صادق الطائي –
استضافت مؤسسة الحوار الانساني بلندن الاستاذ الدكتور جعفر هادي حسن يوم الاربعاء 18 – 3-2015 في امسية ثقافية بعنوان (الحركة النسوية اليهودية ؛ نشوئها ،تطورها وتأثيراتها) وقد يتناول فيها ظهور الحركة النسوية اليهودية في الولايات المتحدة الأمريكية في منتصف القرن العشرين، وناقش أسباب ظهور الحركة وتطورها وتأثيرها في العصر الحاضر.والدكتور جعفر هادي حسن
باحث وأستاذ جامعي عراقي، مختص بالدراسات اليهودية واللغات السامية ، درس في عدد من الجامعات العربية والغربية، وله عدد من الكتب والدراسات في حقل الدراسات اليهودية باللغتين العربية والإنجليزية.
وقد اشار الدكتور جعفر هادي حسن في بداية محاضرته الى ان الحركة النسوية اليهودية موضوع فريد من نوعه وقلما تم التطرق له اوبحثه من قبل الدارسين ، والذي دفع الدكتور جعفر لاقامة محاضرة عنه انه كتب فصلا عن بعض القيادات النسوية في كتاب شخصيات يهودية ، مما حدى ببعض الجامعات خارج بريطانيا ان طلبوا ترجمته وتقديمه كبحث مستقل عن الحركة النسوية .واشار الى انه يشتغل اليوم على الموضوع ككتاب يتمنى ان ينجز هذا العام ، كما انه مشغول بانجاز مشروع اخر ككتاب عن القبائل اليهودية الضائعة والمشروع الصهيوني.
وبالعودة الى موضوع المحاضرة عن (الحركة لنسوية اليهودية ) اشار المحاضر الى انها نشأت في ستينيات القرن العشرين في الولايات المتحدة ، وقد ظهرت في البدء كردة فعل على اليهودية التقليدية وعلى تسلط الحاخامية على المجتمع اليهودي ، اذ يمكننا ان نلاحظ ان الدين اليهودي والحاخامات القائمين عليه يعاملون المرأة بطريقة سيئة جدا ، وان اضطهاد المرأة في الاحكام الدينية اليهودية بين واضح في كل تفاصيل الحياة الدينية والدنيوية وقد وصف رجال الدين المرأة باقبح الاوصاف ؛وعلى سبيل المثال لا الحصر فاننا نجد ان التلمود يصف المرأة بانها كيس قذارة ، كما ان الدين اليهودي يؤكد على حرمان المرأة من التعليم وقد عاشت المرأة اليهودية على مدى قرابة 2000 عام امية لا تقرأ ولا تكتب لان رجال الدين قالوا ان التوراة تأمر بتعليم الفرائض لابناء اسرائيل لذلك فالنساء غير مشمولات بتعليم الفرائض ، وهذه الظاهرة حزت في نفس النساء كما هو الحال في حرمانهن من اداء الطقوس الدينية التي تشعرهن بوجودهن في المجتمع مما دفعهن الى الثورة اخيرا .
كما بين الدكتور جعفر هادي حسن ان الدين اليهودي لايسمح للمرأة بالصلاة كما ان اكثر الاوامر التي تعرف بالاوامر الايجابية تكون المرأة غير مشمولة بها ، اما اوامر النهي فان الكل رجالا ونساءا مشمولين بها، كما ان المرة اذا حضرت طقسا فانها لاتعد مثال ذلك ضمن صلاة الجماعة التي تستوجب حضور عشرة اشخاص على الاقل ، فاذا كان من بين الحضور نساءا فانهن لا يعدن ضمن العدد المطلوب لاقامة صلاة الجماعة ، كما ان اليهودي في صلاة الصبح يقول ( الحمد لله الذي لم يخلقني اميا ( اي من الامم الاخرى غير بني اسرائيل ) او عبد او امرأة ، كل تلك المعاملات للمرأة كانت تشعرها بالدونية في المجتمع اليهودي.
وتجدر الاشارة بحسب د.جعفر هادي حسن الى ان كل الذين كتبوا الادب الديني اليهودي هم من الرجال لذلك نحن نشاهد انعكاس قيم الذكورة في الدين اليهودي بشكل مبالغ فيه يقابلها انتقاص وتهجم على قيم الانوثة ، وهنا طرح المحاضر سؤاله المركزي وهو: لماذا ثارت المرأة اليهودية في هذا الوقت بالذات ؟ اي لماذا صبرت وتحملت مئات السنين ولم تتحرك الا في منتصف القرن العشرين ؟
والجواب على ذلك قد يأتي من معرفة صرامة التعاليم الدينية اليهودية عبر اجراء عرف بالحرمان ، فكل يهودي يمس مقدسات الدين يحرم او يطرد من الملة ، والحرمان او الطرد ليس امرا دينيا فقط انما له انعكاسات خطيرة على حياة المطرود ، فالمعروف ان اليهود يعيشون في مجتمعات مغلقة في مدن العالم عرفت بالـ (غيتو) وهو الحي اليهودي المغلق عليهم ، ومن الصعب ان يتقبل المجتمع يهوديا خارج هذا الغيتو ، لذلك نحن نلاحظ ما تعرض له عدد من اليهود الذين تعرضوا للحرمان مثل الفيلسوف الهولندي ( سبينوزا) الذي تجرأ ومس في مناقشاته وطروحاته الفلسفية ثوابت الدين اليهودي ، لذلك كانت المرأة اليهودية تخاف وترعب من ان تعترض على النواهي الدينية خوفا من الحرمان والطرد من الملة .
ونحن نعرف سطوة المؤسسة الدينية وتأثيرها في اسرائيل ، لذلك لم يكن من الممكن في هذا الجو المتشدد ان تظهر حركات رافضة او حتى تحاول نقاش التقاليد الدينية ، لكن الامر لم يكن على هذا الحال في الولايات المتحدة منذ بدايات القرن العشرين عندما بدأت المرأة تنال حقوقها في المجتمع ككل ، حقوقها القانونية والاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية ، مما شجع النساء اليهوديات على التحرك في اتجاه الرفض من خلال ماسيعرف بالحركة النسوية اليهودية .
وللتعريف بمدى تشدد المؤسسة الدينية اليهودية في اسرائيل التي تدعي انها دولة علمانية يشير الدكتور جعفر هادي حسن الى ان المؤسسة الدينية في اسرائيل يرأسها حاخامان ( واحد شرقي واخر غربي) ورجال الدين المتشددين يمسكون بزمام المؤسسة الدينية وتأثيراتها على الحياة اليومية اذ ان هنالك المئات من المدارس الدينية التي تخرج الاف رجال الدين الذين بتوزعون على كل مدينة وكل حي في المدن حتى يكون هنالك رجل دين وهو المشرف الديني على حياة سكان هذا الحي ، والمعروف ان الزواج في اسرائيل زواجا دينيا ، فمن اراد ان يتزوج زوجا مدنيا فعليه التوجه الى قبرص والزواج هناك ثم تصديق وثائق الزواج في اسرائيل ، وبذلك اصبح هنالك تمييز عندما يسأل شخص ما هل انت متزوج زواجا قبرصيا ام اسرائليا بمعنى هل انت متزوج زواجا دينيا ام لا.
وبين المحاضر ان الموجة الاولى لتحرر المرأة كانت قد ابتدأت في بدايات القرن العشرين واستمرت في التطور حتى وصلت الى ( الحركة النسوية اليهودية ) في امريكا في الستينات ، حيث كان تأثير اللبرالية الامريكية واضحا جدا على التغيرات التي طرأت على المجتمع اليهودي الامريكي ، وقد تكونت في سبعينات القرن العشرين مجاميع نسائية لها معابدها الخاصة التي تقيم فيها النساء طقوسهن الدينية متخليات عن رجل الدين وسلطة الحاخام ، وقد عقد اول مؤتمر لهذا التجمع النسوي عام 1972 للفرقة المحافظة وقد اطلق شعار الحركة النسوية في هذا المؤتمر وهو (دعوة للتغيير) ، وقد طالبت النسوة في هذا المؤتمر ما اعتبرنه حقوقا اساسية لهن كأن يسمح للمرأة بان تكون حاخاما او امكانية ان يكون الطلاق بيدها ، وهذه الامور كانت قبل ذلك خطوطا حمراء لايمكن المساس بها والا كانت عقوبة من يقوم بذلك الحرمان .
بعد عشر سنوات على المؤتمر شهد المجتمع اليهودي حراكا كبيرا وابتدأ المجتمع يتقبل دخول المرأة لحقل الدراسات الدينية الذي كان محرما عليها وبذلك يمكنها ان تكون حاخاما وقاضيا شرعيا ( عدا فرقة الارثودوكس التي بقيت رافضة لهذا الامر ) ، كما تم ابتداع عدد من المناسبات الخاصة بالنساء لم تكن موجودة قبل ذلك ولم يكن يحتفل بها مثلا الاحتفال ببلوغ البنت سن الرشد وعندما تتزوج وعندما تلد وعندما تبلغ الخمسين ، كما صدرت عدة دواوين شعرية لشاعرات يهوديات تمجد المرأة اليهودية بعد ان كانت محتقرة في مجتمعها ، وهنا ابتدأ الصراع يضرب في اسس الديانة اليهودية ، اذ طرحت بعض الناشطات مفهوما هو ان من كتب التوراة من الحاخامات كانوا رجالا وبذلك جاء موقف التوراة معاديا للمرأة ، ولانصاف المرأة لابد من كتابة جديدة للادب الديني اليهودي تعاد فيه مكانة المرأة الحقيقية ، كما طرحت فكرة غياب المرأة عن التاريخ اليهودي الرسمي وهو امر غير معقول اذ لابد من وجود نساء مؤثرات لعبن ادوارا مهمة في تاريخ اليهود ويجب البحث عنهن وانصافهن بذكر تواريخهن ، وطرحت اشكاليات دينية لم تكن مطروحة من قبل مثل ؛ لماذا عوقبت مريم اخت موسى عقابا الهيا ؟ الم تنقذ اخاها من القتل على يد فرعون او الهلاك دون مرضعة ؟
كما اشار المحاضر الى نقطة اخرى خطيرة في تناوله موضوع الثوابت الدينية التي هاجمتها المنظمات النسوية الا وهي مسألة الشعب المختار التي تغوص عميقا في اللاوعي اليهودي والذي رفضته المنظمات النسوية وفق الفهم العصري للمجتمعات الانسانية وطرحن مفهوما مغايرا اذ قلن ان مفهوم الشعب المختار يعني انحيازالله الى بشر دون بشر وهم كلهم من خلقه مما يشكك في العدالة الالهية وهذا ما رفضته المنظمات النسوية اليهودية .
عندما انتقلت الحركة النسوية اليهودية من امريكا الى اسرائيل في سبعينات القرن العشرين تم مواجهتها بعنف وقسوة في المجتمع الاسرائيلي الذي استشعر خطر هذه الحركة ، وكان من ابرز شخصيات الحركة (شولايت الوني) التي كانت رئيسة الحزب واصبحت وزيرة في عهد رابين الذي تميز ببعض الانفتاح ، الا ان المؤسسة الدينية مع ذلك لم تقف مكتوفة الايدي وانما اصدرت بحق شولايت حرمانا دينيا وطردا من الملة على اثر كتابتها لمقال ينتقد الوضع الاسرائيلي والسياسة الصهونية التي تستخدمها الحكومة ضد شركاء الوطن من العرب .
كما ظهرت على هامش الحركة النسوية في اسرائيل حركة ما عرف بالمؤرخيين الجدد الذين ناقشوا التاريخ الحديث لاسرائيل القائم على اسطورة ان العرب باعوا اراضيهم او هربوا وتركوها لاصحاب الحق من اليهود ، واشاروا الى العمليات العسكرية التي كانت المنظمات الصهيونية تمارسها وتفرض ارهابها على السكان الاصليين للبلد.
وابتدأت الحركة النسوية اليهودية في اسرائيل تدافع عن حقوق المرأة الفلسطينية وهنالك اليوم عشرة منظمات نسائية اسرائيلية تنادي بحل الدولتين وباعطاء الفلسطينين حقوقهم لضمان العيش بسلام في المنطقة التي لن تشهد سلما الا بحل هذه المشاكل العالقة التي يخلقها التشدد ، وان المظاهرات النسائية الاسرائلية مشهودة اليوم وهن يحملن لافتات كتب عليه ( لا احتلال) او (دولتان) الا ان المتظاهرات كثيرا ما يتعرضن للاعتداء من قبل اليمينين الذين يصفون الناشطات النسويات بالزانيات او يطلقون عليهن لقب (عاهرات صدام حسين ) لان حركاتهن ظهرت في الثمانينات مع صعود نجم صدام وتهديده لامن اسرائيل بحسب البروبغاندا الاسرائلية .
وفي ختام المحاضرة اشار الدكتور جعفر هادي حسن الى تأثير هذه المنظمات على مستقبل اسرائيل وبالنتيجة مستقبل المنطقة ، كما اشار الى اهمية التعرف على هذه الحركات ودراستها في عالمنا العربي لكي نستطيع التعامل مع المتغيرات التي تحدث في عالمنا ونحن ومع الاسف مانزال قليلي اذا لم نقل عديمي الاهتمام بهذه المسألة ، وقد اثارت المحاضرة موجة من الاسئلة والمداخلات التي طرحها الضيوف وذلك لجدة الموضوع وحيويته ومحاولة التعرف على الكثير من خفاياه التي لا يعرفها اكثرنا.