استضافت مؤسسة الحوار الانساني بلندن د.علاء العاني يوم الاربعاء 26 ايلول/سبتمبر 2019 في أمسية ثقافية سلط فيها الضوء على حقبة التغييرات الجوهرية في العلوم والتكنولوجيا التي يشهدها العالم، والتي تعد الاضخم والاسرع والاكبر تأثيرا على اقتصاديات البلدان والحياة المستقبلية للبشر. كما غطى جوانب مختلفة من الثورة الصناعية الرابعة وآثارها على العالم ومنطقه الشرق الأوسط بشكل خاص.
الدكتور علاء العاني استشاري أقدم في مجال الهندسة الإلكترونية، حاصل على شهادة البكالوريوس في هندسة السيطرة والنظم، الجامعة التكنولوجية، بغداد وشهادة الدكتوراه من جامعة برونيل، المملكة المتحدة في مجال هندسة النظم الرقمية. عمل كزميل باحث في جامعة برونيل لمدة سنتين وهوعضو معهد الهندسة والتكنولوجيا البريطاني، ومهندس معتمد منذ عام ١٩٩٤، قام بنشر العديد من البحوث العلمية وحاصل على براءتي اختراع مسجلة في الولايات المتحدة الأمريكية. انتقل الدكتور علاء العاني للعمل في الشركات العالمية عام ١٩٩٥ كمهندس تصاميم أقدم في شركة (LSI Logic ) الامريكية ثم التحق بشركة ( Imagination Technologies ) وشغل منصب كبير المهندسين لغاية ٢٠١٦. يشغل حالياً منصب مستشار هندسي أقدم في شركة سوندريل البريطانية للتصاميم الإلكترونية الدقيقة ومدير شركة لايت للتكنولوجيا. الدكتور علاء العاني له نشاطات خارج الوظيفة المهنية لخدمة الجالية العراقية في بريطانيا وهو يعمل في الهيئة الإدارية لجمعية الكندي للمهندسين منذ عام ٢٠٠٥ ويشغل حاليا منصب رئيس الجمعية.
المقدمة
لقد مر العالم بعدة فترات من التغييرات الأساسية والطفرات النوعية في العلوم والتكنولوجيا منذ القرن الثامن عشر عندما بدأت الثورة الصناعية الأولى في ستينيات القرن مع ظهور المكننة وإنتاج الحديد والطاقة البخارية والتصنيع الكيميائي. شهدت الثورة الصناعية الثانية في القرن التاسع عشر التصنيع السريع وتكنولوجيا الإنتاج والطاقة الكهربائية والسكك الحديدية والتلغراف. وأعقب ذلك الثورة الصناعية الثالثة للفترة 1950-1970 عندما بدأت التكنولوجيا الرقمية وتطورت بشكل كبيرمما أدى إلى نمو هائل في أجهزة الكمبيوتر وأنظمة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
إننا نعيش الآن بداية الثورة الصناعية الرابعة حيث تبرز التقنيات الحديثة غير المسبوقة مثل إنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي والروبوتات والواقع الافتراضي حيث ستعمل جميعها على تغيير الطريقة التي نعيش بها ونعمل بها.
مكوناتالثورةالصناعيةالرابعة
الذكاء الاصطناعي هو محاكاة عمليات الذكاء البشري بواسطة الآلات، وخاصة أنظمة الكمبيوتر. تشمل هذه العمليات التعلم (الحصول على المعلومات وقواعد استخدام المعلومات)، التفكير (استخدام القواعد للوصول إلى استنتاجات تقريبية أو محددة) والتصحيح الذاتي. السيارات المستقلة أو ذاتية القيادة هي مجال ناشئ آخر له إمكانات هائلة للنمو على مستوى العالم. سيارة ذاتية القيادة قادرة على استشعار بيئتها الخاصة وتتحرك بأمان دون أي تدخل بشري. تعود المحاولات الأولى لتطوير السيارات ذاتية الحكم إلى عشرينيات القرن الماضي إذ بدأت التجارب في الخمسينيات من القرن الماضي، لكن مختبر تسوكوبا الياباني طور سيارة نصف آلية في عام 1977.
وظهرت أول سيارات مستقلة حقًا في الثمانينيات مع مشروع (Navlab) التابع لجامعة كارنيجي ميلون بتمويل من تجمع السيارات المستقلة ، أذ تم تطوير مجموعة متنوعة من أجهزة الاستشعار وأنظمة السيطرة لتوفير المعلومات في جميع الظروف مثل الرادارات وأجهزة السونار وأجهزة الكشف الليلي وغيرها. ومن العلوم الحديثة الأخرى يمكننا الاشارة الى هندسة الأنسان الآلي أو الروبوت، إذ تتوسع مجالات التطبيق بشكل مضطرد في المنازل والمستشفيات وخطوط الأنتاج وكذلك في مجال الفضاء والعمليات العسكرية.
اما فيما يخص إنترنت الأشياء، فهو حقل آخر متعدد التخصصات يتقدم بسرعة وتستخدم فيه تكنولوجيات متعددة تشمل الذكاء الأصطناعي وأنظمــة الحوكمة والأتصالات عن بعد والحاسبات المندمجة في الأجهـزة حيث سترتبط الأجهزة المنزلية جميعها لتكوَن شبكة مترابطة يتم التحكم بها عن طريق الهاتف الذكي او أجهزة الحاسوب الشخصية من أي مكان. ويبقى التحدي الأكبـر الذي يواجه انتشار تكنولوجيا الأشياء هو الخصوصية وأمن المعلومات حيث تكون عرضة للأختراق والقرصنة اذا لم تحكم بشكل كامل.
هندسةالبرامجيات
هناك تطورات مهمة أخرى تشكل جزءاً من الثورة الصناعية الحالية مثل معالجة البيانات الضخمة، وسلسلة التعاملات النقدية، وعملة التشفير وغيرها، وينشأ الاهتمام ويكتسب زخماً إذ يتم تسهيل كل ذلك من التقدم في أجهزة الكمبيوتر والبرمجيات. فعلى سبيل المثال لا الحصر، تشهد صناعة أشباه الموصلات نمواً سريعًا، وكذلك رقائق السيليكون والأجهزة الإلكترونية تشهد قفزات من التطور ، إذ باتت تحتوي على عدد متزايد من الترانزستورات التي تصل إلى مليارات من الرقائق في حجم ظفر الإصبع مما يتيح انجاز العمليات الحسابية وسرعة تحليل المعلومات وايجاد الحل السريع واتخاذ القرار اللحظي بالزمن الحقيقي ممكناً.
كما حدثت تطورات مهمة في هندسة البرامجيات والبرامج المصممة والمشفرة والمختبرة من قبل مصممي البرامجيات بوتيرة عالية مع المعالجة المتوازية الناشئة ومعالجة البيانات الضخمة باستخدام السحابة. ومن أمثلة هذا التطور محاكات الشبكات العصبية والبرمجة المدمجة ومعالجة الصور مثل التعرف على الوجوه والاشخاص.
التطورات المذكورة في العلوم والتكنولوجيا ليست خالية من التحديات، فبالإضافة إلى التعقيد العالي، تتطلب هذه الحقول خلفيات قوية في الرياضيات والعلوم والهندسة. وعلاوة على ذلك، فإن البحث والتطوير مكلفان للغاية ويستغرقان وقتاً طويلاً للوصول إلى نتائج مثمرة، وبالتالي فإن الرؤية البعيدة والخطط طويلة الأجل من جانب الحكومة والقطاع الخاص أمران حيويان للغاية إذا أرادت مثل هذه الارتباطات أن تحقق النجاح.
ومن ناحية أخرى، فإن هذا التطور المثير سيجلب الكثير من الفوائد للبلدان المتقدمة في هذا الميدان ويحفز الابتكار والتقدم في العديد من التخصصات في العلوم والتكنولوجيا، إذ بات العالم يتقدم بواسطة الاختراعات والتقنيات الجديدة والتكنولوجيا الذكية التي سيتم تطبيقها على العديد من جوانب الحياة والقطاعات التي تجلب النمو والازدهار.
الشرقالاوسطوالثورةالصناعيةالرابعة
أما بالنسبة للشرق الأوسط، فهناك حاجة ملحة للاستثمار في التكنولوجيا واتخاذ خطوات جريئة نحو مجتمع رقمي، إذ تحظى تكنولوجيا الحوسبة والاتصالات باهتمام متزايد. فقد تم إجراء عدد من الدراسات وإعداد تقارير لمعالجة اعتماد التكنولوجيا في المجتمع، ويمكننا تلخيص اهمية ما يحدث بالتوصيات التالية:
1. الانتقال من المبادرات الرقمية التي تركز على الحكومة الإلكترونية إلى تنمية الاقتصاد الرقمي بالكامل ودعم الوكالات الرقمية الوطنية.
2. إنشاء أطر سياسية تشجع الابتكار الرقمي ولا تعيقه.
3. اغتنام فرصة الإنفاق العام الكبير على تكنولوجيا المعلومات لإنشاء شركات محلية لتكنولوجيا المعلومات على نطاق واسع.
4. انتهاز فرصة العمر مرة واحدة لإنشاء منصات رقمية مهمة للمنطقة.
5. تكثيف التعاون بين الشركات والمقاطعين الرقميين في المنطقة.
6. احتضان السرعة من خلال الرقمية لمعالجة بيئة الأعمال الأسرع من أي وقت مضى.
7. توسيع نطاق التمويل الرأسمالي الرقمي وزيادة فرص الاستثمار.
8. إنشاء المناهج الرقمية ومسارات التعلم السلس من المدارس الابتدائية إلى التعليم العالي وصولا لسوق العمل.
9. أعادة التفكير في كيفية جذب المواهب الرقمية والاحتفاظ بها وإعادة النظر في إمكانية تطبيق التأميم على الرقمية.
التوصياتالخاصةبالعراق
على الرغم من أن التوصيات المذكورة أعلاه تنطبق على معظم دول الشرق الأوسط بما في ذلك العراق، غير أن العراق بسبب سنوات طويلة من عدم الاستقرار ونقص في الاستثمار، فأنه يحتاج إلى اتخاذ خطوات أكثر جرأة نحو اعتماد التكنولوجيا الرقمية في جميع جوانب الحياة، بدءً من المناهج الدراسية الوطنية في المدارس الابتدائية حتى المراحل المتقدمة من التعليم العالي. والتوصيات التالية مصممة خصيصًا للعراق:
- التركيز على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المناهج الدراسية بدءاً من التعليم الابتدائي وإدراج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الامتحانات النهائية.
- إنشاء مختبرات ومراكز الكمبيوتر والمكتبات المحلية باستخدام مرافق تكنولوجيا المعلومات.
- التركيز على التطبيق وتشجيع الابتكار.
- تعزيز التعلم الإلكتروني.
- برامج تدريبية للمعلمين.
- الأستثمار الحقيقي في الحكومة الإلكترونية.
- استبدال الأساليب البائدة في المؤسسات الحكومية.
- إنشاء شبكة آمنة لرسائل البريد الإلكتروني الرسمية بين الوزارات.
- إنشاء مراكز كمبيوتر للجمهور ودعم مبادرات “تكنولوجيا المعلومات للجميع”.
- استعادة مراكز البحوث في التكنولوجيا والهندسة المتقدمة.
- دعم المؤسسات الوطنية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والإحصاءات.
- دعم القطاع الخاص في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والبرمجيات.
- الحوافز المالية لشركات التكنولوجيا المتقدمـة.
- إشراك الشركات الخاصة في قضايا تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الحقيقية التي تواجه القطاع العام.