الاستاذ سعد الخزرجي
مقتل الامام الحسين (ع) .. قراءة نقدية مقارنة
استضافت مؤسسة الحوار الانساني بلندن يوم الاربعاء 4 اكتوبر 2017 الاستاذ سعد الخزرجي الباحث في الشأن التاريخي في أمسية ثقافية قدم فيها رؤيته للثورة الحسينية كنبراس اصلاح ووهج ثوري ممتد تأريخيا عبر قراءته المقارنة للمصادر التاريخية التي تناولت حادثة استشهاد الامام الحسين (ع) لدى المتقدمين والمتأخرين. الأستاذ سعد الخزرجي،باحث في التاريخ الاسلامي ،ولد عام 1959 م نشأ ودرس في بغداد ثم انتقل الى بيروت ليستقر اخيرا في لندن ،لديه العديد من البحوث التاريخية والمحاضرات .وعدد من المؤلفات بعضها قيد الطبع منها :- الدولة الاسلامية في عهد الخليفة عثمان بن عفان، وصلح الامام الحسن (ع) .. دراسة تاريخية استقرائية، والهاشميون وموقفهم من واقعة الطف.
المدخل
ابتدأ الاستاذ الخزرجي محاضرته بالقول ؛ كل عام تمر ذكرى استشهاد الامام الحسين (ع) وتتجدد فاجعتها ،لان واقعة الطف من اكثر الحوادث اسى وحزنا على مر التاريخ. وقد تركت تلك الواقعة اثرا بليغا في الفكر الانساني ومن جميع الديانات حيث يعيش الحسين في ضمير الانسانية مهما حاول البعض ان يتجاهله او من اراد من البعض الاخر ان يحصره في مساحات جغرافية ضيقة،لان ثورة الحسين (ع) على طغاة بني امية حملت الكثير من المفاهيم الانسانية والقيم الاخلاقية السامية ،ولانها واحدة من الثورات الفريدة في التاريخ وليس لها نظير وهي النبراس لكل الاحرار.
روايات المقتل
انتقل الاستاذ سعد الخزرجي الى تناول موضوع الرواية التاريخية لحادثة مقتل الامام الحسين فبين ؛ ان رواية المقتل قد كتبها العديد من الاخباريين والمؤرخين ،ولكن اكثر المقاتل القديمة لم يبق منها الا الاسم فقط ،فقد حرفت وسرقت واتلفت ،وذلك لئلا يبقى للحسين اسم ورمز يسير عليه من يريد الحرية والاباء .والذي وصل الينا من المقاتل القديمة الشيء القليل او ما نقل عنها في كتب التاريخ.
عدد المقاتل
ان عدد الذين كتبوا مقتل الامام الحسين من المتقدمين والمتأخرين بلغ 77 كتاب مقتل ،27 منها بالعربية ،20 بالفارسية ،والبقية بلغات اخرى .
كذلك تم ذكر المقتل في كتب التاريخ مثل :
- اليعقوبي ت 284 هـ
- الطبري ت 310هـ
- ابن الاثير ت÷ 630 هـ
- ابن اكثم الكوفي ت 314هـ
- المسعودي ت346هـ
- ابو الفرج الاصفهاني ت 366هـ
- الواقدي ت 207 هـ
اما اشهر هذه المقاتل فهو ما عرف بمقتل ابي مخنف ،وهو الذي وصل الينا عبر كتب التاريخ لوفرة من نقل عنه من كتاب ومؤرخين في نقل حوادث معارك الطف عام 61 هـ.
ابو مخنف .. صاحب رواية المقتل الاشهر
هو لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف بن سليم بن الحارث بن عوف بن ثعلبة بن عامر بن ذهل بن مازن بن ذبيان بن ثعلبة الأزدي الغامدي الأزدي، كان جده مخنف بن سليم صحابياً ومن أصحاب الإمام علي وقتل وهو يقاتل إلى جانبه في حرب الجمل، لابي مخنف بعض الاخبار في تاريخ الطبري ، تُرجم لابيه ترجمهُ ، ابن حجر في ” الإصابة في تمييز الصحابة، وقال عنه ابن النديم: إنّ مخنفاً هذا(جد لوط بن يحيى) كان من أصحاب علي بن أبي طالب، وقد ورث أبو مخنف من جده. مات سنة 157هـ. قال عنه ابن النديم في الفهرست: قالت العلماء: أبو مخنف بأمر العراق وفتوحها وأخبارها، والمدائني بأمر خراسان والهند وفارس، والواقدي بالحجاز والسيرة، وقد اشتركوا في فتوح الشام.
أما مؤلفاته فقد زادت على الثلاثين رسالة بقليل، وكلها في التاريخ عن حوادث مختلفة وقعت في إبان القرن الأول للهجرة؛ ولاسيما في العراق أو عن شخصيات سياسية عاشت في تلك الحقبة. ومعظم هذه الكتب أو الرسائل مفقود. وقد حفظ البلاذري في «فتوح البلدان» والطبري في تاريخه كثيراً من محتويات تلك الكتب، ويُذكر منها: كتاب «الردّة»، «فتوح الشام»، «فتوح العراق»، كتاب «الجمل»، كتاب «صفين»، كتاب «النهروان»، «مقتل عثمان بن عفان»، «مقتل علي بن أبي طالب»، «مقتل الحسين»، «الأزارقة»، «الضحاك الخارجي»، «الخوارج والمهلب»، «أخبار المختار بن أبي عبيد الثقفي» وهذا الكتاب الأخير مطبوع.
ويشير ابن النديم في الفهرست الى قائمة كتب ابي مخنف ،ويبين ان جهده كان موجها الى التصنيف في اخبار الشيعة وفي اخبار الكوفة بالخصوص وليس فيها اخبار بني امية او بني مروان مما يستدل منه علة توجهه السياسي. ومن مؤلفاته كتاب الجمل ،كتاب صفين،كتاب الحكمين ،كتاب النهروان ،مقتل محمد بن ابي بكر، مقتل الامام علي،مقتل حجر بن عدي،كتاب اخبار زياد بن ابيه،مقتل الحسين،كتاب اخبار التوابين،كتل المختار ومحمد بن الحنفية ،كتاب مطرف بن المغيرة.
كتاب واقعة الطف لابي مخنف
لقد جمع ابو مخنف ما دار في واقعة الطف من افواه الرواة واودعها كتابا اسماه (مقتل الامام الحسين) ،وبحسب العامل الزمني لرواة تلك الواقعة،نفترض انه بدأ بسماع احاديث تلك الرواية وجمعها في العشرين سنة الاخيرة من حياته اي بحدود عام 80 هـ ،ويستدل عد الخزرجي على ذلك مما يلي :
- من خلال روايته اما مباشرة او باسناد واحد فقط.
- ان اغلب من روى عنهم كانوا ممن شهد الواقعة وكانوا على قيد الحياة.
لكن يجب ان نقول انه كتابتها في ذلك الزمان امر مستبعد،لان تدوين التاريخ والحديث كان يعد مكروها جدا في تلك الفترة ،بل حتى ممنوعا. لذلك نرى انه ربما بدأ بكتابتها في مطلع القرن الثاني الهجري بعد سماح الخليفة عمر بن عبد العزيز (ت101هـ) في تدوين الحديث. لكن من المستبعد ان يكون املاه على الناس حينذاك في زمن السلطة الاموية المتشددة تجاه المعارضة الهاشمية ،لذلك يبقى الاحتمال الاقرب انه دون كتابه المشار اليه بحدود 120 هـ وهو عهد بداية ضعف السلطة الاموية لكثرة الثورات والصراعات داخل البيت الاموي.
مصادر ابي مخنف في روايته
الملاحظ في اخباره المتناثرة في كتب التاريخ ولاسيما الطبري انه يروي كثيرا عن ابيه يحيى او عمه او احد بني عمومته او اشياخه مثل حميد بن مسلم من حي الازد في الكوفة،ويبدو الاهتمام بالشأن السياسي واضحا في هذا الحي الكوفي الذي سكنته قبيلة الازد اليمانية،ومما يميز ابي مخنف ان رواياته اختصت بالكوفيين حتى اعتبره المؤرخون المحدثون صاحب مدرسة الروي العراقية.
المقتل النتداول حاليا والمنسوب لابي مخنف
اشار الاستاذ سعد الخزرجي الى ان الايدي اليوم تتداول كتاب مقتل الامام الحسين المنسوب زورا لابي مخنف ،فمن الواضح من مراجعة هذه النسخة انها منحولة ومنسوبة كذبا لابي مخنف والدليل على ذلك يكمن في :
1- اخطاء السنين : حيث يذكر المتأخرين مثل محمد بن السائب (ت 206 هـ) او الكليني (ت329هـ) بأنهم حدثوا ابي مخنف المتوفي بحدود( 157هـ).
2- استعمال مفردات من اللغة العامية بالتأكيد لم تكن مستعملة في زمن ابي مخنف.
3- ذكر مقتل اشخاص مع الحسين (ع) مع العلم انهم لم يحضروا واقعة كربلاء كالطرماح بن عدي .
4- نسب ابيات شعرية قالها شعراء متأخرون للامام الحسين (ع).
5- وجود اخطاء كثيرة في التواريخ ،وعدم دقة في ذكر تفاصيل الواقعة.
الرواية والقص
ويذكر الاستاذ سعد الخزرجي ان الروي او القص مهنة ولها رجالها خصوصا في القرن الاول او الثاني،من ذكر وقائع العرب قبل الاسلام وبعده،وحتى عهود قريبة،فيها الكثير من الصحيح وفيها القليل من الخيال ،والرواة انواع ،منهم من يحضر المعركة وينقل ما يدور فيها،وننشبههم بزمننا الحاضر بالمراسلين الحربيينوفيهم القصاصونالذين يحضرون المعارك ويثيرون عزيمة المقاتلينبذكر وقائع رسول الله ،كما جرى في معارك عين الوردة عام 65هـاو معارك ابن الاشعث مع الحجاج عام 81-83هـ.
وهنالك من نقل اخبار الشعوب الاخرى كالفرس مثل النضر بن الحارث قبل الاسلام،كما يذكر المؤرخون بعض اهل المدينة ممن تلقى ما عند اهل الكتاب من اليهود ونقل عنهم قصص الانبياء والمرسلينمثل سويد بن الصمتالذي نقل عنه الطبري ومحمد بن اسحاق الذي دون احاديث ما قبل الاسلام والتي تنتهي سنادها بعبارة بعض اهل العلم من اهل الكتاب الاول.
مقارنة مقتل ابي مخنف مع باقي المقاتل
تناول الاستاذ الخزرجي بالمقارنة مقتل ابي مخنف مع بقية المقاتل من عدة نواحي :
1- عدد القتلى:ورد في مقتل ابي مخنف المذكور في تاريخ الطبري طبيعة المعركة من مبارزة وارتجاز الاشعار والحملات من الطرفين ،وفي رواية ابي مخنف يذكر اسم من تقدم للقتال وان كان من الهاشميين ام من انصار الحسين ويذكر هذه الجملة (قاتل قتالا شديدا حتى قتل)او (قاتل قتال الابطال حتى قتل) ولم يذكر عدد من قتل من الجانب الاخر سوى في بعض المواضع. وقد توافق الخوارزمي في مقتله مع ابي مخنف مع بعض الفوارق القليلة ،لانه اخذ عن ابن اكثم في كتاب الفتوح ،وابن اكثم كما هو معلوم كان قد استند الى رواية ابي مخنف.
2- ذكر المتأخرين منرواة المقتل معجزات حدثت بعد مقتل الامام الحسين لم يذكرها ابي مخنف مثل ذكر الخوارزمي عن ابن اكثم ؛ارتفعت في السماء غبرة شديدة مظلمة فيها ريح حمراء ،لايرى فيها عين ولا اثر حتى ظن القوم ان لعذاب قد جاءهم فلبثوا في ذلك ساعة ثم انجلت عنهم،بينما نجد الامر روي بشكل مختلف لدى المتأخرين كما في الملهوف لابن طاووس الذي ذكر وصف مقتل عبد الله الرضيع في حجر والده الحسين (تلقى الدم بكفه حتى امتلأت ،ورمى به نحو السماء وقال اهون علي ما نزل بي انه بعين الله ،واضاف قال الباقر ،فلم يسقط من لك الدم قطرة الى الارض) كما ذكر الصدوق في الامالي وهنا نحن نتحدث عن نهاية القرن الرابع الهجري (381هـ)قال(لم يرفع في بيت المقدس حجر على وجه الارض الا وجد تحته دم عبيط،وابصر الناس الشمس على الحيطان حمراء كانها الملاحف المعصفرة،الى ان خرج علي بن لحسين بالنسوة ورد رأس الحسين الى كربلاء) وهنا يمكن ان نلاحظ بتقادم الزمن كيف يمكن ان تتحول عاصفة ترابية حمراء ،وهو امر منطقي الحدوث في منطقة شبه صحراوية مفتوحة ،تتحول هذه العاصفة الى وجود الدم وكانما شبه الغبار الاحمر بالدم التناثر في كل مكان.
3- كما يجب ان نؤكد على ظهور موضوع الكرامات في الروايات المتأخرة لحادثة مقتل الامام الحسين مثال ذلك ما رواه المجلسي عن البحار ؛(برز من معسكر عمر بن سعد رجل يقال له تميم بن حصين نادى الحسين ،اما ترى الى الماء الفرات يلوح كأنه بطن السماء ،والله لا ذقتم منه قطرة حتى تذوقوا الموت جزعا،فقال الحسين اللهم اقتله عطشا في هذا اليوم،فخنقه العطش حتى سقط عن فرسه فوطأته الخيل بسنابكها فمات.
الخاتمة
مما سبق يتضح لنا اهمية تناول التراث ،ومفاصله حتى الحساس منها بعين نقدية ،والعمل على غربلة النصوص بطريقة علمية تقوم على فهم ودراسة وقائع التاريخ والعوامل السياسية والفقهية وحتى الاقتصادية والاجتماعية والطقوسية التي تسببت في اعادة تشكيل العقلية التي تنتج روايات متجددة بعد مئات السنين لنفس الحادثة التاريخية ،وهذا لايعني باي شكل من الاشكال اننا ننتقص من قيمة ما ذكر في المصادر التاريخية ،وانما يجب ان نتعامل بحذر ووعي مع الروايات التاريخية لكي نصل الى نتائج تقربنا الى الحقيقة العلمية التاريخية ولا تجعلنا نسير ونحن مغلقي العيون باتجاه التعصب والافكار المنغلقة التي قد تسيء الى حاضرنا ومستقبلنا.