الدولة الخفية في العراق
صادق الطائي
ضيفت مؤسسة الحوار الانساني بلندن يوم الاربعاء 5 تموز/ يوليو 2017 الاستاذ محمد صاحب الدراجي في أمسية ثقافية تحدث فيها عما اسماه الدولة الخفية في العراق بأعتبارها سياقا من التحالفات السياسية والفكرية وشبكات العلاقات الممتدة في جسد المسألة الوطنية .
الاستاذ محمد صاحب الدراجي ،ولد في بغداد عام 1971،حصل على شهادة الماجستير في الهندسة المدنية من جامعة لندن – ساوثبانك في المملكة المتحدة. حاصل على شهادة البكالوريوس في الهندسة المدنية من جامعة بغداد. عمل في عدة مناصب تنفيذية في مجال ادارة المشاريع الهندسية في لعراق وبريطانيا والخليج العربي وشمال افريقيا في القطاعين العام والخاص منذ العام 1993. انتخب لعضوية مجلس النواب العراقي لدورتين 2010و 2014. عمل وزيرا للاعمار والاسكان في الحكومة العراقية من نهاية 2010 لغاية 2014.عمل وزيرا للبلديات والاشغال العامة وكالة في الحكومة العراقية 2010-2014 .عمل وزيرا للصناعة والمعادن في الحكومة العراقية من 2015 لغاية استقالته من منصبه 2016. ترأس الهيئة التنفيذية لجمعية الكندي في بريطانيا لسنتين 2006 -2007. يرأس المنظمة التنموية العراقية كمنظمة مجتمع مدني منذ 2008. صدر له مؤخرا كتاب (رماد بابل.. الدولة الخفية في العراق) عن دار الحكمة بلندن.
المقدمة
ابتدأ الاستاذ الدراجي محاضرته بالقول انه اليوم في هذه الامسية بصدد تسليط الضوء على ما تناوله في كتابه (رماد بابل) من موضوعات ونقاط وليس مناقشة كل الحالة العراقية ،ولكنه بالتأكيد سيتناول بعض النقاط بالشرح والتفصيل ،واضاف قائلا ؛اريد ان اثبت بالادلة ان هناك دولة خفية موازية لمؤسسات البلد تعمل على تقويض التجربة الديمقراطية في العراق، لانها لا تخدم الكثير من البلدان، والكثير من الذين خسروا امتيازاتهم في النظام السابق، لان النظام الديمقراطي يشكل دولة ناجحة فعملوا على خرق مؤسسات العراق من خلال منظومة متكاملة في منظومة دولة، ولكنها خفية موازية للمؤسسات العامة عملها توقف اي مشروع، وكل مبادرة، وتعمل على ان تجربة العراق بعد 13 سنة فشلت، هؤلاء كانوا السبب الرئيس اكثر من الاسلام السياسي واكثر من السياسيين، وهناك بعض السياسيين من حيث يدرون او لايدرون اندمجوا مع الكيان الموازي او الدولة الخفية، وهؤلاء ان كانوا لا يعلمون فليغفر الله لهم، وان كانوا يعلمون، فيجب ان يحاسبهم التاريخ والشعب.
اهمية الكتاب الذي يؤلفه المسؤول
الكثير من الوزراء والساسة في تاريخ العراق قد وثقوا فترات حكمهم واستيزارهم في مذكرات، ظلت مقصداً للباحثين عن معلومة ، والطامحين لرواية قريبة من أحداث شكلت انعطافات حادة في مسيرة البلاد، وساهمت في تحولات كبرى فيها ، وكانت هذه المذكرات في أغلبها سيرة شخصية، تجنب كُتابها التطرق الى مواضيع شديدة الخصوصية، او أحداث شائكة قد تدخلهم في مطبات، ولذا ظلت المكتبة السياسية العراقية، تفتقر الى الدقة المطلوبة، أو الصراحة المرغوبة لكشف عيوب التأسيس، وفشل التجارب السابقة، او إخفاق السياسات التي لم توصل العراق إلى ضفة الأمان.
لكن ما يميز كتاب الوزير محمد صاحب الدراجي، والذي نناقشه في امسية الحوار الانساني أنه يأتي في ظرف استثنائي وخطير من عمر العراق، كما أنه لا يتطرق الى سيرة شخصية للوزير، ولا عرضاً لانجازاته، بقدر ما هو كشف شجاع وجرئ، لواحدة من أخطر ” الطفيليات ” الكامنة في بطن الدولة العراقية، والتي تعتاش على جسدها، بذرائع شتى، منها النظام العام، وأخرى ” قداسة” البيروقراطية المتوارثة، الى ذريعة تمثيل المصالح الاجتماعية، فيما هي في الحقيقة، شبكة منظمة تخترق نسيج الدولة وتبني شبكة مصالحها الذاتية جداً، في عمق المؤسسات، وتختزل ” المصلحة العامة” في مصالح طبقة من كبار “البيروقراطيين” الذين ينتمون لولاءات أبعد من الوطن، واعلى من المواطن.
كتاب “رماد بابل ” الصادر في لندن للوزير السابق محمد صاحب الدراجي، هو أول سيرة شجاعة، وفضح شديد لما يسميه الدراجي بـ ” الدولة الخفية في العراق”، ولعل مفهوم الدراجي الذي نظر له في كتابه هذا، وفضح رموزه وأدواته، يقترب من مصطلح “الدولة العميقة” الذي ظهر في تركيا ومصر وبعض الدول الأخرى، الا انه خصوصية ” دولة العراق الخفية” تكمن في أنها ظلت تعمل في الخفاء، وظل رموزها بعيدون عن الضوء والكشف والملاحقة، أنها دولة خفية فعلاً، ولكنها قوية جداً، تخترق الجميع، وتعرقل الكل، وتنتفع من الفوضى، وتساهم في تخريب النظام، بحجة النظام طبعاً .
الكتاب شيق ومثير، كونه يأتي بشهادات وأحداث واقعية عايشها الدراجي عن قرب، وتصارع مع بعض مفاصل الدولة الخفية، وللأسف نجدها انتصرت عليه في مرات كثيرة !”الدولة الخفية” التي يكشفها الدراجي تنتشر بشكل افقي في المؤسسات الدولة، فمن رئاسة الجمهورية الى رئاسة البرلمان إلى رئاسة مجلس الوزراء، مروراً بالقضاء الى مفاصل التشريع والرقابة والتنفيذ .
تجربة في وزارتين
كما تناول الاستاذ محمد الدراجي تجربته المهنية عبر تسنمه وزارتين قائلا ؛ عملت وزيرا للصناعة لمدة ستة اشهر، بينما عملت وزيرا للاسكان لدورة وزارية كاملة ولكنني ارى العكس اذا ما قست انجازات الستة اشهر مع انجازات ثلاث سنوات ونصف سنة، ارى ان انجازات الصناعة توضحت اكثر، فهناك الكثير من المعامل اشتغل، وهناك قرارات استراتيجية اتخذت للبلد مثل التعرفة الجمركية ومنع استيراد الأسمنت ورواتب وزارة الصناعة دفعت، عودة معمل جلود بجودته وعودة معمل ابو غريب للالبان والكثير من المعامل، ولكن لم يكن لديّ وقت.
اما واقع التصنيع الحربي في العراق فنستطيع القول انه واقع موجود، ولكن هناك الكثيرين لا يريدونه، فالعراق الان قادر على انتاج الاعتدة المتوسطة مثلا ونحن نحتاجها بشدة في حربنا ضد داعش . اما الخفيفة والثقيلة فتحتاج شغلًا، فالبنية التحتية موجودة، ولكن لا توجد بعض المكائن التي من الممكن بمبالغ بسيطة ان نجلبها او من خلال الشراكات مع بعض الشركات، وننتج، وستوفر لنا مليار دولار سنويا، فما نحتاجه لا يتجاوز الـ 130 مليون دولار، وهذه جدوى اقتصادية جيدة جدا، ولم تكن ترويجًا اعلاميًا فقط، بل موجودة، وصنعنا قنابر هاون وصواريخ 107، وسواعد ابناء التصنيع الحربي قادرة على الانتاج، ولكن تحتاج قرارًا جريئًا شجاعًا ومقاومة كل من لا يريد هذه الصناعة، ومنهم وزراء اعترضوا على الموضوع، وحاولوا ان يسفهوه من خلال بث الشائعات، وجوابي كان واضحا، وما زلت مصرًا عليه في المسؤولية وخارجها: نعم العراق قادر من خلال وزارة الصناعة والصناعات الحربية على انتاج اعتدة، وليس اسلحة.
مربع الشر
واوضح اللاستاذ محمد الدراجي ان مربع الشر هو: الدول التي تصدر للعراق والتجار ومجموعة من السياسيين الذين دخلوا في عمليات فساد ممنهج وبعض اجهزة الاعلام ، فهؤلاء اذا ما اشتغلوا ضد اي شخص سيعرّضونه الى ضغوط مهولة، مثل الذين يهاجمونه عبر صفحات فيسبوك ويخرجون له لقاءين بالتلفزيون لتسقيطه، والناس يسمعون، ومنها الشائعات التي تعرضنا لها، لاننا تجاوزنا خطوطهم الحمر في وزارة الصناعة، هناك جهات سياسية كاملة لديها جهات اقتصادية تشتغل لهم.
حفل توقيع الكتاب
وبعد ان طرحت العديد من الاسئلة التي انصبت على موضوعات الفساد والدولة الخفية وامكانية معالجة الاوضاع ،والتي اجاب عنها الاستاذ الدراجي بكل اريحية لاغناء مادة المحاضرة قام بحفل توقيع كتابه لمن يرغب من الضيوف ،وقد كان اقبال الضيوف مميزا.