21-05-2014 –
عدنان حسين أحمد –
نظّمت مؤسسة الحوار الإنساني بلندن أمسية ثقافية بعنوان “إستراتيجية الإصلاح الإداري في العراق” للدكتور كاظم جواد شُبّر، المتخصص في حقول الإدارة والاقتصاد. وقد ساهم في تقديمه وإدارة الندوة الناقد عدنان حسين أحمد. استهل الدكتور شُبّر محاضرته بتعريف معنى “الإدارة” بشكل مبسّط وقال بأنها تعني “إنجاز الأعمال بواسطة الآخرين”. كما أنها تعني أيضاً “حلّ المشاكل” وهذا تعريف مبسّط آخر. غير أن الإدارة الجيدة لا تسمح للمشاكل أن تحصل وتستفحل ثم نبدأ نفكر في كيفية حلها. الإدارة تعني أن نتنبأ بالمشاكل وأن نقدر الظروف والبيئة الداخلية والخارجية ونتفق أولاً على أن مثل هذه المشاكل لا تحصل أصلاً كأن نتوقع شحة بالمواد أو بالعاملين أو تدهور بمستوى المنتجات أو الخدمات التي نقدمها إلى الزبائن أو المراجعين.
وقد يسأل سائل كيف يستطيع أن المدير أن يتنبأ بالمستقبل؟ أولاً يجب أن نفهم بأن الإدارة الجيدة ليست سهلة، وإنما هي عملية صعبة جداً. وأن واحدة من القضايا أو المسؤوليات أو الواجبات التي يضطلع بها المدير هو قدرته على التنبؤ بالمشكلات قبل حصولها. ويمكن للمدير أن يستعين بخبراء ومستشارين من داخل المؤسسة أو من خارجها ولكن يجب أن نتذكر بأن المدير هو الذي يتخذ القرار. فالمدير لا يستطيع أن يقول إن المستشار أملى عليّ أو أشار إليّ. صحيح أن المستشار يقدم للمدير رأياً لكن يبقى المدير مسؤولاً عن القرار الذي سيتخذه في نهاية المطاف ويمكنه طبعاً أن يلوذ بعباءة المستشار أو بغطائه إذا حصلت بعض المشاكل.
أما التعريف العلمي أو الموضوعي لكلمة الإدارة فهي “مجموعة فعاليات يُراد منها إنجاز الأعمال اللازمة لتحقيق الأهداف القصيرة والمتوسطة والطويلة للمنظمة أو المؤسسة مع ضبط الموارد المستخدمة”. هنا لابد من التركيز على الأهداف فلكل مؤسسة أو منشأة أهداف تتناغم مع طبيعة تلك المؤسسة. فأحد أهداف الحقل التجاري قد يكون زيادة الربحية أو العائد على المبلغ المُستثمر، فإذا كان العائد المُستثمر %10 فنحن نريد أن نجعله %15 في السنة المقبلة. وإذا كانت حصتنا في السوق %15 لهذا العام فنحن نريد أن نجعل حصتنا في السوق من إجمالي المبيعات %20 بعد ثلاث سنوات من الآن. يجب أن تكون عندنا مجموعة من الأهداف وليس هدفاً واحداً.
نصنف في الإدارة الأهداف إلى قصيرة، متوسطة، بعيدة. والأهداف القصيرة هي عادة لمدة سنة واحدة أو أقل، والطويلة تكون عادة لمدة خمس سنوات أو أكثر، أما المتوسطة فتكون من سنة واحدة إلى خمس سنوات. طبعاً وضع الأهداف لا يتم بشكل اعتباطي ومن دون مراعاة الظروف أو البيئة الداخلية والخارجية وإمكانياتنا المادية أو البشرية أو الأبنية أو المعدات أو أوضاع السوق وما إلى ذلك. كما يمكن أن نقيس الإنتاج أو الأداء لدائرة من الدوائر الحكومية عبر أدوات القياس المتبعة أو المتسخدمة في العالم من دون أية مشكلة. فإذا كان مستوى رضا المراجعين هو %50 ونحن نريد أن نجعله %60 في السنة المقبلة و %70 بعد ثلاث سنوات من الآن فإذا كان المراجع في مصرف ينتظر عشر دقائق كمعدل حتى يحصل خدمة فإن أحد أهدافنا في السنة المقبلة أن نقلص مدة الانتظار إلى خمس دقائق، وكذلك بالنسبة للانتظار في المستشفيات فإذا كان وقت الانتظار ساعتين فيمكن أن نقلصه إلى نسبة %20. إذن، أن قياس الأداء ممكن وأن كان صعباً بعض الشيئ أو أقل دقة مما نقيس بعدد الوحدات المُنتَجة أو بالربح أو بحجم المبيعات بالباوند والبنس. كما يمكن وضع مقاييس للتطوير والتحسين. كما ذكرَ المحاضر مُرادفين لكلمة الإدارة وهما “التسيّير” و “التدبير”.
أشار شُبّر إلى أن إتخاذ القرارات هو جوهر الإدارة، وأن المدير الجيد هو المُتخذ الجيد للقرارات، وأن الإدارة الجيدة مطلوبة في جميع القطاعات كالاقتصاد، الصحة، التعليم، العسكر، الخدمات العامة، الرياضة، الدولة، المنظمات الخيرية وما إلى ذلك. إن القرارات يجب أن تكون واقعية وفيها نوع من التحدي. والمدير هو الذي ينفذ القرار عن طريق الآخرين.
يجب أن تكون القرارات غير سهلة على المرؤوسين وإنما يجب أن تنطوي على نوع من التحدي، ويجب ألا تكون صعبة بحيث يستحيل تطبيقها. فالتحدي هو جزء من الفن أو الحنكة في إتخاذ القرارات الإدارية. فالمدير الجيد هو المتخذ الجيد للقرارات ويجب أن يراعي كل الظروف الداخلية والخارجية، وإمكانية المرؤوسين، وقدراته المالية، وما يطلبه السوق أو المراجعون وما إلى ذلك من مسائل يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار. يمكن، بطبيعة الحال، الحديث عن الإدارة في الاقتصاد والتربية والأمن وبقية مؤسسات الدولة.
ذكرَ المحاضر بأن أهمية الإدارة الجيدة تكمن في تغلبها على الصعاب والمحددات الموجودة. وأن الإدارة الضعيفة تسيئ استخدام الموارد، وتفشل في تحقيق الأهداف. أحد مهام المدير الجيد هو التغلب على الصعاب المالية أو التي تتعلق بالأبنية، أو باختصاصات العاملين. كما أن الإدارة الجيدة تتجاوز القيود، منها قلة المال أو ضعف خبرة العاملين. وأن هناك بلداناً قليلة الموارد حققت إنجازات كبرى وصارت في مصاف الشعوب المتقدمة جراء الإدارة الحاذقة مثل اليابان، سنغافورة، كوريا الجنوبية وسواها من البلدان التي لا تتوفر على موارد لكنها تمكنت من الوصول إلى أعلى درجات التطور والتقدم والرقي والامتياز التقني والإداري والاقتصادي في العالم. كما أن هناك شعوباً ذات إمكانات طبيعية طيبة إلا أنها فشلت في الأداء و بقيت متخلفة مثل العراق الذي يمتلك موارد وخيرات كثيرة لكن حينما تنظر إلى الأداء تجد أنه مخيّب للآمال. وقد لا نبالغ حينما نقول لولا إيرادات النفط المرتفعة خلال السنوات الأخيرة فإن العراق سيكون في وضع سيئ للغاية وهذه الإيرادات هي التي مكنتنا أن نخفي عيوبنا إذا صحّ التعبير أو نتجاوز أخطاءنا. وقد قارن المحاضر بين دولتي ماليزيا وغانا.
أوجز الدكتور شُبّر وظائف المدير بخمس نقاط رئيسة وهي “التخطيط، التنظيم، التوجيه، انتقاء الأشخاص والتأهيل، والرقابة”. وقال بأن الكُتاب والمفكرون والخبراء في حقل الإدارة يختلفون بعض الشيئ حول تصنيف وظائف المدير ولكن زبدة الوظائف تكمن في النقاط الخمس أعلاه. التخطيط هو عبارة عن نظرة للمستقبل، ماذا نريد أن نعمل في المستقبل على المستوى التجاري؟ وأية كميات ننتج من السلع؟ وما هو مركزنا في السوق؟ وما هو مستوى الربحية إلى رأس المال؟ كثير من العوامل تدخل على مستويات التخطيط مثل إصدار هوية الأحوال المدنية أو جواز السفر والأخذ بنظر الاعتبار الزيادة السكانية التي تحصل في كل عام.
أما التنظيم فنقصد به كيفية توزيع الأشخاص العاملين في أية مؤسسة أو شركة أو دائرة على أقسام أو وحدات ونحدد اختصاص كل وحدة ونضع الوصف الوظيفي لكل شخص. مطلوب من المدير دائماً أن يوجه المرؤوسين، ويشرح القرارات وأن يحفز الموظفين بالطرق المادية والمعنوية، ويعاقب في بعض الأحيان إذا حدث تقصير هنا أو هناك، وينقل العاملين من قسم إلى آخر. إن انتقاء الأشخاص في الإدارة الحديثة يتم بموجب الحاجة بعد تحديد الوصف للوظيفة المراد إشغالها ومقارنة المتقدمين. قد يتخذ المدير القرار الصائب لكن المهم في الأمر أن تبدأ الرقابة على تنفيذ القرار.
أما الإدارة في العراق، وهي صلب الموضوع الذي نظمت من أجله المحاضرة، فقد أخذت بالتدهور على مرّ الأنظمة منذ عشرينات القرن الماضي وحتى الآن. صحيح أنه في العهد الملكي إلى بداية الخمسينات كان هناك قدر غير قليل من القصور والانحراف والطائفية والمحسوبية والمنسوبية ولكن التوجه العام كان صوب تقليل هذه الظواهر السلبية ومع تطور الزمن وتطور النظام السياسي وتطور المجتمع ككل ومع ازدياد المستويات الثقافية عند العراقيين أخذت هذه الانحرافات وأوجه القصور تنحدر شيئاً فشيئاً. ثم استمرت الأمور بشكل لا بأس إلى أواسط الستينات، ولكن بعد ذلك استمر التدهور يحصل في أيام الحكم الصدامي الذي انعدمت فيه فكرة المؤسساتية والموضوعية وحلت محلة هي الشخصنة والعلاقات الخاصة.
إن أصعب شيئ في العالم هو أن تغير ذهنية الأشخاص. قد تُعلّم الشخص الذي يفتقر إلى مهارة لكنك لا تستطيع أن تغير الذهنية المنغلقة والسلبية لشخص ما كما هو حاصل في الداخل. إذن،سبب هذا التدهور هو “الشخصنة” إضافة العلاقات الخاصة عوضاً عن المؤسساتية والنظامية.
يرى الدكتور شُبّر أن بعض المؤسسات تطورت مثل مديرية الجوازات وتحسن الأداء في بعض السفارات ولكن هذه التحسنات بقيت محدودة. الحاجة إلى التطور مسألة جوهرية وماسة لأن العالم كله يتقدم فيجب عليك أن تركض بنفس السرعة للطرف الآخر كي تبقى في محلك. وإذا أردت أن تتقدم عليه فعليك أن تركض ضعف سرعته.
يجب أن يكون هناك وعياً أو معرفة بأهمية الإدارة ودورها المفصلي الحساس في تطوير الأداء وفي تحقيق التنمية والرفاه لعموم الناس وللشعب ككل. هناك كليات في العراق ومراكز للتطوير الإداري مثل “المركز القومي للاستشارات والتطوير الإداري” الذي أسس في أواخر الستينات بمساعدة منظمة العمل العالمية. وهناك كورسات وأبحاث ومجلات علمية لكن العطاء على الصعيد الواقعي لا يزال محدوداً ومخيباً للآمال.
ولحل هذه الإشكالية فقد اقترح الدكتور شُبّر بث الوعي والمعرفة حول طبيعة الإدارة وأهمية استخدام الطرق العلمية. كما لفت الانتباه إلى أن الإصلاح يتطلب إلتزاماً من قمة الهرم. يعني أن القيادة العليا يجب أن تكون مؤمنة بهذا الإصلاح. كما نوّه إلى الدور الحاسم لوسائل الإعلام كالتلفزة، المذياع، الصحف، وغيرها. إضافة إلى التركيز على برامج التعليم التي تبدأ بالمراحل الأولية، ويجب أن تحتوي بقية المراحل على تركيز على الإدارة السليمة في كل القطاعات.
يجب أن تكون الدوريات/المجلات العلمية والمهنية والتجارية موجودة كما هو الحال في الدول المتقدمة، وكذلك يجب أن تتوفر المنظمات المهنية كما هو الحال في الغرب، ودورات التدريب القصيرة والمُكثفة للمدراء هذا شيئ معمول به بشكل واسع مثل إعداد الموازنات وإعداد الإستراتيجيات، التخطيط للمستقبل، انتقاء العاملين، الرقابة على الجودة.
ختم الدكتور شُبّر محاضرته بالتركيز على أربع قضايا مهمة لتعزيز الإدارة في العراق وهذه القضايا هي: ” تصميم نظام لكل مؤسسة، دائرة، منشأة،شركة، إذ يجب أن نصمم نظاماً خاصاً لكل مؤسسة. أما بصدد إعداد الموازنات الدورية، والتعاقب (التوالي) في الوظائف الإدارية، فيجب على المدير الذي يتقاعد أو يترك العمل أو يتوفى لابد أن يفكر بالشخص الذي يحل محله. بعض العوائل تفكر أن يحل أولادها محلهم حينما يتقاعدون وهذا ليس صحيحاً دائماً لأن الذرية قد يكونوا غير مؤهلين لتولي إدارة الشركة. يجب أن يغيب المدير تدريجياً ويحل محله المدير التنفيذي الذي يصبح مديراً لاحقا. مع الأسف هذه المفاهيم غير موجودة في عالمنا العربي بما فيها العراق، وثقافة الأعمال تكاد تكون معدومة عندنا. و الانتقاء العقلاني للأشخاص، خصوصاً المدراء فيجب أن يتم بشكل علمي وموضوعي كي نضمن سلامة المؤسسة أو الشركة التي يقودها هذا المدير.