لندن / عدنان حسين أحمد –
نظّمت مؤسسة الحوار الإنساني بلندن أمسية ثقافية بعنوان “مشاكل الأسرة العراقية المسلمة في بريطانيا” تحدثت فيها المحامية لميعة كاظم الظاهر عن ظاهرة الطلاق التي أخذت تتسع في السنوات الأخيرة في المهجر البريطاني، وعزت المُحاضرة تفاقم هذه المشاكل إلى جهل المرأة العراقية المسلمة بالحقوق الشرعية لها وهيمنة المفهومات الخاطئة التي لم تُصحح حتى الآن، فالمشاكل تتكون من تراكم الشبهات، وتشوّش الرؤية، والتباس الأمور، ولكن يجب حلّها قبل أن تتفاقم وتصل إلى طريق مسدودة لا تُحمد عقباها وهي الطلاق. وحثّت المُحاضرة العائلةَ العراقية في المهجر البريطاني أن
تسارع إلى سدّ الثغرات، وتعالج الأخطاء الصغيرة بتقديم النصح والمشورة إلى أبنائهم وبناتهم قبل أن تكبر وتستفحل ويستعصي حلّها واستشهدت بالآية الكريمة التي تقول: “وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا”، ولكن قد لا يتوفر للزوجين في المهجر أهل أو أقارب قادرين على التدخل لحل بعض المشكلات، بل أن تدخلهم قد يزيد الطين بلّة وذلك بسبب جهلهم لحدود الشرع وللحقوق الزوجية، ولذلك فقد نصحت المُحاضرة أصحاب المشاكل الأسرية أن يلتجئوا إلى “لجنة شؤون الأسرة في لندن” وهي تتألف من أكاديميين، وأطباء اختصاص في علم النفس، وعلماء دين يسهمون بالتدخل الجدي بهدف حلّ المشكلة، وإصلاح ذات البين، وحفظ الأسرة العراقية في خاتمة المطاف علماً بأن هذه اللجنة لا تبوح بهذه الأسرار الشخصية، وتسعى إلى تقريب وجهات النظر بين المتنازعين من زوايا مختلفة بطريقة موضوعية لا يمكن أن يحققها المتنازعون الذين يعيشون في خضم المشكلة، فأعضاء هذه اللجنة يتوفرون على خبرة واسعة ودراية علمية كافية في هذا المضمار تؤهلهم لحل الكثير من المشكلات الزوجية التي تواجه الأسرة العراقية في المهجر البريطاني، ويحدّون بالنتيجة من حدوث الطلاق.
الحقوق الزوجية
أكدت المحامية لميعة الظاهر على ضرورة تحديد دور الرجل والمرأة في المؤسسة العائلية ومعرفتهما بحقوق وواجبات كل منهما على انفراد لأنها تعتقد أن هذه المعرفة الشمولية بالحقوق والواجبات تحقق علاقة زوجية منسجمة لا تهددها المشكلات الجدية الخطيرة. توقفت المحاضرة عند عدد من حقوق الزوج والزوجة، فللزوج حق القيمومة والطاعة واستشهدت بالآية القرانية الكريمة التي تقول: ” الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ”، وذكرت المحاضرة بأن هناك تفاسير خاطئة لهذه الآية الكريمة، فالمقصود بالقيمومة هو أن يكون الرجل قائماً بشؤون زوجته، وهو المسؤول الأول عنها في البيت، وأن يحميها من كل سوء شرط أن لا يستغل هذا الحق ويسيئ استعماله من خلال إهانتها أو الاعتداء عليها الأمر الذي قد يلجئها إلى الاتصال بالشرطة أو المحاكم غير الإسلامية لكي تحصل على حق الطلاق. أما الحق الثاني للزوج على زوجته فهو حق الطاعة فهي ملزمة بطاعة زوجها، وعدم الخروج من البيت إلاّ بإذنه، وأن لا تمنع نفسها عنه، وتصون عرضه وماله، وأن تتحمل مسؤولية أسرتها وعززت هذا الرأي بالآية الكريمة التالية: ” وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا”. وقد أثارت هذه الآية تفسيرات كثيرة لدى الحاضرين بشأن معنى الضرب أو طبيعته التي يجب أن لا تنطوي على القسوة والخشونة وما إلى ذلك. أما حقوق الزوجة على الزوج فاختصرتها المحاضرة بثلاثة حقوق وهي حق النفقة وحق المضاجعة وحق العِشرة والمعروف. وخلصت المُحاضرة إلى القول بأن الناس لو طبقوا أحكام القرآن وتعالميه الإسلامية لما تعدّوا حدود الله وخرجوا عن الطريق القويم، واضطروا إلى أبغض الحلال عند الله وهو الطلاق.
أسباب الطلاق
توقفت المحاضرة طويلاً عند معنى الطلاق وقالت بأن هناك نوعين من الطلاق، الأول هو الطلاق البائن ويعني “حلّ رباط الزوجية الصحيحة في الحال”. والثاني هو الطلاق الرجعي “الذي لا يُحل عقده في الحال وإنما بعد انقضاء العُدّة” بدليل أن الزوج يستطيع أن يعيد الزوجة المطلقة طلاقاً رجعياً إلى عصمته في أثناء عُدتها بدون عقد ولا مهر جديدين، ولا يتوقف الأمر على رضاها، ويجب على المُعتدة ملازمة منزل زوجها وعدم الخروج منه إلاّ بإذنه على وفق الآية التالية: ” يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ” كما اشترطت المُحاضرة على الزوج المُطلِّق أن يُنفق على زوجته المُعتدة. ثم أوضحت المحاضرة معنى الطلاق البائن الذي يأخذ شكلين وهما الخُلع والفسخ، فطلاق الخُلع “هو افتراق الزوجين في مقابل عوض تدفعه المرأة لزوجها”. أما الفسخ فهو “نقض عقد الزواج بسبب خلل طرأ عليه يمنع من بقائه واستمراره، فيفسخ العقد ولا يستطيع الزوج أن يعيد زوجته إلى عصمته إلاّ بعقد جديد وقد لا يستطيع أن يفعل ذلك”.
ذكرت المُحاضرة ستة أساب رئيسية باعثة على الطلاق وهي قلة الخبرة بالزواج، والشك المقرون بالغيرة المفرطة، وكثرة طلبات الزوجة، وإهمال الزوج لزوجته وأولاده، والاستعمال المفرط للتقنيات الحديثة، واختلاف البيئة والعادات والطباع في المهجر البريطاني عن مثيلاتها في العراق. وإضافة إلى الأسباب الستة السابقة أشارت المُحاضرة إلى مجموعة أخرى من الأسباب التي لا تقل خطورة عن سابقاتها كالأسباب المادية والجنسية وسوء السلوك واندثار الهُوية العربية والإسلامية في المهجر البريطاني. فالسبب المادي هو الذي يدفع الأزواج العراقيين إلى الطلاق الصوري سعياً للحصول على مساعدات مادية كثيرة بطرق ملتوية ومخالفة للقانون، كما توقفت المحاضرة عند “فعل اللواط” المحرّم في المنهج الإسلامي الذي يخالف اشتراطات النزاهة والعفة والسلوك القويم. أما سوء السلوك فقد فسّرته المُحاضرة بتناول الخمور والمخدرات أو المتاجرة بها، ولعب القمار الذي قد يفضي إلى خسارات مادية كبيرة تدمِّر الأسرة العراقية في المهجر البريطاني. ختمت المُحاضرة حديثها بالقول يجب ألاّ يقع الطلاق عند حدوث أول مشكلة تعترض حياتهما الزوجية، ويجب ألا يلتجئ إليه الطرفان إلاّ بعد استنفاد كل الطرح المتاحة، وعلى أفراد الأسرة والأقرباء والأصدقاء وكل الناس المحيطين بالزوجين أن يقدِّموا النصح والإرشاد لحل المشكلة التي يعتقد الزوجان أنها معقدّة ولا حلّ لها على الإطلاق. وعلى الزوجين أن يوطِّنا نفسيهما على أخطاء بعضهما بعضاً وأن يتحلا بالقناعة والصبر والإقرار بالنواقص، كما حثّتهما على التأقلم مع المحيط الجديد الذي يعيشان فيه من أجل صلاح الأسرة وسعادتها. ودعت الأزواج إلى تحمّل المسؤولية والتنازل لبعضهما بعضاً، والتعامل مع الطرف الآخر بأسلوب المدّ والجزر. وأشارت المُحاضرة في جملتها الأخيرة بأن الإسلام قد أباح الطلاق في حال تعذّر استمرار الحياة الزوجية آخذين بنظر الاعتبار الحديث النبوي الشريف الذي يقول: “أبغض الحلال عند الله الطلاق”. وفي ختام الندوة دار حوار طويل بين المحامية لميعة الظاهر وجمهور مؤسسة الحوار الإنساني الذي انشقّ إلى صفين، الأول يضع كل ثقته بالقوانين السماوية، أما الثاني فيعتمد كلية على العلم والقوانين الأرضية التي شرّعتها الحياة المدنية المتحضرة.