سناء نعيم بدر ال اطيمش
دكتوراه في الارشاد النفسي والتوجيه المهني والتربوي
ان التوجيه والارشاد قديم قدم الحياة نفسها فقد كان الانسان يطلب الارشاد والتوجيه والمشورة من اخيه الانسان عندما تواجهه صعوبة من صعوبات الحياة اوعندما يريد اتخاذ قرارعاجل من اجل تعديل سلوكه ليصبح اكثر قدرة على التعامل مع الظروف الحياتية،فكانت المشورة والنصيحة تأتي ذاتية تعوزها الدقة والموضوعية ولكنها كانت السبيل الارشادي المتاح. اما التوجيه والارشاد كممارسة علمية ومهنية متخصصة فأن اصوله تعود الى عام (1880) م أستجابة للظروف الاجتماعية والاقتصادية والتغيرات التي حدثت في اميركا في تللك الفترة وماترتب عليها من مشكلات فكان لابد من وجود مراكز متخصصة في التوجيه والارشاد وقد مر الارشاد والتوجيه بعدة مراحل وهي:
اولا: مرحلة التركيز على التوجيه المهني.
ثانيا: مرحلة التركيز على التوجيه المدرسي.
ثالثا: مرحلة علم النفس الارشادي.
ونلاحظ ان هذه المراحل جاءت تباعا”حسب التغيير الحاصل في المجتمع آنذاك ومايتطلبه المجتمع حتى يتجاوز المشكلات التي يتخللها هذا التغيير وكنتيجة لهذه المراحل ظهرت نظريات الارشاد النفسي والتي تثبت افكارا”متباينة احيانا” ومتقاربة احيانا”اخرى في النظرالى شخصية الفرد وفي اسباب اضطرابه وعلاجه مما ادى الى التشعب في موضوعات الارشاد واهدافه وتعدد مجالاته ليشمل كل مجالات الحياة ، فأي مرحلة من مراحل التغيير سواء في شخصية الانسان او في البيئة التي يعيشها يحتاج الفرد في هذه المراحل الى الارشاد والتوجيه . وبما اننا نعيش في العراق حالة استثنائية من حروب وقتل وتهجير فقد خلفت لنا تلك الاحداث جيشا” من الايتام هم بأمس الحاجة الى الرعاية والتوجيه سواء في المدارس او في باقي المؤسسات لذا فاني اطالب معاليكم من خلال تخصصي بالإرشاد النفسي والتوجيه التربوي ان تعيدوا النظر في هيكلية الارشاد في وزارة التربية وتفعيله لما لهذا الاختصاص من دور فاعل في تهيئة النشئ الجديد والارشاد والتوجيه لمن هم في حاجة اليه سواء الطلبة او الهيئات التعليمية او حتى المؤسسات كافة فلا يخفى على معاليكم ان الارشاد والتوجيه يدخل في جميع مجالات الحياة ومن خلال عملي واحتكاكي المباشر مع المرشدين التربويين.أستطيع القول بأن واقع المرشد التربوي في العراق بائس جدا ومع الأسف.فالمرشد التربوي لديه معاناة كثيرة جدا .وفيما يلي سأعرض لكم أسباب هذه المعاناة وسأقترح على معاليكم المقترح الذي قد يخفف منها أو يزيلها,والتي تحتاج إلى تكاتف الجهود من جميع المعنيين في وزارة التربية ومن كل الاختصاصيين في حقل الإرشاد النفسي وذلك لتطوير وتفعيل دور الإرشاد النفسي والصحة النفسية ::
1) لا يوجد لحد الآن توصيف وظيفي للمرشد التربوي في العراق وهذه المشكلة تسبب للمرشد معاناة كبيرة بالتعامل مع إدارات المدراس وكل المعنيين والنظرة الدونية له.فتارة يوضع مع العاملين في المدرسة وتارة مع الموظفين وتارة مع معاوني المدرسة وهذا التخبط يسبب إرباك للمرشد .لذا أقترح إيجاد التوصيف الوظيفي الصريح للمرشد والذي يليق به أسوة بزملائه المدرسين فكلاهما حاصل على شهادة البكالوريوس.بل وقد يكون المرشد حاصل على شهادة أعلى من كل المعلمين في المدرسة وهذا فيما يخص المدراس الابتدائية.
2)هناك خلط كبير بين (المرشد التربوي) وبين (المشرف التربوي) و(مرشد الصف) لحد الآن والكارثة هناك اختصاصيين بوزارة التربية لا يفرقون بينهم والسبب هو التقارب الكبير بين الالفاظ لغويا..ففي كل دول العالم كان يطلق على المرشد ب(المرشد الطلابي)لأنه يتعامل مع الطلبة, ولكن هذه التسمية تغيرت مؤخراً.فأخذوا يطلقون على المرشد (المرشد المدرس) لأن المرشد لا يتعامل مع الطلبة فقط وإنما مع كل العاملين في المجال التربوي من (إدارة ومدرسين وعمال وموظفين وأولياء أمور ومع كل الموارد البشرية المتاحة) وهذه التسمية موجود بكثير من الدول العربية وكل الأدبيات الأجنبية الحديثة تطلق عليه (المرشد المدرسي).لذا أقترح إما أن نكون أسوة بالدول العربية, أو نطلق عليه اسم (المرشد النفسي) أو (المرشد النفسي والتربوي) أي نقدم كلمة نفسي حتى يتسنى لنا التفريق بين اللفظين
3) لاحظت أن المشرفين على المرشدين التربويين يركزون على الجانب النظري لعمل المرشد لا على الجانب التطبيقي وهذه أيضا كارثة..لان المشرف يثقل كاهل المرشد بعمل لوحات ونشرات وملصقات بدلا من أن يبحث معه واقع المشكلات وماهيتها وما السبل لعلاجها …لذا اقترح إما تخصيص نثرية للإرشاد التربوي ليتسنى لهم عمل بوسترات وجداريات .أو وزارة التربية هي التي تصمم وتنفذ تلك البوسترات والجداريات ويتم وتوزيعها على المداس كافة ولكي تكون موحدة.على شرط من يصمم وينفذ هذه الجداريات من ذوي الاختصاص في الإرشاد النفسي. كما أن المشرفين على الإرشاد في البعض من المديريات العامة هم ليسوا من اختصاص الإرشاد النفسي بل من اختصاصات مقاربة(علم النفس- علوم نفسية وتربوية) وهذه تعد مشكلة كبيرة .لذا أقترح أن يكون المشرف على الإرشاد من ذوي الاختصاص الدقيق في الإرشاد النفسي والتوجيه التربوي ولاتخلوا وزارة التربية من حملة الشهادات العليا في هذا الاختصاص لذا اقترح على معاليكم ان يحول حملة الشهادات العليا من ذوي اختصاص الارشادالنفسي ان يحولوا الى الاشراف التربوي في هذا الاختصاص.
4) أغلب إدارات المدارس ومع كل أسف لحد الآن لا يعرفون مهام المرشد بالضبط .والطامة الكبرى أيضا هناك مرشدين أنفسهم لا يعرفون مهامهم.فتارة يكون معاون وتارة يكون كاتب وتارة محاسب.لذا أقترح وضع مهام المرشد بكراس صغير وتوزيعه على إدارات المدارس للتعرف على مهام المرشد بالضبط من قبل ( المرشد وإدارة المدرسة والهيئة التدريسية والمشرفين).
5) لاحظت شيء مهم جدا وهو إجراء دراسات وبحوث مستفيضة عن الإرشاد وعن الطلبة بكل المراحل في الجامعات العراقيةوهناك رسائل و أطروحات لا تعد ولا تحصى ونتائج بحوث قيمة وبرامج إرشادية لعلاج وتنمية الكثير من المتغيرات .ولكن أين المرشد منها؟ أيسمع عنها ؟أم يطلع عليها؟ لذا اقترح تزويد المرشد التربوي بالبرامج الإرشادية الموجودة بكل الأطروحات والرسائل والبحوث للاستفادة منها في علاج المشكلات بدلا من أن يكون العلاج عشوائيا,كذلك تزويد المرشد بالمقاييس التربوية والنفسية ليتسنى له قياس الظواهر.كما أقترح تزويد المرشد التربوي بهوية مكتبية ليتسنى له دخول المكتبات والإطلاع على كل ما هو جديد بمجال اختصاصه والاختصاصات المقاربة وهذه مهمة معهد التدريب والتطوير التربوي والذي يختص بادارة دورات تدريبية للمرشدين الجدد ودورات تنشيطية للمرشدين ذوي الخبرة وهذه الدورات ايضا بحاجة لدراسة علمية حتى لاتدخل ضمن الاهدار حيث ان اغلب الدورات تفتقر للدراسة العلمية وبالتالي تكون هدرا”في المال والوقت.
6) نفتقر إلى الحوافز الفردية التي تشجع المرشد على العمل بنشاط وحيوية وبشكل انفرادي وعلى الانتاجية.كما وتشجع على التفكير المبدع وعمل البحوث والمشاركة بالدورات.لذا أقترح العمل بالحوافز الفردية مثلما نعاقب المسيء نكافئ المتميز والمبدع والانتاجي كما واقترح رفع التسكين عن المرشدين اسوة بالمعلمين والمدرسين.
7) معظم المرشدين التربويين تنقصهم الخبرة العملية.لذا علينا أن نكثف الجهود ومن الآن بالتركيز على الجانب العملي بكل المراحل الدراسية في كلية التربية /قسم الإرشاد النفسي والتوجيه التربوي.لان بصراحة سبب كل مشاكلنا افتقارنا لوجود الجانب التطبيقي وان وجد فيكون في الصف الرابع ولمدة شهر واحد في المدرسة وهذا غير كافي بالمرة.فالطالب يتخرج ولا يعرف شيء سوى نظريات محفوظة وبعد فتره من تخرجه ينسى كل شيء ويبدأ (يحل ويعالج) بحسب خبراته الشخصية ,هذه أن وجدت خبرات.. وهي سبب المعاناة في كل الاختصاصات.لذا علينا أن نغير المناهج ونركز فيها على الجانب النظري للتخلص من هذه المشكلة بالمستقبل..كما وعلينا إدخال المرشدين دورات تدريبية عملية وباستمرار نركز فيها على الجانب النظري .يعني مثلا : نقوم بتصوير شخصين أحدهما يقوم بدور المرشد و الآخر يقوم بدور المسترشد ونطرح بها مشكلة ثم نقوم بعلاج هذه المشكلة وفقا لمدارس علم النفس المتعارف عليها.أي يكون حل المشكلة الواحدة بعدة طرق بحسب تلك المدارس.ونقوم بعرضها على المتدربين للتعرف على ماهية العلاج بأساليب مختلفة وبحسب الظروف المتاحة. هذا وأتمنى لكل العاملين في حقل الإرشاد النفسي والصحة النفسية أن تكلل جهودهم بالنجاح وان يوفقنا واياكم لخدمة العملية التربوية.
8)اما عن مستلزمات العملية الارشادية (ابسط المستلزمات غير موجودة)لااثاث لغرفة الارشاد هذا ان وجدت غرفة للارشاد اصلا……علما ان من اهم مستلزمات عملية الارشاد هي وجود غرفة للارشاد ذات مواصفات خاصة كبعدها عن الادارة وقربها من ساحات المدرسة ليتسنى للمرشد مراقبة سلوك الطلبة.