المزاج
- يعاني الأشخاص المصابون بهذه الحالات من تغيرات كبيرة في الحالة المزاجية، والتي تتضمن عمومًا إما الهوس، وهي فترة من الطاقة العالية والغبطة، أو الاكتئاب. من أمثلة اضطرابات المزاج ما يلي:
- الاكتئاب الشديد: إذ يعاني الفرد من مزاج متدني مستمر ويفقد الاهتمام بالأنشطة والأحداث التي كان يتمتع بها سابقًا، ويمكن أن يشعر بفترات طويلة من الحزن أو الحزن الشديد.
- 2) الاضطراب ثنائي القطب: يعاني الشخص من تغيرات غير عادية في مزاجه، ومستويات الطاقة، ومستويات النشاط، والقدرة على الاستمرار في الحياة اليومية. تُعرف فترات المزاج المرتفع بمراحل الهوس ، بينما تؤدي مراحل الاكتئاب إلى تدني الحالة المزاجية.
- الاضطراب العاطفي الموسمي (SAD) : قد يحدث هذا النوع من اضطراب المزاج نتيجة قلة ضوء النهار خلال فصل الشتاء وأوائل أشهر الربيع، وإن هذا التغير البيئي قد يؤدي إلى حدوث هذا النوع من الاكتئاب، وهذا الاضطراب يكون أكثر شيوعًا في البلدان الباردة البعيدة عن خط الاستواء.
حالات اضطراب الصحة النفسية الحادة
المرض النفسي :هو نمط سلوكي أو عقلي يسبب ضائقة كبيرة أو ضعفًا في الأداء الشخصي. قد تكون هذه الاعراض مستمرة ، أو قد تحدث على شكل نوبات من الاضطرابات الحادة ويشمل ذلك:
- الذهان مثل:الاضطراب الوجداني ثنائي القطب، اضطراب الهوس الاكتئابي.
- اضطراب الشخصية مثل: اضطرابات الأكل.
- جنون العظمة
- إضطرابات فصام الشخصية
- الخرف
- اضطرابات النمو العصبي
- اضطراب التوحد
- الإعاقة الذهنية
البوادر والعلامات المبكرة لاضطراب الصحة النفسية
العلامات المحتملة لاضطراب الصحة النفسية يمكن ايجازها في بعض النقاط مثل:
- الانسحاب من الأصدقاء والعائلة والزملاء
- تجنب الأنشطة التي كان الفرد يستمتع بها عادة
- كثرة النوم أو قلة النوم
- اضطراب الأكل سواء الاكثرار او الاقلال من الطعام
- الشعور باليأس
- الشعور بطاقة منخفضة باستمرار
- استخدام المواد التي تغير المزاج ، مثل الكحول والنيكوتين والمخدرات بشكل متكرر
- إظهار المشاعر السلبية
- الخلط
- عدم القدرة على إتمام المهام اليومية مثل الذهاب إلى العمل أو طهي وجبة
- وجود أفكار أو ذكريات مستمرة تعود للظهور بانتظام
العلاج والتعامل مع الاضطرابات النفسية
العلاج النفسي أو العلاج بالكلام: يتخذ هذا النوع من العلاج مقاربة نفسية لعلاج الأمراض العقلية، ويشمل ذلك العلاج السلوكي المعرفي (CBT) ، العلاج بالتعرض (ET) ، والعلاج السلوكي الجدلي (DBT) العلاج النفسي الشخصي (IPT) إزالة حساسية حركة العين (EMDR) . إن الاستشارة الطبية المبكرة مهمة جدا ويمكن أن تساعد الناس على فهم جذور مرضهم النفسي والبدء في العمل على أنماط تفكير صحية تدعم الحياة اليومية وتقلل من مخاطر العزلة وإيذاء النفس.
الدواء: يتناول بعض الأشخاص الأدوية الموصوفة لهم، مثل مضادات الاكتئاب ومضادات الذهان والأدوية المزيلة للقلق. وتعمل بعض هذه الأدوية على زيادة امتصاص الجسم للمواد الكيميائية التي تساعد على الشعور بالسعادة، مثل السيروتونين، كما تعمل بعض الأدوية الأخرى إما على زيادة المستويات الإجمالية لهذه المواد الكيميائية أو منع تدهورها أو تدميرها في الدماغ.
الصحة النفسية في العراق
أحب أن اشير الى رسالة وصلتني من ممثل منظمة الصحة العالمية في العراق الدكتور أدهم إسماعيل في اليوم العالمي للصحة النفسية في 10 أكتوبر / تشرين الأول 2020. والتي ذكر فيها: “إن العراق، في المتوسط ، ينفق 2٪ فقط من ميزانيته الصحية على الصحة النفسية. وفي المتوسط ، يدفع الناس في العراق ما لا يقل عن 20٪ من جيوبهم لتكلفة خدمات الصحة النفسية،على الرغم من أن الحكومة والشركاء الدوليين قد طوروا إستراتيجية وخطط وطنية للصحة النفسية، إلا أن معظم الناس لا يتمتعون بإمكانية الوصول إلى خدمات الصحة النفسية الجيدة”.
أما عن تأثير جائحة كوفيد 19 على الصحة النفسية في العراق، فقد تحدثت عدة تقارير طبية عن تفاقم القلق والاكتئاب والعنف المنزلي وحالات الانتحار أثناء ازمة وباء كوفيد 19، وقد شمل ذلك الفئات العمرية الصغيرة مثل الشباب والمراهقين. وتشير التقديرات العالمية إلى أن حجم العاملين في قطاع الصحة النفسية في العراق هم 9 لكل 100 ألف شخص، وهذا الرقم أقل بكثير من المتوسط العالمي. ومن بين هذه القوى العاملة ، نجد ثلث العاملين هم من غير المؤهلين مهنيا، مما يعني أن هناك نقصًا حادًا في الأطباء النفسيين وعلماء النفس.
الصحة النفسية ما بعد الحرب وفي زمن جائحة كورونا
ذكرتقرير صادر عن منظمة أطباء بلا حدود(MSF) في اليوم العالمي للصحة العقلية ، في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2020. ما يلي:
قبل انتشار الوباء، عانى المرضى من صدمات نفسية نتيجة تدمير ممتلكاتهم أو فقدها، واعتقال أفراد عائلاتهم أو احتجازهم أو إخفاؤهم قسراً. وقد تسببت هذه المشكلات في معاناة طويلة الأمد، بما في ذلك الاكتئاب والعنف المنزلي والآلام النفسية الجسدية. حاليًا، أكثر حالات اعتلال الصحة العقلية شيوعًا بين المرضى هي القلق والاكتئاب. وفي هذا العام ، ارتفعت مستويات القلق بين المرضى من 45٪ إلى 68٪ والاكتئاب من 10٪ إلى 20٪.
ولتوضيح حالة الصحة النفسية في العراق وارتباط ذلك بالقلق نتيجة جائحة بـ كوفيد 19 اشير الى احدى الدراسات الطبية التي اجراها بعض الاخصائيين في العراق وهي دراسة على عينة بحث نشرت نتائجها عبر الإنترنت عام 2020، وقد ورد فيها:
- من بين 1591 مستجيباً عراقياً ، 788 (49.5٪) اعتبروهم قلقين صحيين من الوضع الحالي نتيجة البقاء في المنزل.
- شهدت الأعمار الصغيرة مزيدًا من القلق الصحي المرتبط بـ كوفيد 19 مقارنة بالأعمار الأكبر. وقد أبلغت الإناث عن قلق صحي أعلى مقارنة بالذكور (57.7٪ مقابل 42.3٪).
- أبلغ أخصائيو الرعاية الصحية عن قلق صحي بنسبة 20.9٪.
- أظهر سكان جنوب العراق قلقًا صحيًا أكبر مقارنةً بالمناطق الشمالية والوسطى.
- أظهر هذا العمل أن حوالي نصف المستجيبين كانوا يقضون أكثر من 60 دقيقة في التركيز على أخبار كوفيد 19 يوميا.
- وجد إن 80 إلى 90٪ يقومون بجهود وقائية وحجر منزلي ضد عدوى كوفيد 19.
- من المثير للاهتمام، أن 70.1٪ من العينة من المشاركين في الدراسة قد عانوا من الخوف من خطر الإصابة بعدوى كوفيد 19، ومستوى هذا القلق كان أكثر أو يساوي مستوى الخوف من الحرب.