ضيفت مؤسسة الحوار الإنساني بلندن الكاتب الصحفي عبد المنعم الأعسم يوم الاربعاء 13 تشرين الاول/اكتوبر 2021 في أمسية ثقافية تحدث فيها عن واقع الانتخابات العراقية وتوقعات ما ستفرزه من نتائج.
منعم الاعسم ولد في مدينة المحمودية في اربعينات القرن الماضي، تخرّج في دار المعلمين، غادر العراق عام 1978، حصل على ماجستير صحافة من جمهورية رومانيا، أصدر سبعة كتب في التراث والسياسة. كتب عمودا صحفيا يوميا عنوانه (جملة مفيدة) طوال 18 عاما، مُنح جائزة “شمران الياسري للعمود الصحفي” في مهرجان جريدة طريق الشعب السنوي . شغل رئاسة تحرير جريدة الصباح الرسمية ورئاسة النقابة الوطنية للصحفيين، وعمل استشاريا اعلامياً في هيئة الاعلام والاتصالات وفي منظمات مراقبة الانتخابات.
المقدمة
مع انطلاق السباق الانتخابي يوم 10 تشرين الاول/اكتوبر بدأت توقعات النتائج تطرح بشكل شبه رسمي في وسائل الاعلام وعلى منصات التواصل الاجتماعي، بعض الاراء روجت لفكرة مفادها ان الدورة الانتخابية الخامسة تمثل “ظاهرة مفصلية” في تاريخ العراق المعاصر، ويستكمل من طرح هذا التوصيف تبيان اعتقاده بالقول أن معطيات الانتخابات بعد تغيير قانون الانتخابات من نظام القوائم المغلقة او المفتوحة الى نظام الانتخاب الفردي، قلل من سطوة الاحزاب التي امسكت بالعملية السياسية طوال السنوات الماضية، وكذلك التحول من نظام سانت ليغو وطريقة حساب الاصوات القائم على الصوت المتحوّل الذي تحصل فيه الاحزاب الكبيرة على اصوات الخاسرين الى نظام انتخابي تحسب في الاصوات بنظام الصوت غير المتحوّل سيساعد على صعود المستقلين والاحزاب والحركات الصغيرة، يضاف الى ذلك نظام الدوائر الصغيرة المتعددة بدل نظام الدائرة الواحدة ثم نظام الدوائر على عدد المحافظات وصولا الى نظام الدوائر بحسب عدد السكان. لكل تلك الاسباب توقع بعض المراقبيين إن نتائج هذه الدورة الانتخابية ستكون اكثر تمثيلا للواقع السياسي.
مشاكل وحلول
أحد مشاكل الدستور الحالي تمثلت في عدم وجود فقرات واضحة لآلية العملية السياسية في حال استقالة الحكومة، أو تشكيل حكومة مؤقتة تقوم بواجبات الاعداد للدخول في مرحلة جديدة، اذ يخلو الدستور العراقي من مصطلح”حكومة مؤقتة”، وإن استعمال هذا التوصيف مع حكومة مصطفى الكاظمي لم يكن قانونيا بقدر ما كان توصيفا اعلاميا فقط، وكانت بعض الاحزاب في الحكومة والبرلمان تطالب بان تتم حكومة الكاظمي حياتها القانونية حتى شهر ايار/مايو 2022 واجراء انتخابات برلمانية عادية، لكن ضغط الشارع وبعض الفاعلين السياسيين أدى الى اجراء انتخابات مبكرة في تشرين الاول/اكتوبر.
كل تلك المعطيات تم تمريرها بضغط الحراك الجماهيري المطالب بالتغيير، وتحديدا انتفاضة تشرين التي أطاحت حكومة عادل عبد المهدي وأجبرتها على الاستقالة مما دفع البرلمان الى الاسراع في اجراء التعديلات على بعض القوانيين، لكن هذا الامر لايعني باي حال إن مطالب تشرين تتمثل في اجراء انتخابات مبكرة فقط، لان الجو السياسي غير الملائم لاجراء الانتخابات مازال سائدا ،حيث سطوة السلاح المنفلت عن سيطرة الدولة، وتدخل المال السياسي الفاسد في الحياة السياسية نتيجة غياب تفعيل قانون الاحزاب ، بالاضافة الى عمليات القتل والتغييب والتهديد التي طالت الكثير من الناشطيين لمنعهم من المشاركة الحقيقية في التنافس الانتخابي.
وتجدر الاشارة ايضا الى ان الانتخابات البرلمانية المبكرة قد أجريت في ظل خرق دستوري صريح، اذ كان من الواجب اعطاء مدة زمنية كافية يحل فيها البرلمان، وتتحول حكومة الكاظمي الى حكومة تصريف اعمال لتجنب تأثير الكتل السياسية على مجريات الانتخابات الجديدة، إذ حددت المادة 64 من الدستور العراقي آلية دعوة رئيس الجمهورية لاجراء الانتخابات بعد حل البرلمان والتحول الى حكومة تصريف اعمال في غضون شهرين، لكن البرلمان العراقي اجتمع وصوت بالاغلبية على استمرار اعماله حتى يوم 7 تشرين الاول/اكتوبر، أي قبل الصمت الانتخابي بيومين فقط، وقد عزا الكثير من المحللين والمراقبين هذا الاجراء الى تمسك القوى السياسية بمكتسباتها حتى أخر لحظة.
الاستعدادات اللوجستية
المسألة المهمة في ادارة انتخابات 2021 هي تأكيد عدة جهات حكومية وقضائية على الامكانات المادية والرقابية التي توفرت لانجاح هذه الدورة من الانتخابات، كما أشير الى تشكيل مجلس مفوضين تم اختيارهم من سلك القضاء ليدير المفوضية العليا للانتخابات، وقد قدمت هذه الخطوة انطباعا مفاده أن من سيشرف على الانتخبات هم القضاة دون تدخل الكتل السياسية.
إن السمة المسيطرة على الدورة الانتخابية الحالية هي توسع تيار المقاطعة بشكل واضح، فبعد أن شمل 60 بالمئة من الناخبين في الانتخابات الماضية بحسب التصريحات الحكومية، وهي أعلى نسبة عزوف عن الانتخابات منذ 2005، بات الحديث اليوم عن ارتفاع نسب المقاطعة، بالاضافة الى تأطير هذا الفعل سياسيا من احزاب وتيارات وتنسيقيات طرحت افكارا لتأطير رغبات الشارع المقاطع الذي أحس بالخذلان وانسداد الافق وعدم امكانية حصول التغيير عبر آليات التنافس الانتخابي، وقد تشكلت جبهة سياسية من احزاب وحركات وتنسيقيات انتفاضة تشرين التي قاطعت الانتخابات، وطرحت نفسها كمعارضة على ارض الواقع، ولم يعد فعل المقاطعة اجراء سلبيا فقط، بل تحول بفعل هذه القوى الى خطوة قد تعقبها خطوات من الاحتجاج والاضراب قد تهدد الحكومة القادمة كما حصل مع حكومة عادل عبد المهدي.
المرجعيات الدينية الشيعية ممثل بمرجعية السيد السستاني في النجف، والمجمع الفقهي الذي يمثل اعلى مرجعية سنية في العراق دخلت على خط الحث على المشاركة في الانتخابات مع اعطاء نصائح بحرمة بيع البطاقات الانتخابية، ووجوب اختيار الاصلح بين المرشحين ممن لم تتلوث ايديهم وسمعتهم بصفقات الفساد، لكن هذه المسألة ايضا لم تكن جديدة، إذ طالما دعت المرجعيات الدينية الشارع المغلوب على امره، والذي يشارك في صنع مأساته احيانا الى الفعل الايجابي، لكن النتيجة كانت عملية تدوير للوجوه الفاسدة طوال عقدين من الزمن حتى وصل حال البلد الى مديات غير مسبوقة من التردي.
التوقعات والنتائج
توقعات المراقبيين وبعض المراكز البحثية التي أجرت استبيانات حول نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية الاخيرة طرحت صورة لاتختلف كثيرا عن سابقاتها من الدورات الانتخابية التي افرزت برلمانات وحكومات متعثرة طوال عمر العملية السياسية العراقية، اذ توقعت الاستبيانات ان تحصل الكتل الشيعية الابرز على الحصص الاكبر في البرلمان، وهذه الكتل هي : كتلة التيار الصدري بقيادة مقتدى الصدر، وكتلة الفتح بقيادة هادي العامري التي تمثل صوت الفصائل الولائية القريبة من ايران، وكتلة دولة القانون بقيادة رئيس الوزراء الاسبق نوري المالكي الذي يسعى للحصول على ولاية جديدة لرئاسة الحكومة بدعم من كتلة الفتح، يضاف لهذه الكتل بعض الكتل الصغيرة والمرشحين المستقليين الذين يتوقع المراقبون انهم سرعان ما سينضوون تحت مظلة الكتل الكبيرة في الاجتماعات الاولى للبرلمان الجديد.
أما أبرز الكتل السنية المتنافسة في هذه الدورة الانتخابية فهي كتلة “تقدم” الناشطة في محافظة الانبار بقيادة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، تنافسها كتلة “عزم” بقيادة خميس الخنجر والمؤتلفة مع كتلة فتح الشيعية، ينافسها في محافظة صلاح الدين حزب الجماهير بقيادة احمد الجبوري، بينما مثلت كتلة “متحدون” بقيادة رئيس البرلمان الاسبق اسامة النجيفي ابرز القوى السنية في محافظة نينوى.
المشهد الكردي هذه المرة إنقسم الى كتلتين انتخابيتين الاولى كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود البارزاني، وهو الحزب الاقوى في مدن اربيل ودهوك التي تمثل مناطق نفوذ الحزب التاريخية، بينما أتلف حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة ابناء جلال الطالباني مع حركة التغيير الكردستانية لتشكيل تحالف كردستان الذي ينشط بشكل واضح في مدن السليمانية وكركوك.
الشيء الجديد على المشهد الانتخابي العراقي هذه المرة كان مشاركة بعض الاحزاب والحركات التي انبثقت من حراك تشرين في بغداد ومدن الجنوب والوسط، إذ إشتركت ثمان كيانات في الانتخابات الاخيرة، وبرغم زخم شارع تشرين الدافع باتجاه تشكيل احزاب تبلور مطالبه وتعمل على الوصول الى البرلمان لايصال صوت المطالبين بالتغيير، إلا إن التوقعات الاولية تشير الى عدم حصول هذه الحركات إلا على بضعة مقاعد قد لا تتجاوز أصابع اليد، وذلك بسبب حراك تيار المقاطعة الواسع الذي طغى تأثيره ودفع باتجاه النأي بالنفس عن اعطاء شرعية للاحزاب الفاسدة والمشاركة في تدوير وجوه الفساد الكالحة مرة اخرى.