ضيفت مؤسسة الحوار الانساني بلندن البروفيسور بشير الهاشمي يوم الاربعاء 11 كانون الاول/ديسمبر 2019 في أمسية ثقافية تحدث فيها عن الخطوط العريضة لنوع جديد من التعليم الهندسي الجامعي الذي يركز على الهندسة في عصر الذكاء الاصطناعى وسلط الضوء على شرح الحاجة لبذل جهد منسق لتغيير مناهج التعليم العالي الهندسي مع زيادة التركيز على التكنولوجيا الرقمية هندسة.
البروفيسور بشير محمد الهاشمي، رائد أكاديمي مشهور عالميًا، وعميد كلية الهندسة والعلوم الفيزيائية بجامعة ساوثهامبتون، وهي واحدة من أكبر وأنجح الكليات في المملكة المتحدة. الدكتور الهاشمي مهندس الكتروني وله سمعة عالمية بمساهماته البحثية في مجال الالكترونيات والحوسبة منخفضة الطاقة، ويمكننا الاشارة الى بعض هذه المساهمات في المنتجات الاستهلاكية الرقمية مثل الهواتف المحمولة. اشرف د. الهاشمي على خمسين طالب دكتوراه، وفاز بالعديد من الجوائز المرموقة لأبحاثه، بما في ذلك انتخابه زميلًا للأكاديمية الملكية للهندسة في المملكة المتحدة في عام 2014، وحصل على منصب قائد الإمبراطورية البريطانية (CBE) في قائمة كوينز أونورز في 2018 ، لمساهماته في الهندسة والصناعة.
المقدمة
يسابق العلماء الزمن لفهم ما يعنيه أن تكون إنسانا، لا يعيش في عالم متطور تكنولوجيا فحسب، بل يخضع باستمرار لتعديلات تلائم ظروف عيشه وتتناغم مع محيطه، وتعده لمستقبل سيرتبط بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لا محالة.
وفي عصر اندمجت فيه علوم الطب والوراثة والأحياء بتكنولوجيا المعلومات، تتناسل الأسئلة العلمية والفلسفية التي تبحث إعادة تعريف الإنسان والحياة، كما ترتفع الأصوات التي تنادي بضرورة إعادة النظر في مناطق التماس بين العلوم والمبادئ الأخلاقية، ووضع تصورات ومعايير علمية جديدة لا تتعارض مع مستقبل الإنسان وتطوره، ما دامت قادرة على رسم ملامح تفكيره وقراءة مستقبله الصحي وطفراته الوراثية والأمراض النادرة التي قد تهدده.
في إضاءة على أحد النقاشات العلمية المتقدمة، يظهر أن تكنولوجيا المعلومات قد خلقت حالة تشابك بين علوم الأحياء ومجالات والطب، وبات من الممكن القول إنها أصبحت علم المعلومات فعلا.كما أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التي تسعى لتقليد الوظائف البشرية أو إحلال الوسائل التكنولوجية محلها، قد عززت الرغبة في تعويض ما يمكن أن نفعله كبشر دون جهد كبير.لكن التداخل بين علم الأحياء وتكنولوجيا المعلومات يطرح تساؤلات عدة حول معنى أن يصبح الجسم البشري مجرد معلومات، وكيف يمكن أن يحدد وجوده ويعاد تعريف وظائفه من خلال بيانات ومعطيات.
وفي سياق التكنولوجيا الحيوية، تلوح جدلية جديدة بشأن إمكانية اختزال حياة إنسان في شفرة تقرأ في حاضره ومستقبله، حيث يصبح جوهر الجسم عبارة عن معلومات، تحفز لخلق جوانب جديدة ومحسنة ومصطنعة للحياة، بحثا عن الإنسان الأفضل أو الأكثر إنسانية.
وإذا كان هذا البحث يستدعي تفكيك جسم الإنسان وعقله إلى ترددات معلوماتية قابلة للتحليل رياضيا من خلال توظيف التكنولوجيا الرقمية، والتدخل في تركيب الدماغ والتحكم بوظائف الإنسان وأدائه، فإنه لا يزال يصطدم بتعريف تقليدي للإنسان، يرفض اختصاره في مجموعة معطيات حسابية وبيانية مكيفة في شكل خوارزميات، في مقابل صيحات علمية تتوق لما بعد الإنسانية أو فوق الإنسانية.
آلات تمتلك ذكاء
تسعى البحوث الحديثة الى أنسنة الالات لتفعيل التعاون بين الانسان والآت الحديثة، في حقل من الدراسات بات يعرف بالذكاء الاصطناعي(AI) ، وهو أي تقنية تمكن النظام من إظهار الذكاء البشري ويشمل تقنيات مثل :
- التعرف على الصوت
- التعرف على الأشياء
- التعرف على الوجه
ما هو الذكاء الاصطناعي؟
بأبسط العبارات، يشير مصطلح الذكاء الاصطناعي(AI) إلى الأنظمة أو الأجهزة التي تحاكي الذكاء البشري لأداء المهام والتي يمكنها أن تحسن من نفسها استنادًا إلى المعلومات التي تجمعها. يتجلى الذكاء الاصطناعي في عدد من الأشكال. بعض هذه الأمثلة:
تستخدم روبوتات المحادثة الذكاء الاصطناعي لفهم مشكلات العملاء بشكل أسرع وتقديم إجابات أكثر كفاءة القائمون على الذكاء الاصطناعي يستخدمونه لتحليل المعلومات الهامة من مجموعة كبيرة من البيانات النصية لتحسين الجدولة يمكن لمحركات التوصية تقديم توصيات مؤتمتة للبرامج التلفزيونية استنادًا إلى عادات المشاهدة للمستخدمين.
إن الذكاء الاصطناعي يتعلق بالقدرة على التفكير الفائق وتحليل البيانات أكثر من تعلقه بشكل معين أو وظيفة معينة. وعلى الرغم من أن الذكاء الاصطناعي يقدم صورًا عن الروبوتات عالية الأداء الشبيهة بالإنسان التي تسيطر على العالم، إلا أنه لا يهدف إلى أن يحل محل البشر. إنه يهدف إلى تعزيز القدرات والمساهمات البشرية بشكل كبير. مما يجعله أصلاً ذات قيمة كبيرة من أصول الأعمال.الركائز الجديدة
القراءة والكتابة والحساب هي الركائز الثلاث التي يعتمد عليها التعلّم، إلا أن التلاميذ أصبحوا اليوم في حاجة إلى كفاءات أساسية أخرى وكفاءات هامّة غير معرفية، مثل الإحساس بالمقدرة الذاتية، وإدراك أفضل للمفاهيم، وقدرات جيدة على مقاومة الضغط وعلى التأقلم والمرونة.
وسوف تصبح الكفاءات الخصوصية للإنسان أكثر أهمية من أي وقت مضى، في هذا العالم الجديد الذي يتشكل أمام أعيننا: سيكون التفكير النقدي إحدى أولى الكفاءات التي يجب على النظم التربوية ترسيخها.
في الوقت الحاضر، يمكن اكتساب هذه الكفاءات الأساسية من خلال الأنشطة التي يقوم بها التلميذ خارج الإطار المدرسي حيث يتعلّم، على سبيل المثال، التعاون، ورسم الأهداف، والتخطيط. بالإمكان تطوير الانضباط وروح الفريق الواحد عند تعاطي الرياضة، والإبداع عند ممارسة المسرح، والفكر النقدي عند تنظيم الحوارات، والتعاطف عند القيام بالعمل التطوّعي ضمن جمعيّة.
ويكمن التحدّي في هيكلة هذه الكفاءات المتعددة التي يجب على الشاب أن يكتسبها، وكذلك في إقرار شرعيتها ضمن النظام التربوي، وإدراجها في البرامج المدرسية، وتحديد طريقة تقييم نتائج التلاميذ في تلك المجالات التي لم تكن إلى حدّ الآن تُعتبر جزءا من التعليم المدرسي والتي يجب أن تحتلّ في المستقبل المرتبة الأولى.
وممّا لا جدال فيه، هو أن المستقبل سوف يفرض على الأطفال، أكثر من أي وقت مضى، أن ينسجوا علاقات مشتركة وأن يدعموا روح الانتماء إلى المجموعة وروح المواطنة والتعاون على أساس شعور التعاطف الذي يعتبره البعض إحدى الكفاءات الأساسية في القرن الحادي والعشرين.
إن القدرات في مجال العلاقات بين الناس أصبحت تعتبر أكثر فأكثر عنصرا أساسيا في الأنظمة التربوية في العالم. وتقوم كل من اليونسكو ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بتهيئة أطر ومعايير وتقييمات في هذا المجال، وخاصّة في ما يتعلق بمفهوم «الكفاءات العالمية» الذي يرمي إلى تعزيز التعاون بين الثقافات.
الذكاء الاصطناعي في قاعة الدراسة
وبعد أن تبنت وزارة التربية في ولاية ويلز الجنوبية الجديدة الابتكارات الوطنية والدولية الأكثر فعاليّة في القطاعين الخاص والعمومي، شرعت في دراسة أفضل السبل لتقديم الدعم للمختصين في التربية قصد صياغة هذه الأفكار الخلّاقة والتعجيل بها. والهدف من ذلك هو إيجاد مناهج جديدة ومستدامة وقابلة للتطوير تسمح بتحسين التعلّم والنهوض بقدرات التلاميذ وضمان نجاحهم.
يضطلع الذكاء الاصطناعي بإمكانيات بالغة في مجال التعليم، شريطة أن يُستعمل بدراية ووفق حاجِيات المُدرّسين. وتوجد حاليا أنظمة ترتكز على الذكاء الاصطناعي قادرة على توفير تعلّم مطابق لخصوصيات الشخص، ممّا يُخفّف بعض الأعباء على المُدرّسين ويسمح لهم بالتركيز على الحاجيات الفردية للتلاميذ وعلى الأهداف البيداغوجية. هذه الأنظمة قادرة على متابعة مدى التزام التلاميذ وتقدّمهم، كما قد تكون مُستقبلا قادرة أيضا على اقتراح تعديلات في المضمون.
إنه من الأهمية بمكان أن تبقى عملية تصميم هذه الأنظمة وتطويرها بين أيدي المُربّين. ويعود بالدرجة الأولى إلى المُدرّسين ومديري المؤسسات، الذين سيتلقّون التكوين المناسب، أن يُحدّدوا بوضوح مكانة الذكاء الاصطناعي في قاعة الدراسة. ولا بد أيضا من تشريك التلاميذ في اتخاذ القرارات في هذا المجال، وبالتالي لا بد من تعليمهم الجوانب الأخلاقية. إن مستقبلهم مُرتبط بالسياسات والمناهج التي سوف نعتمدها اليوم.
الهندسة الرقمية: عملية تعاونية
اعتبارات ابتكار مناهج الهندسة الرقمية:ماذا يجب أن يكون المنهج؟
- علم النفس (التعاون بين الإنسان والآلة) ،
- الفلسفة (الأخلاق) ،
- العلوم الاجتماعية (التأثير الاجتماعي)
ما ينبغي أن يكون نهج التدريس؟ مثال محتمل هو التعلم القائم على حل المشكلات الذي يشيع استخدامه في التعليم الطبي، كما ان دور الصناعة (ماذا يدرّسون وظائفهم) والهيئات المهنية (ما الذي يجب أن تدرسه الجامعات وتعرف مجموعة المعرفة)؟ تعد الشراكة الأقوى بين الأوساط الأكاديمية والصناعة والمعاهد المهنية أمرًا ضروريًا لضمان تصميم الدورات التدريبية الجديدة وأهميتها للصناعات الناشئة.
ما العوامل الدافعة لاعتماد الذكاء الاصطناعي؟
هناك ثلاثة عوامل تحث على تطوير الذكاء الاصطناعي عبر الصناعات:
- توفر إمكانية الحوسبة عالية الأداء بسهولة وبأسعار معقولة. إن وفرة قدرة الحوسبة في مجال الأعمال في السحابة، مكّن من الوصول السهل للقدرة على الحوسبة بأداء عالٍ وبأسعار معقولة. وقبل هذا التطور، كانت بيئات الحوسبة الوحيدة المتاحة للذكاء الاصطناعي غير قائمة على السحابة وتحتاج إلى تكاليف باهظة.
- وجود كميات كبيرة من البيانات المتاحة للتعلم. يحتاج الذكاء الاصطناعي إلى التعلم من خلال الكثير من البيانات لإجراء التنبؤات الصحيحة. وقد أدى ظهور أدوات مختلفة لجمع البيانات المُصنفة، بالإضافة إلى إمكانية المنظمات من تخزين هذه البيانات ومعالجتها بسهولة وبتكلفة ميسورة سواء البيانات الهيكلية أو غير الهيكلية، إلى تمكن المزيد من المنظمات من إنشاء خوارزميات الذكاء الاصطناعي وتدريبها.
- توفر تقنية الذكاء الاصطناعي التطبيقي ميزة تنافسية. تدرك الشركات بشكل متزايد الميزة التنافسية لتطبيق رؤى الذكاء الاصطناعي على أهداف الأعمال وجعلها أولوية على مستوى الأعمال. على سبيل المثال، يمكن أن تساعد التوصيات المستهدفة التي تقدمها تقنية الذكاء الاصطناعي على اتخاذ قرارات أفضل بشكل أسرع. كما يمكن للعديد من ميزات وقدرات الذكاء الاصطناعي أن تؤدي إلى خفض التكاليف وتقليل المخاطر وتسريع الوقت للوصول إلى السوق وغير ذلك الكثير.
الذكاء الاصطناعي كميزة إستراتيجية حتمية وتنافسية
تُعد تقنية الذكاء الاصطناعي تقنية إستراتيجية حتمية تعمل على الحصول على كفاءة أكبر وفرص جديدة للدخل وتعزيز ولاء العملاء. كما أنها تتحول بسرعة إلى ميزة تنافسية للعديد من المنظمات. فمع الذكاء الاصطناعي، يمكن للشركات إنجاز المزيد من المهام في وقت أقل، وإنشاء تجارب عملاء مُخصصة وجذابة، والتنبؤ بنتائج الأعمال لزيادة الربحية.
ولكن الذكاء الاصطناعي لا يزال تقنية جديدة ومعقدة. فللحصول على أقصى استفادة منها، تحتاج إلى الخبرة في كيفية إنشاء حلول الذكاء الاصطناعي وإدارتها على نطاق واسع. يتطلب مشروع الذكاء الاصطناعي أكثر من مجرد توظيف عالم بيانات. فيجب على الشركات تنفيذ الأدوات والعمليات وإستراتيجيات الإدارة لضمان نجاح تقنية الذكاء الاصطناعي.
التكنولوجيا والقيم
شكلت هذه العلاقة فرعا في الفلسفة المعاصرة، ضمن ما يطلق عليه تعريف “أخلاقيات التقانة” (التقنية)، التي تختص بما يربط القضايا الأخلاقية بأنماط الذكاء الاصطناعي، لكن السؤال هل بإمكان التكنولوجيا الحديثة أن تعوض الإنسان في اتخاذ القرارات بتلك الحمولات الإنسانية والعاطفية، وما حدود خطأ الروبوت مثلا أثناء إجراء عملية جراحية ما وآليات المحاسبة.
وفي استبيان أجرته “ديلويت” في الولايات المتحدة أخيرا، على ألف وأربعمئة من المسؤولين التنفيذيين واسعي الاطلاع على مجالات الذكاء الاصطناعي، كشف أن أحد أكبر التحديات التي تواجه الذكاء الاصطناعي تكمن في المجال الأخلاقي.وبالتالي، يتوجب تحديد القضايا الأخلاقية والتداعيات المجتمعية للذكاء الاصطناعي، من أجل إدارة مخاطر الذكاء الاصطناعي بشكل مناسب وتطوير سياسات تراعي قيم المجتمع.
الخاتمة
يقول الرئيس الروسي بوتين؛”سيتم تحويل الإنسانية عن طريق الذكاء الاصطناعي من خلال الفضول وخلق الثروة وسباق التسلح التكنولوجي. والبلد الذي يحقق سبقا في الذكاء الاصطناعي سيكون حاكم العالم”.
القطاع الهندس لديه مساهمة كبيرة في هذا التحول، واستمرار النقاش إذا كان هذا التحول جيدًا أو سيئًا يتطلب الحاجة إلى تفعيل دور منظمة العفو الدولية لطرح رؤية للمسؤولية الأخلاقية، وان البلدان التي تتبنى الهندسة الرقمية ستجني فوائد الذكاء الاصطناعى، وهذا الامر سوف يتطلب رؤية الاستثمار (الأشخاص والأفكار والبنية التحتية والشراكات الدولية). وإنشاء نظام بيئي لريادة الأعمال في مجال الذكاء الاصطناعى لزيادة الفوائد الاقتصادية والمجتمعية.