
ما هي الابعاد الحقيقية للازمة اللبنانية؟
هل هي ازمة نظام انتهت صلاحيته كما يقول البعض؟
ما دور الخارج والازمات الاقليمية في الوطن الصغير؟
هل هي الطائفية ومفاعيلها السلبية؟
وهل تكون الدولة المدنية حلا لعقدة الطائف وصراعات الطوائف؟
جرى ماء كثير تحت جسر الازمة الحكومية في لبنان. وقال الاطراف ما يريدون قوله، واجتهد المحللون في التفسير والتعليق. والجدل حول الشأن اللبناني ليس جديدا. فهنا ساحة مفتوحة لتقاطع الاحداث والصراعات. وبالتالي فكل الاحتمالات واردة، وكل التحليلات تجد نصيبا من القبول.
ولكن ذلك لا يعني ان كل ما قيل صحيح او منطقي وواقعي. بل ان الكثير مما اعلنته القوى السياسية نفسها قد لا يعبر عن حقيقة الصراع، بل هو جزء من الحملات الاعلامية التي تستهدف التحشيد الشعبي، وتستقطب الردود على الردود، وتبقي جانبا اساسيا من الحقيقة طي الكتمان لأسباب سياسية، وتكتيكات مرحلية.
ولعل المانشيت الاكبر الذي جرى تداوله في الاوساط السياسية والاعلامية لتبرير التمسك بحقيبة المال في الحكومة العتيدة التي يجري البحث فيها على خلفية المبادرة الفرنسية، هو تأمين التوازن في واجهة الحكم، او ما سمي الميثاقية. وهو مطلب يمكن تفهمه في نظام فيدرالية الطوائف القائم في لبنان. ومن حق شريحة كبيرة ومؤثرة وفاعلة، تحملت العبء الاكبر ودفعت دون غيرها كلفة حماية لبنان، ان تبحث عن ضمانات لدورها السياسي.
فالثنائي (حزب الله وحركة امل) يمثل شريحة اجتماعية، غالبيتها من لون طائفي واحد، ولكنها تجمع ضمن تحالف وطني عريض حول المقاومة، اقليات كبيرة ووازنة من مختلف الطوائف، وقوى سياسية قومية وعلمانية ووطنية عريقة ومهمة على الصعيد الفكري والسياسي. وهذا الثنائي ببعده الوطني قدم الاف الشهداء وعشرات الاف الجرحى لتحرير الارض من الاحتلال الاسرائيلي وضمان الامن الداخلي وفي مواجهة الارهاب الاقليمي الذي اجتاح دولا عديدة في المنطقة.
وبالتالي ان يقول هذا الفريق ببعديه السياسي والاجتماعي، وبإنجازاته ودوره، انه يريد ان يكون شريكا في القرار الوطني، او ان يسجل حضوره في واجهة لبنان السياسية وعلاقاته الخارجية، امر مشروع ويعبر عن حقيقة لبنان ومكانته وحضوره الاقليمي، خاصة ان ذلك لا يمس الدستور ولا يحدث تغييرا في اتفاق الطائف.
في المقابل فان الذرائع التي يسوقها الطرف الاخر لتبرير انتزاع وزارة المال واعادتها الى كنف التداول، ومنع احتكار السلطة في المواقع الوزارية والادارية، وضخ دماء جديدة في شرايين الحكومة، واستحداث منهجية حديثة ومتطورة للعمل الحكومي.. هذه ايضا شعارات صحيحة ويجب النظر فيها.
فاذا اخذنا بظاهر الامور، ودون الغوص في النكد السياسي، وكلام الحق الذي يراد به الباطل، وطبيعة القوى التي تزعم الرغبة في التغيير، وهي نقيضه في الواقع، وفصلنا الهدف عن ادواته وهو محال في السياسة. اذا تجاوزنا كل ذلك فنحن في مواجهة معادلة تقول: ان هناك امرين صحيحين يتناقضان وينفي احدهما الاخر.
وهذا محال.. فكيف ذلك؟
حل هذه المعضلة المنطقية ان الحقيقة في مكان اخر!! وان ما يجري الصراع حوله هو في هامش الازمة.. اذن لا بد من البحث عن الحقيقة في مكان اخر. وهذه نصيحة لكل الباحثين عن لعب دور الوسيط او فهم الاحجية اللبنانية. فالطرفان المعنيان لا يكذبان في خطابهما الاعلامي، ولكنهما يخبئان الحقيقة ويفضلان هذا الصراع المر، لانها اشد مرارة واكثر ايلاما.
الحقيقة المرة ان موقف الثنائي رد فعل على الحكومة ذاتها وليس على وزارة فيها. وقلق الثنائي هو من الطريقة العجيبة الغريبة التي اعتمدها الرئيس المكلف في اعداد وجبة ستقدم للجميع ليأكلوا منها مرغمين. فهو شخصية مجهولة واختياره تم بطريقة غير طبيعية وهو مصر على العمل في الظلام.
ولا احد يعرف برنامج عمله او مشروعه السياسي وخلفيته الفكرية.. كل شيء يجري في العتمة.. وهو ما اطلق الوساس وعوامل القلق لدى جميع اللبنانيين. ليأتي اصراره على انتزاع وزارة المال عنوة، واشدد على كلمة عنوة، ليطرح علامات استفهام حول الرغبة في ابعاد الثنائي المقاوم عن دائرة التأثير والمشاركة.
والتفسير البديهي لمثل هذه الحركة التي يجري اعدادها في الظلام، انها استجابة للطلب الاميركي! ولكن لماذا يصر الاميركي على ابعاد الثنائي معا وهو في العادة يستثني احد طرفيه لاسباب تكتيكية؟
لم يعد هناك مجال للشك ان الاميركي يقنص على ملف ترسيم الحدود البحرية مع كيان الاحتلال، ويسعى لجر لبنان الى دائرة التطبيع تحت الطاولة في موسم التطبيع العلني الذي اعلنته الادارة الاميركية في الفترة الاخيرة. هذا الملف الذي يمسك به ويديره الرئيس نبيه بري. وليس سرا ان ادارة هذا الملف بالطريقة التي اعتمدها الرئيس بري ازعجت الاميركيين ازعاجا لا نظير له، واحبطت كل الاعيبهم وامانيهم ومحاولاتهم لتقديم خدمة للصهاينة على حساب لبنان.
وارتفعت درجة القلق لدى الثنائي من ان القرار الاول لحكومة العتمة والدهاليز هو سحب ملف ترسيم الحدود وتوقيع صفقة مع الجانب الاميركي، تحقق له امانيه المكبوتة، والتي عجز عن تحقيقها في الاشهر الماضية رغم المحاولات الحثيثة للمبعوثين الاميركيين.
والجانب الاميركي لا يخفي اهتمامه بحل عقدة ترسيم الحدود البحرية وقسمة الثروة الكامنة في البحر من الغاز والنفط بين لبنان والكيان الصهيوني بحيث يستقطع ما يزيد على 860 كيلومترا مربعا من المياه الاقليمية اللبنانية. اضافة الى اصرار الجانب الاميركي على منع عودة النازحين السوريين وتوطينهم مع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، مقابل اسقاط الديون اللبنانية وحل ازمته المالية.
فوزارة المالية كانت بروفة لجس النبض، وقياس قدرة الثنائي على المواجهة، والجرأة على تحدي الارادة الدولية، كما يسمونها، والمصلحة الوطنية التي يتسترون بها، وتحمل تبعة تعطيل الحكومة وتسهيل وصول الدعم المالي الغربي، بحسب ما يجري تداوله في الضخ الاعلامي. ونجاحهم في السطو على وزارة المالية يمهد لسحب ملف الترسيم والتوطين. وهذا هو الشق الخارجي للازمة.
السبب الثاني هو الكشف عن ان الحكومة لا تتشكل بحسب مندرجات المبادرة الفرنسية، فرئيس الحكومة المكلف ليس من يشكل الحكومة، ولا من يقترح الشعارات التي تطلق اليوم كقنابل دخانية للتعمية على الفريق الفعلي للتوجيه والارشاد، بل هناك محاولات اختراق اميركية، لدس بنود من مشروعها وتفخيخ الحكومة بها.
وليس سرا ان الثقة مفقودة تماما بين اللبنانيين. وهنا تكمن الازمة الحكومية الراهنة في شقها الداخلي، وهي ازمة وطنية اكبر بكثير من كونها ازمة سياسية عابرة، او تنازعا على السلطة، او المراكز، او النفوذ. ان جوهر هذه الازمة يكمن في عدم الثقة والتوجس بين الفرقاء اللبنانيين.
ان واحدة من اكبر ازمات النظام اللبناني، على كثرتها واهميتها، ان مؤسساته الدستورية، وقوانينه، لم تعد تشكل ضمانة لمواطنيه واحزابه ومكوناته. كما ان قمة فساد الطبقة السياسية وجرائمها انها افرغت الدستور والقانون من محتواهما، وبات الافراد هم مؤشر السلطة والحقوق والواجبات.
وبات على اللبنانيين، افرادا وجماعات، ان يبحثوا عما يضمن حقوقهم خارج المؤسسات. لقد سقط النظام واصبح عبئا على من يتولى السلطة فيه. ومن العبث واضاعة الوقت محاولة اصلاحه ونفخ الحياة فيه. والحرص على مستقبل اللبنانيين يقتضي الشروع فورا في البحث في تأسيس جديد للدولة والنظام السياسي.
دعوات التغيير
هذه الحقيقة باتت على كل لسان ولو بأساليب مختلفة. وكثيرون من الطبقة السياسية يطالبون صراحة بضرورة احداث تغيير في النظام السياسي.. عطفا عن القناعة العارمة في الشارع والقوى الشعبية التي يئست تماما من اي دعوة للاصلاح، بعد التجارب المريرة والفاشلة في هذا الصدد.
وآخر هذه التجارب تمثلت بالدعوات المتعددة المصادر للاصلاح، والتي حمل لواءها تنظيمات المجتمع المدني والقوى اليسارية والمقاومة واطراف وازنة من احزاب السلطة.. بل ان رموز النظام الذين توالوا على السلطة منذ ثلاثين عاما صاروا دعاة اصلاح ومحاربة للفساد.
وتحولت هذه الدعوات الى شعارات سياسية يومية بعد ان تضمنها خطاب الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون ومبادرته في لبنان، ودعوته الصريحة للاصلاح ووضع حد للفساد المستشري كشرط قبل ان يتمكن المجتمع الدولي من مد يد الانقاذ للبنان، ووقف دورة الافلاس والانفجار الكامل.
وفي خضم هذه الدعوات بدأنا نسمع من جديد بالدعوة الى الدولة المدنية..
الدولة المدنية هي الحل!
ودون ان يحتكر هذه الدعوة، كان ابرز من جاهر بها من القوى السياسية ممثلو الطائفة الشيعية. ففي خطابه في الذكرى الثانية والاربعين لتغييب الامام موسى الصدر، طلب رئيس مجلس النواب نبيه بري من جميع الأطراف السياسية ملاقاة حركة أمل على بعض العناوين، وأهمها دولة مدنية وإنشاء مجلس الشيوخ واستقلالية القضاء.
وهي ليست المرة الاولى التي يدعو فيها رئيس مجلس النواب للدولة المدنية. فقد كرر ذلك لمرات عديدة ومنذ سنوات طويلة، كان اخرها في دردشة مع الاعلاميين في منتصف اغسطس اب الماضي حيث اكد ان “لا حل ولا خلاص للبنان إلا بأن يمتلك الجميع جرأة وشجاعة الذهاب نحو الدولة المدنية، فخلاص لبنان لا يكون إلا بالإقدام على هذه العملية الجراحية الدستورية”.
وقال انه: “من الخطأ ان يعتقد أحد ما ان هذا الطرح ليس أوانه اليوم، بالعكس هذا كان يجب ان يتم قبل عشرين عاما، وليس خافيا ان موضوع الدولة المدنية كان قد طرح على طاولة الحوار وحظي بموافقة جميع الاطراف، وحينها تم الاستمهال ليومين، يعود طرفان من اطراف الحوار ليتراجعا لأسباب أجهلها”.
وأضاف الرئيس بري: “كل ذلك منسجم مع الدستور وخاصة المادة 22 منه والتي تتحدث عن انتخاب مجلس للنواب وطني، ومجلس للشيوخ تتمثل فيه العائلات الروحية وتنحصر صلاحياته بالقضايا المصيرية”.
وحتى لا يكون الامر مجرد مناورة سياسية، تدخلت المراجع الروحية للطائفة الشيعية لتؤكد القناعة بهذه الدعوة. فخرج المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان عبر أثير اذاعة لبنان للمطالبة “بدولة مدنية، دولة مواطنة على مستوى الوظيفة وقانون الانتخاب خارج القيد الطائفي ومجلس النواب والحكومة وموقع الرئاسات”.
وبرر المفتي قبلان ذلك بتواتر الأزمات الخطيرة والفتن المدمرة في بلد محكوم بالطائفية والأحقاد والانقسامات التي مزقت شعبه، وتكاد تدمر هذا الكيان وتحوله مرة أخرى إلى خطوط تماس، وإلى مشاريع فيدراليات.
العودة الى فكر الامام الصدر
لقد فشلت كل المحاولات لارساء نوع من العدالة بين الطوائف، وانتهت الى تجارب فوضوية يتقاسم فيها زعماء الطوائف السلطة، على حساب القانون والعدالة والامن، واذا اختلفوا اسقطوا البلد في الانقسام وانحلال الدولة والحرب او الازمات، التي ادى تواترها الى تحلل الدولة وهيبة السلطة.. والاسوأ من ذلك انهم في صراعاتهم على المكاسب والمنافع والنفوذ، لم يوفروا مصدرا للدعم الا واستجلبوه، مما وفر مدخلا واسعا للاستقواء بالخارج والتدخل الاجنبي في تفاصيل الشؤون الداخلية.
وهكذا يزداد البلد ضعفا ويتدنى مستوى الشعور الوطني، ويعم الخلاف على البديهيات، ويتحول اغلب الفرقاء السياسيين والطوائف الى مجرد ادوات للقوى الخارجية الفاعلة.
وهذا ما سبق ان استدركه الامام السيد موسى الصدر منذ بدء حركته في لبنان في ستينات القرن الماضي، ومواجهته للحرب الاهلية عام 1975.. وحينها بدت مواقفه وشعاراته ثورية وغير معتادة في الشارع الاسلامي كما على الصعيد الوطني.
فقد حرم الصدر الحروب الداخلية ودعا الى الحوار على كل المستويات، في حين شرَّع الاستعداد لحماية الحدود ومواجهة الاطماع الاسرائيلية، واسس للمقاومة التي تكون رديفا للجيش وعضيدا له. وانطلق الامام الصدر من مفهوم الانتماء الوطني للشيعة الذين كان النظام السياسي الطائفي يعاملهم بتمييز واضح وتهميش على المستويين السياسي والديني.. فعمل على تكريس المساواة بين الطوائف، وانشاء المجلس الشيعي الاعلى كهيئة جامعة اسوة ببقية الطوائف اللبنانية. الا انه لم يفعل ذلك من باب الصراع بل كانت الوحدة الوطنية بالنسبة اليه هي الاساس، وهي غير ممكنة من دون تغليب ما هو مشترك بين اللبنانيين واعطاء الاولوية لهذا المشترك.
وقد تعامل مع الحرب الاهلية المستعرة حينها على هذا الاساس. فكان داعية الوحدة الوطنية، ووسيلته الى ذلك هي الحوار، الذي مارسه على مستويين متكاملين: الحوار الاسلامي الاسلامي، والحوار المسيحي الاسلامي. وأراد للنظام السياسي في لبنان أن يراعي التنوع، وشمولية التمثيل، مع الحفاظ على الوحدة الوطنية وصيغة العيش المشترك.
ذلك ان الامام الصدر ادرك أن أي تغيير عميق في النظام اللبناني يستحيل أن يقتصر على طائفة واحدة.. فالتغيير عمل وطني يصبح ممكنا بقاعدة وطنية عريضة، اساسها المحرومون في كل الطوائف.
ولهذا فقد اسس حركة المحرومين دون ان يعطيها الصبغة الطائفية، والتي تحولت الى مرجعية لكل المهمشين في البقاع وعكار والجنوب، وفي احزمة البؤس حول العاصمة.
وبهذا المعنى كان الامام يدرك أخطار الطائفية على مشروعه. ولذا كانت مساهمته الأساسية في اطلاق حملة الحوار المسيحي الاسلامي، وحاضر في الكنائس كما في المساجد، مشددا على ان الدين في جوهره واحد غايته بناء الانسان وازالة الحواجز التي نصبتها عوالم مفتعلة يبرأ منها دين الله الحق. وهكذا كان تركيز الامام الصدر على انه ’’عندما نلتقي في الله تكون الاديان واحدة. وخدمة الانسان هي الطريق الى الله وان القاسم المشترك بين المسيحية والاسلام هو الانسان”.
من هنا كانت الشعارات التي اطلقها السيد موسى الصدر الى “دولة المواطنة” التي تلغي السقوف المتعددة للمواطنية وللمناطق التي اُقيمت عليها دولة الطوائف السياسية.. ودولة المواطنة بحسب التوصيفات التي قدمها لها السيد الصدر تعني في العمق “الدولة المدنية” حيث يتساوى المواطنون في الحقوق والواجبات ويتم استبعاد العامل الطائفي والسياسي منها.
وايمانا منه بأن هذه الدولة لا تقوم بالصراع بل بالحوار وبقناعة جميع مكونات الدولة، راح السيد الصدر يروج لنظريته في الاسواط الشعبية والنخبة الثقافية ونسج خيوطا من العلاقة مع رموز من المجتمع المدني من مختلف الطوائف اللبنانية الذين لقيت دعوته قبولا عندهم، ومن بينهم المطران غريغوار حداد والمطران جورج خضر والدكتور حسن صعب والاب يواكيم مبارك. وجرت نقاشات واسعة ومعمقة حول مفهوم القيم المدنية في “الندوة اللبنانية”.
كل ذلك من ضمن ادراك الامام لاهمية الصيغة اللبنانية، وخصوصيتها التي تعني في ما تعنيه “التمسك بوحدة لبنان وانسجامه مع المنطقة وصيانة كونه امانة للحضارة العالمية”.
ولم يتسن لدعوة الامام الصدر للدولة المدنية ان تتحقق في سبعينات القرن الماضي، لأسباب من اهمها:
1- حدة الانقسام العامودي في المجتمع اللبناني ابان الحرب الاهلية.
2- تأثيرات واشكاليات وجود الفصائل الفلسطينية المسلحة، وانعكاسات الصراع مع الكيان الصهيوني.
3- كثافة التدخلات الاجنبية، وحدة الاستقطاب في الصراعات الاقليمية والدولية.
4- تغييب الامام موسى الصدر عن الساحة قبل ان يستكمل مهمته، بمؤامرة غامضة وغريبة، لم تتضح خيوطها بعد، وان كان الاعتقاد السائد ان مواقفه الرافضة للحرب الاهلية والصراع الداخلي وسعيه لنشر ثقافة التسامح والاعتدال، كانت سببا في اخفائه ومحاولة قتل افكاره.
عود على بدء
لقد شهد لبنان خلال الفترة التي مرت على تلك الافكار الى اليوم الكثير من الاحداث. قوى سياسية غابت وقوى اخرى حضرت. احتلالات عسكرية مباشرة حكمت لبنان واندحرت جميعا بقوة المقاومة الشعبية. مؤتمرات للتسوية ومظلات عربية ودولية. واتفاقات ودستور جديد.. واجيال من اللبنانيين ولدت.. والمنطقة انقلبت رأسا على عقب..
وشيء واحد ظل ثابتا: النظام الطائفي وازماته وفساده.
واللبنانيون اليوم يعودون الى النقطة التي غادرهم فيها السيد موسى الصدر، وهو يردد، مخاطبا المسؤولين والطبقة السياسية والدينية الراعية للنظام الطائفي: “اعدلوا قبل ان تبحثوا عن وطنكم في مزابل التاريخ”.
فالشيء الوحيد الذي يتفق عليه اللبنانيون اليوم هو التهديد الوجودي لكيانهم، وان الازمة المتفاقمة قد تفضي الى انهيار الدولة، وتمزق المجتمع، وانفراط عقد الوحدة الوطنية.
ولا مبالغة في ذلك. اذ عادت الدعوات الى التقسيم، والمجاهرة بعدم قدرة الاطراف على التعايش، والخلاف يتوسع ليشمل كل شيء حتى لتكاد تغيب النقاط المشتركة.
كل ذلك يجري في غياب الوسيط المحلي او الاقليمي او الدولي. فالانقسام والاستقطاب عم الجميع. بل ان التدخلات الخارجية ومواقف بعض القوى الاقليمية تسعر الخلافات وتنفخ في نارها، وتقتل اي فرصة للتلاقي والحوار بين اللبنانيين.
وما يزيد الطين بلة ان التدخل الاميركي بلغ من الانحياز والتدخل في شؤون المنطقة حدا غير مسبوق، بحيث اصبح لاعبا فعليا على الساحة اللبنانية يشترط ويعاقب ويحاصر، ويحدد شكل الحكومة وسياساتها، بعد ان تحكم باقتصاد البلد وافلس خزينة الدولة وخرب اقتصادها.
في هذه الاجواء السوداوية وفي غياب الحلول التسووية للازمات، تطرح من جديد ازمة النظام العاجز عن معالجة صراعاته وازماته، والمتهالك امام الظروف الضغوط الاقتصادية والسياسية.. عاد البعض الى فكرة الدولة المدنية، لتجنب تفجر الحروب الطائفية من جديد.
والذين يبشرون بهذه الدعوة يعتقدون:
أولاً: باستحالة إصلاح النظام السياسي من خلال التوازنات الطائفية.. بل لا بد من صيغة عابرة للطوائف والمذاهب والأحزاب، تعيد تأسيس الدولة والنظام.
ثانياً: لا بديل عن المساواة بين اللبنانيين امام القانون واقامة الدولة على اسس مدنية تضمن العدالة على اساس المواطنة بعيدا عن الانتماء الطائفي والمذهبي.
ثالثاً: اعادة صياغة الاولويات السياسية، والهوية الوطنية، وضرورات حفط السيادة والكرامة والامن والثروة في ظل التهديدات الخارجية المتمثلة اساسا في الاحتلال الإسرائيلي والتهديد الارهابي.
رابعاً: التكافل الوطني والتعاون هي شروط أساسية لبناء الوحدة السياسية الداخلية فيما يجب أن يتوافق اللبنانيون على كيفية رفض التوطين واعادة جميع اللاجئين والنازحين الى بلادهم.
فهل هناك فرصة لنجاح الدولة المدنية اليوم بعد سقوط النظام وفشله في تحقيق الهدف الاولي لأي نظام، في تأمين الامن والحياة الكريمة والاستقرار لمواطنيه؟
هدف دونه معوقات كثيرة وان كان الحل المنطقي الوحيد، اذا اراد اللبنانيون تجاوز المسكنات المرحلية والخروج في دوامة الازمات المتناسلة والدورية.
4- تغييب الامام موسى الصدر عن الساحة قبل ان يستكمل مهمته، بمؤامرة غامضة وغريبة، لم تتضح خيوطها بعد، وان كان الاعتقاد السائد ان مواقفه الرافضة للحرب الاهلية والصراع الداخلي وسعيه لنشر ثقافة التسامح والاعتدال، كانت سببا في اخفائه ومحاولة قتل افكاره.
عود على بدء
لقد شهد لبنان خلال الفترة التي مرت على تلك الافكار الى اليوم الكثير من الاحداث. قوى سياسية غابت وقوى اخرى حضرت. احتلالات عسكرية مباشرة حكمت لبنان واندحرت جميعا بقوة المقاومة الشعبية. مؤتمرات للتسوية ومظلات عربية ودولية. واتفاقات ودستور جديد.. واجيال من اللبنانيين ولدت.. والمنطقة انقلبت رأسا على عقب..
وشيء واحد ظل ثابتا: النظام الطائفي وازماته وفساده.
واللبنانيون اليوم يعودون الى النقطة التي غادرهم فيها السيد موسى الصدر، وهو يردد، مخاطبا المسؤولين والطبقة السياسية والدينية الراعية للنظام الطائفي: “اعدلوا قبل ان تبحثوا عن وطنكم في مزابل التاريخ”.
فالشيء الوحيد الذي يتفق عليه اللبنانيون اليوم هو التهديد الوجودي لكيانهم، وان الازمة المتفاقمة قد تفضي الى انهيار الدولة، وتمزق المجتمع، وانفراط عقد الوحدة الوطنية.
ولا مبالغة في ذلك. اذ عادت الدعوات الى التقسيم، والمجاهرة بعدم قدرة الاطراف على التعايش، والخلاف يتوسع ليشمل كل شيء حتى لتكاد تغيب النقاط المشتركة.
كل ذلك يجري في غياب الوسيط المحلي او الاقليمي او الدولي. فالانقسام والاستقطاب عم الجميع. بل ان التدخلات الخارجية ومواقف بعض القوى الاقليمية تسعر الخلافات وتنفخ في نارها، وتقتل اي فرصة للتلاقي والحوار بين اللبنانيين.
وما يزيد الطين بلة ان التدخل الاميركي بلغ من الانحياز والتدخل في شؤون المنطقة حدا غير مسبوق، بحيث اصبح لاعبا فعليا على الساحة اللبنانية يشترط ويعاقب ويحاصر، ويحدد شكل الحكومة وسياساتها، بعد ان تحكم باقتصاد البلد وافلس خزينة الدولة وخرب اقتصادها.
في هذه الاجواء السوداوية وفي غياب الحلول التسووية للازمات، تطرح من جديد ازمة النظام العاجز عن معالجة صراعاته وازماته، والمتهالك امام الظروف الضغوط الاقتصادية والسياسية.. عاد البعض الى فكرة الدولة المدنية، لتجنب تفجر الحروب الطائفية من جديد.
والذين يبشرون بهذه الدعوة يعتقدون:
أولاً: باستحالة إصلاح النظام السياسي من خلال التوازنات الطائفية.. بل لا بد من صيغة عابرة للطوائف والمذاهب والأحزاب، تعيد تأسيس الدولة والنظام.
ثانياً: لا بديل عن المساواة بين اللبنانيين امام القانون واقامة الدولة على اسس مدنية تضمن العدالة على اساس المواطنة بعيدا عن الانتماء الطائفي والمذهبي.
ثالثاً: اعادة صياغة الاولويات السياسية، والهوية الوطنية، وضرورات حفط السيادة والكرامة والامن والثروة في ظل التهديدات الخارجية المتمثلة اساسا في الاحتلال الإسرائيلي والتهديد الارهابي.
رابعاً: التكافل الوطني والتعاون هي شروط أساسية لبناء الوحدة السياسية الداخلية فيما يجب أن يتوافق اللبنانيون على كيفية رفض التوطين واعادة جميع اللاجئين والنازحين الى بلادهم.
فهل هناك فرصة لنجاح الدولة المدنية اليوم بعد سقوط النظام وفشله في تحقيق الهدف الاولي لأي نظام، في تأمين الامن والحياة الكريمة والاستقرار لمواطنيه؟
هدف دونه معوقات كثيرة وان كان الحل المنطقي الوحيد، اذا اراد اللبنانيون تجاوز المسكنات المرحلية والخروج في دوامة الازمات المتناسلة والدورية.