محمد عبد الجبار الشبوط
شغلتنا جلسة الاحد لمجلس النواب الجديد عن استذكار الذكرى الحادية والعشرين لوفاة الفقيه المجدد الامام محمد مهدي شمس الدين (١٩٣٦-٢٠٠١) رضوان الله تعالى عليه.
توفقت الى اقامة علاقة شخصية مباشرة مع الراحل امتدت من عام ١٩٨٥ الى وفاته، وتشرفت بزيارته في مرضه في باريس عام بمعية الصديق الاخ مصطفى حبيب. وكان رحمه الله من المرجعيات الفكرية التي تتلمذت ذاتيا عليها، الى جانب العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي، صاحب تفسير الميزان، والامام الشهيد السيد محمد باقر الصدر، والامام الراحل السيد محمد حسين فضل الله. وفي تصوري ان هؤلاء الاعلام مثلوا، كل بطريقته، امتدادا فقهيا في الشأن السياسي للفقيه المجدد الشيخ النائيني (١٨٦٠-١٩٣٦)، وصولا الى الامام السيستاني في الوقت الحاضر. والخيط الجامع بينهم في هذا الشأن هو دور الامة (الشعب، المجتمع) في الحياة السياسية ومركزها القانوني في قضية الولاية. وهذه هي المسألة التي ركز عليها الشيخ شمس الدين في اخر اعماله المعنون “ولاية الامة على نفسها في مقابل ولاية الفقيه” الذي نشر في عام ٢٠١٩ واقترن المصطلح باسمه.
يتفق الفقهاء المسلمون، شيعةً وسنةً، على ان الولاية في الاصل لله، ثم يختلفون بعد وفاة الرسول محمد، حيث جعلها السنة للامة مباشرة اعتبارا من اجتماع السقيفة، في حين جعلها الشيعة “للائمة المعصومين” ابتداءً من الامام على الى الامام المهدي.
وبعد الغيبة الكبرى للامام المهدي عام ٣٢٩ هجرية افترق الفقهاء الشيعة الى فريقين رئيسيين في هذا الشأن. فريق جعلها ممتدة الى الفقهاء، ضمن ما يسمى “ولاية الفقيه”، وفريق ثانٍ بدأ بالظهور على يد الشيخ النائيني، ثم وصل ذروته على يد الشيخ شمس الدين الذي اطلق مصطلح “ولاية الامة على نفسه”، مقابل مصطلح ولاية الفقيه، وهو امر قال به بتعبيرات مختلفة ومتفاوتة كل من صاحب الميزان والسيد محمد باقر الصدر الذي طرح نظرية “خلافة الانسان وشهادة الانبياء”، وهي نظرية تصلح فقط للمجتمع الاسلامي الشيعي، على خلاف نظرية “ولاية الامة على نفسه” التي تصلح لكل المجتمعات.
ويمكن انتزاع نظرية “ولاية الامة على نفسها” من عدد من الايات القرانية مثل اية استخلاف الانسان التي تقول:”وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً”، واية القسط التي تقول:”لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ”. وهي الاية التي قال صاحب الميزان في ذيل تفسيرها:”لكن على أي حال أمر الحكومة الإسلامية بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و بعد غيبة الإمام كما في زماننا الحاضر إلى المسلمين من غير إشكال، و الذي يمكن أن يستفاد من الكتاب في ذلك أن عليهم تعيين الحاكم في المجتمع.”
وبهذا نصل الى نقطة الالتقاء بين نظرية “ولاية الامة على نفسها”، وبين الديمقراطية التي هي منظومة اليات لتداول السلطة دوريا وسلميا، ويتضح انه بالامكان تطبيق الاليات الديمقراطية في مجتمع اسلامي وهي امكانية قائمة على عدم افتراض التعارض بين الاسلام والديمقراطية، لأن الطرفين يقولان بان الحكم للناس، حتى مع اختلاف اصل مشروعية هذا القول، حيث يقول الفقهاء المسلمون القائلون بولاية الامة على نفسها ان هذه الولاية مشرّعة من قبل الله، وليقل غيرهم ان منشأها ما يؤمنون به؛ فلا مشاحة في مصدر الشرعية اذا كان المضمون واحدا. وهذه هي احدى نقاط التقاء الاسلاميين والعلمانيين في المجال السياسي لمنظومة القيم العليا الحافة في المركب الحضاري للدولة الحضارية الحديثة. رحم الله شمس الدين؛ كان رائدا في اقتحام المساحات البكر في الفكر السياسي الاسلامي.