صادق الطائي / لندن –
استضافت مؤسسة الحوار الانساني في لندن يوم الاربعاء المصادف 1/10/2014 الاستاذ الباحث صلاح التكمه جي في امسية ثقافية تحدث فيها عن موضوع الارهاب الالكتروني موضحا مديات الحرب النفسية والدعاية الاعلامية للجماعات الارهابية مثل (داعش ) والقاعدة مبينا استثمار هذه الجماعات الارهابية لشبكات التواصل
الاجتماعي مثل تويتر وفيسبوك وكيفية الاستفادة منها لاغراض التجنيد ونشر انماط التفكير المتشدد بين الشباب من خلال دعايتها الاعلامية وتسليط الضوء على تحركها الميداني العسكري .
وقد ابتدأ المحاضر حديثه بطرح سؤال مثل المحور الاساس للامسية وهو : كيف سيطرت (داعش) بهذه السرعة على مساحات واسعة من الارض وفرضت سيطرتها عليها في العراق وسوريا ؟
ويجيب : ولكي نجيب على هذا السؤال ، لابد من ان نفهم الجذر التاريخي لهذه الحركة . ويشير الاستاذ صلاح الى ان الجذر التاريخي لجميع الحركات الجهادية يتمثل في حركة الاخوان التي اسسها آل سعود بالتعاون مع آل الشيخ في القرن التاسع عشر والتي مثلت المادة الخام لجهاديين مقاتلين قامت على اكتافهم عملية تأسيس وبناء المملكة السعودية في الثلث الاول من القرن العشرين .
واضاف الباحث ان العقيدة القتالية والاستراتيجية التي قام عليها فكر الاخوان في السعودية يتحدد في ثلاث نقاط اساسية هي :
1. التمدد : وهذا يعني فيما يعنيه ان ليس هناك حدود لدولة الاسلام التي يسعى الاخوان لاقامتها ، بل هم يعتبرون ان حركة الفتوحات التي تمت في صدر الاسلام نموذجا يحتذون به ، وبالتالي فالدولة متمددة الى المكان الذي تصله حوافر خيولهم ، وهذا ما شكل نواة الصراع بعد ذلك بين الاخوان بقيادة فيصل الدويج والملك عبد العزيز بن سعود ، لأن الأخير كان مضطرا للأذعان لاتفاقية ( سايكس – بيكو) التي رسمت خرائط جيوسياسية جديدة للمنطقة ، وكان على كل حكام المنطقة الجدد الخضوع لهذه الخرائط والا عرضوا انفسهم لغضب بريطانيا والاطاحة بهم . لكن الاخوان لم يتفهموا كيف يمكن لأميرهم ( امير المؤمنين ) ان يخضع لأوامر الكفار ، وهذا ما ادى بأبن سعود الى ان يقاتلهم ، وقد انتصر عليهم وشتت تجمعاتهم وأسس الدولة السعودية على الاسس الحديثة .
2. التكفير : ان المنظومة الفقهية التي أتبعها الاخوان في السعودية قائمة على الفهم المتشدد للاسلام ، هذا الفهم المتحدر من الفقيه ابن قيم الجوزية الحنبلي الى الفقيه الحنبلي ابن تيمية ، الدمشقي المولد والنشئة في القرن الخامس عشر ، الذي عاصر الغزو التتري للامة الاسلامية وصولا الى الفقيه السعودي محمد بن عبد الوهاب الذي سميت الحركة بعد ذلك باسمه ( الوهابية ) ، هذه المنظومة الفقهية القائمة على اخراج المخالف من الملة وبالتالي استحلال دمه وماله وعرضه ، وهذا هو الاساس التي قامت عليه عمليات الجهاد والغزو.
3. الجهاد او الغزو : كانت الاستراتيجية الاخوانية قائمة على التوسع في الجزيرة العربية ومحاولة النفاذ منها الى مايحيطها من البلدان وهذا الامر لا يتم عادة عبر الدعوة السلمية ، بل بعمليات قتالية يغزون فيها مخالفيهم ويدمرون المدن التي يمرون بها ويتركون اهوال اثارهم على اثر القتل والسلب والنهب والاحراق ، وهي استراتيجية عرفت بعد ذلك باسم الصدمة والترويع .
من خلال هذا الاستعراض بين الاستاذ صلاح تكمه جي الجذر التاريخي للحركات السلفية الجهادية التي نشهدها اليوم ، ثم اضاف الى ذلك اثر الوفرة المالية الهائلة التي نزلت على السعودية ابان القفزة النفطية التي حصلت في عقد السبعينيات من القرن الماضي ، هذه الثروة مع توافر شهوة النفوذ السياسي لدى السعودية جعلها تصرف المليارات على الدعوة السلفية في انحاء العالم مما وفر مناخا دعويا عبر المراكز الاسلامية من جوامع ومراكز دعوة في انحاء العالم ثم جاء بعد ذلك دور القنوات الاعلامية ، كل ذلك مثل الارض الخصبة لانتشار الفكر المتشدد المنتشر في عالمنا اليوم .
فعلى سبيل المثال لا الحصر ، يذكر الاستاذ صلاح العراق نوذجا ، حيث لم يكن هنالك وجودا للحركات السلفية على النمط السعودي قبل السبعينات ، لكن الدعم وصل بعد ذلك الى مديات غير مسبوقة كان يتم فيها صرف المليارت من خلال بناء جوامع ومراكز للدعوة كما حصل في مدينة الفلوجة ، اذ بنيت في التسعينات عشرات ذا لم نقل مئات الجوامع والمدارس الدينية لتتحول المدينة بعد ذلك الى بؤرة للدعوة السلفية في العراق ، وقد استغل نظام صدام هذا الانتشار لضرب حركات الاسلام السياسي الاخرى وعلى الاخص الاسلام السياسي الشيعي في العراق مستخدما الدعوة السلفية ثم لم يلبث ان قلب ظهر المجن للسلفيين ونكل بهم بعدما استنفد اغراضه منهم .
ان التطور اللافت الذي حصل في نشر الدعوة السلفية وخصوصا تيار السلفية الجهادية كان في تسعينيات القرن المنصرم بعد الانتصارات التي حققها في افغانستان واجباره المحتل السوفيتي على الخروج من افغانستان بعد ان كبده خسائر كبيرة ، ونحن نعلم ان المجاهدين الاسلاميين في افغانستان كان يقف ورائهم الدعم اللوجستي الامريكي والتدريب الباكستاني والاموال الخليجية ، الا ان الاسلاميين احسوا باهمية انتصارهم على دولة عظمى ، وهذا ما احيا الحلم القديم في التوسع وانشاء خلافة اسلامية في العالم.
يضيف الاستاذ تكمه جي ، ان هذا الحلم اصطدم اول ما اصطدم مع الدول التي انشأته ، وبذلك تحول نشاطه الى نشاطا سريا – تحت الارض – وهنا علم القائمون على امر الجهاديين اهمية التقنيات الحديثة التي بدأت تنتشر في التسعينات ، فقاموا بنشاط غير مسبوق على الشبكة العنكبوتية ، وتركز هذا الامر على انشاء المنتديات الحوارية والدعوية والاعلانية التي تروج لمنجزاتهم وافكارهم وحتى منتديات تعبوية ان جاز التعبير يتم فيها التدريب على الفنون العسكرية والتقنيات الحديثة في الحروب المعاصرة.
في عام 2003 تم اسقاط نظام صدام في العراق من قبل التحالف الذي قادته الولايات المتحدة الامريكية ، وعلى اثر ذلك اصبح العراق ارضا مفتوحة لكل الجهاديين في العالم والذين يتلقون الدعم من مختلف ارجاء العالم لاسلامي تحت غطاء محاربة المحتل الامريكي ، فكانت ولادة تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين الذي تزعمه الاردني ابو مصعب الزرقاوي نتاجا حيا لهذه المرحلة ، حيث استفاد التنظيم الجديد من خبرات العديد من ضباط الجيش والاجهزة الامنية المنحلة من بقايا نظام صدام في العراق ، وبعد الضربات التي وجهت لهذا التنظيم من قبل قوات التحالف ومن قوات الصحوات السنية التي تشكلت في المنطقة التي مثلت حاضنة لهذا التنظيم ، ضعف تنظيم القاعدة في العراق كثيرا وادى مقتل زعيمه ابو مصعب الزرقاوي الى تراجع واضح في نفوذه .
تمت ولادة تنظيم الدولة الاسلامية في العراق من رحم تنظيم القاعدة في العراق ، وقويت شوكة التنظيم بعد بدأ الاحداث في سوريا عام 2011 ليتحول الى تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) وهي مرحلة جديدة من مراحل تطور التنظيمات الجهادية ، هذه المرحلة التي نعيش تداعياتها اليوم ، حيث تغير التنظيم لوجستيا واستراتيجيا بعد سيطرته على مساحات واسعة شرق سورية في المناطق الغنية بالنفط مثل محافظة الرقة وفي العراق مثل محافظة الموصل ، كما انه سيطر على عدد مهم من السدود على نهري دجلة و الفرات ، مما شكل تهديدا جديدا للمنطقة باسرها .
ان التطور الهائل في التقنيات التي اصبحت متاحة اليوم جعلت التنظيم يركز جهده على استخدام هذه التقنيات في الدعاية والترويج لافكاره ، ومحاولة تجنيد الشباب ليس في العالم الاسلامي فقط بل في كل ارجاء العالم ، وقد لاحظ الاستاذ صلاح التكمه جي ان الخط الثاني من قيادات التنظيم هي التي كانت تشرف على النشاط الالكتروني للتنظيم ، وقد تم أنشاء منتديات في كل منطقة جغرافية لمتابعة النشاطات والدعوة والترويج مثل منتدى خراسان وباكستان والصومال والقوقاز والخليج والجزيرة العربية والعراق والشام والمغرب العربي ونلاحظ ن هناك بعض المنتديات المتخصصة مثل منتدى السحاب الذي تخصص بنشر الفديويات التي تصور العمليات العسكرية التي يقوم بها مقاتلو التنظيم ، وقد حصل انتشار واسع للجهاد الالكتروني لهذه التنظيمات فبحسب مراقبين لهذا النشاط اشارت الدراسات ان المنتديات الجهادية كانت بحدود 4800 في عام 2001 اصبحت بعد الانتشار بحدود 13000 منتدى في عام 2003 وهذا مؤشر واضح على تركيز جهود التنظيمات الجهادية على العمل على ما اسموه ( الجهاد الالكتروني) .
لكن القفزة الواضحة في مجال الارهاب الالكتروني جاءت مع شيوع شبكات التواصل الاجتماعي واستخدام الاجيال الحديثة من الهواتف الذكية ، وقد ركز تنظيم الدولة الاسلامية والقاعدة على تويتر تحديدا لكسب الشباب والدعوة الجهادية وذلك لان شبكة تويتر منتشرة بشكل منقطع النظير في دول الخليج التي تمثل الخزان البشري لهذه التنظيمات ، والتي تسعى جاهدة للوصول لهم ونشر فكرها بين اوساطهم ، اذ امتلكت التنظيمات الارهابية ملايين الحسابات على تويتر وعلى سبيل المثال ذكرت شركة تويتر ان 40 الف تغريدة تمت خلال ساعتين بعد عمليات احتلال الموصل تبشر بالانتصارات القادمة .
لقد استخدمت التنظيمات الارهابية شبكات التواصل الاجتماعي لسهولة استعمالها وعدم الاحتياج الى تقنيات او اجهزة كومبيوتر معقدة اذ يكفي هاتف حديث وحساب على تويتر لترتبط باكبرشبكة ارهابية في العالم ، كما ان داعش استخدمت تويتر بذكاء في معاركها الاخيرة عبر نشر شعاراتها في حربها النفسية تجاه اعدائها ، حيث استخدمت الهاشتاك في هذه الشعارات لنشر الرعب والصدمة في نفوس من يقاتلها ، فلقد انتشرت هاشتاكات مثل جئتاكم بالذبح # او منصورين بالرعب # او دولة الاسلام باقية وتتمدد# … وغيرها .
ان تأثير الدعاية في شبكات التواصل الاجتماعي وبعدة لغات اتت بنتائج لافتة في تجنيد شباب غربيين يبحثون عن هدف لحياتهم الفارغة من الاهداف الكبرى او الشباب العرب الذبن يحاولون ان يخرجوا من مأزق حياتهم المليئة بالانتكاسات ، فنحن نشهد انخراط نخب متعلمة مع مقاتلي داعش منهم الطبيب والمهندس والمحامي الذي يتحول الى جهادي وذباح يقطع روؤس المخالفين له .
لقد انتبهت اجهزة المخابرات في العالم كله لهذا الخطر وبدأت معارك حامية في الاوساط الالكترونية من شبكات افتراضية الى شبكات تواصل في محاولة من دول العالم للحد من ظاهرة الارهاب الالكتروني ، الا ان المعركة مازالت حامية الوطيس بين الجهتيين اذ كلما تم حظر او اغلاق حسابات او منتديات للحركات الارهابية يتم فتح العشرات من الحسابات البديلة .
وفي نهاية المحاضرة توجه عدد من الضيوف بالاسئلة والمداخلات الى الاستاذ صلاح التكمه جي الذي اجاب عن الاسئلة مغنيا موضوع المحاضرة .