استضافت مؤسسة الحوار الانساني بلندن يوم الاربعاء 14 /9/2016 الدكتور كمال البصري في امسية ثقافية تحدث فيها عن العوامل التي حالت دون ان تأتي كلا من الديمقراطية والثروة النفطية بعطائهما المتوقع في العراق ،ولماذا تعثرت التجربة العراقية في تحقيق التقدم والرخاء ؟ وما هي الخيارات المتاحة لمستقبل العراق؟
ولد الدكتور كمال البصري في البصرة عام 1951، اكمل دراسته الجامعية بجامعة البصرة عام 1976، حصل على شهادة الدكتوراة بالاقتصاد 1985 في مجال “قياس ابعاد التقدم التكنولوجي على مستقبل بنية الاقتصاد” في جامعة ستراثكلايد- بريطانيا. عمل مدرسا وباحثا في العديد من الجامعات البريطانية ومن ابرزها: جامعة لندن، وليدز، وبرستل وسري
ومانجستر. – قام بتدريس الاقتصاد التطبيقي والقياسي والرياضي والصحي. كما عمل في ثلاث من اشهر المؤسسات المالية الدولية مثل (GE Capital, Lloyds TSB, Barclays) في صياغة السياسات المالية والاقتصادية التي تقلل المخاطرة المالية. ساهم في بناء الكثير من النماذج الاقتصادية والاحصائية التي تستخدم في زيادة الارباح.
وقد ابتدأ د.كمال البصري محاضرته بعرض مجموعة من المخططات البيانية التي رسمها بناءا على معلومات مراكز ابحاث ودراسات غربية ذات منهجية علمية في دراسة معطيات الديمقراطية والادارة الحكومية في مختلف دول العالم ، وقد قارن الدكتور البصري بين العراق ومجموعة من مختلف دول العالم المتقدمة والنامية مثل المملكة المتحدة ،تركيا ،رواندا،الاردن ،البوسنة ،مصر ، ففي المخطط الاول الذي يقارن بين مجموعة الدول المشار لها حاول ان يبين مؤشرات الديمقراطية في هذه البلدان وان يتتبع عوامل ضعف الاداء الحكومي فيها وكما يلي :
اما المخطط الثاني فقد حاول د. كمال البصري من خلاله ان يبين مؤشرات الحكم الرشيد والاداء الحكومي في هذه الدول والمقارنة بينها وكما مبين في المخطط ادناه :
كما بين عبر مخطط ثالث محاربة الفساد وعلاقتها بسيادة القانون فكانت النتيجة المبينة في المخطط التالي :
وتناول د. البصري في مخطط رابع علاقة سيادة القانون بالاصلاح وذلك عبر تلمس نوعية التشريعات فحصل على المخطط ادناه:
ثم لخص بعد ذلك اسئلة البحث الذي قدمه في محاضرته بما يلي :
1) لماذ تحولت الديمقراطية في العراق الى فوضى؟
2) لماذا لم تحقق الثروة النفطية تنمية اقتصادية في العراق؟
3) ما هي الخيارات المتاحة لمستقبل العراق؟
اشكالية الديمقراطية و سيادة القانون
عوامل اشكالية الديمقراطية
حقق العراق تقدماً ملموساً في تطبيق بعض الممارسات الديمقراطية المتمثلة بالاستفتاء على الدستور وبالانتخابات المتكررة على صعيد الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية وفي كثير من الممارسات المتمثلة بالحرية السياسية والحرية الفردية واعتماد اللامركزية … الخ.
نجد ذلك واضحا عند مقارنة مؤشرات الديمقراطية لعدد من الدول حيث يبدوا واضحا تقدم العراق على الاردن ومصر والبوسنة وراوندا وبريطانيا فيما يتعلق بالمشاركة الانتخابية، الا ان الامر غير ذلك فيما يتعلق بالاداء الحكومي حيث ان العراق هو الاقل. ويلاحظ ان نسبة المشاركة بالانتخابات عالية، ماهو السبب الحقيقي؟ هل كان السبب سعي العراقيين لبناء الدولة العراقية وعلى اساس البرامج الاصلاحية ، ام ان السبب هو دعم نفوذ القومية او المذهب؟ هل باع المواطن صوته الانتخابي بابخس ثمن؟ وتم توزيع المغانم (من وظائف وعقود تجارية وما شابه ذلك).
الذي حصل ان كانت الوزرات حكرا لصالح الاحزاب لتكسب منها على حساب المصلحة العامة، ثم تم التوسع في تشغيل العمالة ،وذلك ادى الى خلق عمالة غير منتجة تضخمت بها الموازنة التشغيلية، وانحسرت التخصيصات الاستثمارية، والعقود التجارية فتم اهدائها لغير مستحقيها مما نجم عنه ضعف التنفيذ كما ونوعا.
وقد تمخض عن ذلك فشل مؤسسات الحكومة في اداء مسؤوليتها التقليدية، واصبح ادائها الى حدا ما مزاجيا مرتبطا بارادة المسؤول ومتأثرا بالمنفعة الشخصية او القبيلة او الحزبية او الطائفية او العرقية.
ان مصدر الفشل يتمثل في ان العراق اقبل على الديمقراطية بساق واحدة (اعتماد الانتخاب دون العقد الاجتماعي)،حيث لم يتعهد “المرشح السياسي” بتحقيق اهداف وطنية بعيدة المدى، بل اهداف مصلحية قصيرة المدى.
اشكالية الديمقراطية
ان الصوت الانتخابي الممنوح لم يقابلة التزام بعمل يتسم بالشفافية والشعور بالمسؤولية والكفاءة والحرص على سيادة القانون على الجميع .
خيبة أمل المواطن انعكست بضعف الثقة بمؤسسات الحكومة، وادت تلك الحالة وباسلوب تراكمي ديناميكي الى غياب الشعور بالمسؤولية وضعف سيادة القانون.
من الامثلة على ضعف الشفافية هي ضعف شفافية الموازنة الاتحادية التي تعتبر اهم ملف اقتصادي سياسي، حيث بلغ مقياس الشفافية للموازنة لعام 2014 (4%) بحسب دراسات منظمة شفافية الموازنات الدولية (International Budget Participation)، ان هذا الضعف يعود الى الالتزام باعداد ونشر الوثائق الخاصة باعداد وتنفيذ الموازنة بحسب التوقيتات والمعايير الدولية والتي نص عليها قانون الادارة المالية بصريح العبارة. لاشك ان الذي يحصل كل عام هو مخالفة قانونية من قبل وزارة المالية. فالموازنة تعد بطريقة يصعب على المواطن متابعة واستنطاق التخصيصات المالية اذ انها مبهمة ولا تؤشر الى مشروعات محددة ولا تعرف جدواها الاقتصادية ولا عن علاقتها بالاستراتيجية الاقتصادية الوطنية.
ان غياب الشفافية ادى الى الافراط في التخصيصات المالية على حساب جوانب اخرى ذات جدوى اقتصادية اكبر (كما هو الحال في الافراط بتخصيصات الاجور والمرتبات والتفريط بتخصيصات قطاع التعليم او الصحة والاسكان). وبسبب غياب الشفافية أصبح من المتعذر جدا على المواطن ومنظمات المجتمع المدني القيام بمتابعة كفاءة استخدام المال العام او متابعة نشاطات الحكومة، لأن غياب المساءلة والرقابة السابقة واللاحقة الرسمية وشبه الرسمية بطبيعة الحال يعطي المسؤول الحكومي مساحة واسعة للتصرف بعيدا عن معايير الكفاءة في استخدام المال العام.
هناك الكثير من الامثلة على النتائج السلبية لغياب الحكم الرشيد منها:
التمادي في هدر الثروة النفطية الناضبة التي هي ملك جميع الاجيال، وهنا يجب ان نسأل باي صلاحية نعمل على بيع الثروة على مشاريع غير منتجة؟ لقد بلغ التمادي بتمويل مشاريع تنظيف المدن من قبل شركات تركية و كويتية.
لماذا يستمر العمل بالبطاقة التموينية بصيغة التوزيع العينيى دون التوزيع النقدي، هل فعلا المواطن هو المستفيد ؟
لماذا هذا التفاوت الشاهق في مستويات الاجور، و هل الجميع يستفيد من حقه من النفط بدرجة عادلة؟
قاد فشل المؤسسات الحكومية في تقديم الخدمات العامة الى استياء المواطنين وعدم ثقتهم بالادارة السياسية، و وجد الفرقاء السياسيون ”بالفشل“ مادة للقذف باحدهم الاخر بتهمة الفساد وعدم الجدية والطائفية الى غير ذلك. وأنعكست ازمة الثقة على روح الفريق الحكومي واصبح الامر المهم للفريق هو المراوغة دون تسديد الاهداف، من وجة نظري ان ما يطفح على السطح من صراع بين الكتلة (س) والكتلة (ص) هو في جوهره تنافس سياسي بحت، وهو نابع من فقدان الثقة بسب غياب الحكم الرشيد الذي يؤمن للجميع الحق في الوطن. و وجدت الاطراف الخارجية بالصراع نافذة للتدخل بالشان العراقي، وتعميق فجوة الخلاف بما يحقق لها مصالحها.
ما يجدر ذكره هنا ان الحكومات المتعاقبة سعت الى امتصاص الخلافات السياسية بتوسيع رقعة المشاركة السياسية (المحاصصة)، ولا يخفى على احد ان تحقيق العدالة بالمشاركة السياسية لا يضمن تطور كفاءة الاداء كما بينت تجربة العراق وغيرها، كما ان نتائج الدراسات السياسية لعدد من الدول الديمقراطية والتي فيها تعدد قومي او مذهبي تنص على ان المشاركة النسبية بالحكومة لا تمثل بحد ذاتها حلا مستقرا للتناقضات السياسية الكامنة الا عندما يكون هناك تطور في مؤشر الحكم الرشيد.
ان المشاركة النسبية للكتل السياسية لا تؤدي بشكل طبيعي الى تطبيق قيم الديمقراطية المتمثلة بالسعي الى فرض مفردات الادارة الرشيدة، وبغياب هذه القيم لا يكون للمؤسسات المختلفة من دور فعال في تقديم الخدمات العامة، ان خير مثال على عدم فعالية المشاركة السياسية وحدها في تحقيق الاستقرار السياسي في العالم العربي هي تجربة لبنان والسودان، فهما بلدان لم يتوفر فيهما يوما الاستقرار المنشود، فالسودان ولغرض حل مشكلة النزاع الدامي في جنوب السودان والذي كان السبب في كثير من المأسي الانسانية، أقدمت حكومة الرئيس السوداني “البشير” عام 2005 بتوقيع اتفاق يمثل تسوية سياسية تتجسد بمشاركة الخصوم السياسين من الاقليات القومية في ادارة الحكم، الا ان نتائج هذه المشاركة لم تحقق للسودان الاستقرار السياسي المنشود، في الادبيات السياسية تعتبر تجربة السودان تحديا لنظرية “المشاركة النسبية بالحكم” والتي تزعم ان هذه المشاركة تمثل امتصاصاً لزخم الصراع القومي او المذهبي، وتدعي النظرية ان المشاركة السياسية ستكون الاطار الضامن لتطبيق مفردات الادارة الرشيدة من ثم تقود الى تنمية بشرية عادلة للجميع واستقرارا سياسيا.
تؤكد الادبيات السياسية والاقتصادية ان الادارة الرشيدة هي العامل الحاسم في تقدم ورخاء الشعوب، وعلى اساس ما تقدم فالمشاركة بالحكم في غياب الادارة الرشيدة تعنى الفوضى، والحقيقة ليس هناك دليل على ان المشاركة النسبية بطبيعتها تقود الى بناء مؤسسات حكومية تتجسد بها مفردات الادارة والحكم الرشيد، بل ان تحقيق ذلك يعتمد على تطور التعليم (رفع مؤشرات التنمية البشرية) كما حصل في دول شرق اسيا (التي حققت المعجزة الاقتصادية)، معلوم أن تلك الدول حققت التقدم الاقتصادي الهائل ليس بفضل المشاركة السياسية الواسعة او بفضل ثرواتها بل من خلال سياسة لها مصداقية.
كما ان من عوامل نجاح الديمقراطية وجود وسط ثقافي و وجود احزاب تعمل وفق قانون الاحزاب وتتمتع بشفافية وتعمل تحت طائلة القانون،وبعكس ذلك يكون عمل الاحزاب بالسلطة يمثل دكتاتورية .
غياب مرحلة التأسيس للديمقراطية
هناك سؤال يطرح نفسه وهو: هل ان خيار الديمقراطية كان يمثل طموح المرحلة الحالية؟ او هل إنَّ الديمقراطية تعدُّ عاملا ضروريا للتنمية؟ والاجابة هي ..نعم ولا، فالديمقرطية بتوفر شروطها المتمثل بوجود احزاب ناضجة ومستوى ثقافي اجتماعي مناسب تكون مطلب من مطالب حقوق الانسان، وان بغيابها يفتح الباب للتسلط الديكاتوري، الذي يمثل تكلفة بشرية عالية. هناك تجارب ناجحة في التنمية كتجارب دول شرق اسيا التي شهدت أربع مراحل في التنمية:
المرحلة الاولى اليابان وكوريا وتايوان،
المرحلة الثانية سنغافورة، وهونكونك،
المرحلة الثالثة تايلند، اندونوسيا، ماليزيا، والفلبين ،
المرحلة الرابعة الصين.
اشكالية الديمقراطية
لقد اعتمدت جميع هذه الدول على دور الدولة ولم تكن تعتمد على آليات الديمقراطية ،بل اعتمدت على قيادة سياسية لها رؤية وارادة واضحة وقوية للتغيير وجميع هذه الدول اعتمدت منهجية اقتصادية متقاربة تضمنت مايلي:
اعتماد التعليم وابعاد العامل السياسي عن الادارة الاقتصادية.
اعتماد سياسة انتاج لدعم الصادرات (للحصول على العملة الاجنية).
وبعبارة اخرى كان التركيز على ادارة الاقتصاد وتحقيق الرفاهية الاقتصادية كأولوية، ويبدوا ان القناعة السائدة عند تلك الدول هي ان اجواء الديمقراطية لا تخدم استقرار السياسة الاقتصادية واستمراريتها بل قد تبطئ عملية الاصلاح الاقتصادي. اي ان الرغبة لمعالجة الفقر والحرمان ورفع مستوى المعيشة تمثل اولوية مرحلية على اعتبارات الديمقراطية.
فاليابان وكوريا الجنوبية بدأتا عملية التصنيع تحت اجواء حكم عسكرية ،وهونكونك تحت حكم استعماري، وسنغافورة تحت حكم فردي، وتايوان تحت احكام عرفية، اما اندونوسيا وتايلند فكان لهما نظم ديمقراطية كان لها ثمنا في ابطأَ تقدمها الاقتصادي، واخيرا الصين ،وبالرغم من انعدام الممارسات الديمقراطية فان نموها الاقتصادي هائل وشامخ ومتفوق على جميع دول العالم بدون استثناء.
من ذلك يمكننا ان نلاحظ ان دول شرق اسيا سعت لخيار الديمقراطية ( باستثناء الصين ) في وقت لاحق بعدما تم التأسيس للتطور الاقتصادي وتحقيق مستوى مقبول للتنمية ، لان المسار الاخر سيكون له تأثير سلبي في ابطاء معدل النمو الاقتصادي. مما تقدم نستطيع القول: لا عجب ان تتأثر عملية التنمية الاقتصادية في العراق بحالة فوضى الديمقراطية،حيث ان آمال الشعوب تتحقق من خلال توفر معايير الحكم الرشيد التي تضمن بطبيعتها التأسيس لدولة قوية قائمة على سيادة القانون.
اشكالية الثروة النفطية: اشكالية الدستور واستخدام الثروة
النفط ثروة ذات طبيعة مزدوجة فلها دور ايجابي في تحقيق التقدم والرخاء من خلال الاستثمار في البنى التحتية وتوسع القاعدة الانتاجية بشراء الاصول الاقتصادية الانتاجية و رفع مؤشرات التنمية ، كما ان لها دور قد يكون ً سلبياً وسببا في التقهقر والشقاء حينما لا يوفر النظام السياسي الحوافز والضوابط الضرورية، حيث تستخدم هذه الثروة لاغراض بعيدة عن الجدوى الاقتصادية ،وتساهم في تشويه الهيكل الاقتصادي، ومن صور هذا الانفاق تعزيز الولاء السياسي والتوسع في الانفاق العسكري ورفع الاجور والمرتبات فوق مستوى الانتاجية وتقديم دعم اقتصادي لمدخلات الانتاج بدلا من مخرجاته.
ساهم النفط خلال حقبة الخمسنيات من القرن الماضي (العهد الملكي) بتمويل صندوق مجلس الاعمار حيث تم استخدام 70 % من الايرادات النفطية لتطوير البنى التحتية. إلا ان الامر قد اختلف فيما بعد في العهد الجمهوري حيث ساهم النفط بتمويل امور تجاوزت تطوير البنى التحتية اذا شملت تمويل الانفاق التشغيلي باشكاله المختلفة واصبح تمويل البنى التحتية لا يتجاوز 30%.
النفط ثروة إستراتيجية
عالميا يحتل النفط اهمية كبيرة باعتباره مصدراً رئيسيا للطاقة وبسبب شحة عرضه بالنسبة للطلب تتزايد اسعاره من وقت لاخر، غير ان له اضافة الى ذلك اهمية فريدة للاقتصاد العراقي تتلخص بما يلي:
1. يمثل النفط ثروة لكل العراقيين في الحاضر والمستقبل، وعليه ينبغي التصرف به تصرفا حكيما بما يضمن ديمومته وتصنيعه وتحقيق عدالة توزيع عوائده (اخذين بنظر الاعتبار عوامل السوق).
2. يحتل العراق مكانة متقدمة في حجم الاحتياطي النفطي العالمي (تسلسل العراق هو الخامس)، وحيث ان النفط بالحسابات السياسية العالمية له مكانة خاصة باعتباره مصدرا رئيسيا للطاقة والكثير من الصناعات، لذلك تحاول الدول الصناعية الكبرى استقطاب الدول المنتجة تجاهها. حيث تتحدد اليوم مكانة العراق عالميا لا بكونه دولة حضارت كما يشير التاريخ ولا لانه دولة زراعية او صناعية، بل وفق مستوى الاحتياطي والانتاجي النفطي الذي يمتلكه.
3. النفط له مكانة خاصة بالنسبة للعراق يختلف شانها بالنسبة للدول الاخرى، فهو حاليا المصدر الرئيسي لتمويل مشاريع الاعمار والتنمية، وعليه من الضروري ان يدار النفط من قبل ادارة تمثل جميع العراقيين. فلا يجوز الافراط في انتاجه تحت اي ضغوط حتى لو كانت دولية، اذ يجب ان يتحدد سقف الانتاج وفق معادلة المتطلبات الاقتصادية وفي ضوء تطور انتاج مصادر الطاقة البديلة.
4. النفط يعطي للعراق ميزة اقتصادية فهو مادة اساسية لقيام الكثير من الصناعات البتروكمياوية التي يمكن ان تعزز مكانة العراق الصناعية والزراعية وترفع من قدراته العالمية التنافسية المتدنية، والحقيقة ان القيمة الاكبر للنفط في تصنيعه وليس بمجرد انتاجه. عليه يجب تجنب تنافس المحافظات المنتجة من التسابق في الانتاج.
5. . حاليا يشكل النفط 95% من الايرادات العامة، لذلك فهو مسؤول: عن تشغيل اكثر من 3 ملايين فرد، واعالة اكثر من 19 مليون شخص (على اعتبار ان متوسط حجم العائلة العراقية 6.3 فرد)، اضافة الى جمهور المتقاعدين والمعتمدين على شبكة الحماية الاجتماعية، وعن تمويل المشاريع الحكومية التي تساهم بتكوين ثلثي الناتج المحلي الاجمالي. اضف الى ماتقدم تسهم سيولة النفط في تحريك القطاع الخاص الذي يمثل الثلث الاخر للناتج المحلي الاجمالي. حيث تقدر نسبة مساهمة النفط في الناتج المحلي الاجمالي بالاسعار الجارية باكثر من 50%.
6. ان صناعة النفط حاليا تتطلب التعاقد مع الشركات الاجنبية للحصول على الامكانات والتقنيات الحديثة، وعليه يجب ان تأخذ بنظر الاعتبار كفاءة الشركات والبعد السياسي لها بما يعزز استقرار العراق. ان اعتماد وجود متوازن للشركات الاجنبية يجب ان يكون هدفا بحد ذاته، اذ ان ذلك يعني وجود متوازن للمصالح الاجنبية في العراق.
7. من الواضح ان عملية التنقيب والاستخراج لها أبعاد سياسية مع دول الجوار الجغرافي لوجود تداخل بين الحقول النفطية كما هو الحال بين العراق من جهة وايران والكويت من جهة اخرى. ان هذا التداخل قد يخلق تحديات كبيرة اذا ما كانت ادارة النفط محلية وليس اتحادية. كما ان هناك تداخل في حقول المحافظات العراقية، ولا يتوقف تأثير ذلك على الأنتاج بل يشمل عمليه التسويق والنقل (جميع انتاج المحافظات الجنوبية والوسطى ينبغي ان تمر عبر البصرة الى الموانئ البحرية).
8. ان فسح المجال للمناطق المنتجة على التنافس على زيادة الانتاج يفضي الى التنافس على جذب الشركات النفطية الاجنبية بما يضعف قوة المحافظات لصالح الشركات الاجنبية. ولغرض الحفاظ على قدرة العراق التنافسية ،اصبح من الضروري ان يدار النفط من قبل شركة عراقية متخصصة تعتمد في تشكيلها وادارتها على مبادئ “الحكم الرشيد” لما لها من ابعاد سياسية واقتصادية حميدة.
9. . اثبتت الاستكشافات ان النفط والغاز متوفر في اغلب الاراضي العراقية ولكن انتاجهما محصور حاليا على عدد من المحافظات (البصرة، ميسان، الكوت، ذي قار، كركوك، اقليم كردستان …) وتفتقر محافظات اخرى للانتاج (حاليا البصرة تنتج تقريبا 75% من انتاج العراق). هذا التباين من الممكن ان يكون مصدر للنزاع بين المحافظات اذا لم تتحقق عدالة استغلاله. اضف الى ما تقدم ان الحقول النفطية متداخلة فيما بينها مما يتطلب ان تدار جميعا من قبل شركة نفط وطنية اتحادية وبذلك تتجنب صناعة النفط الكثير من المشاكل التي تنشأ بسب التنافس على عمليات التنقيب والاستخراج والنقل عبر الانابيب عبر المحافظات المختلفة.
من كل ما تقدم نجد ان مكانة النفط بالنسبة للعراق تختلف عن مكانته في دول اخرى (بريطانيا او ماليزيا او كندا) التي تنعم بتنوع انتاجي اقتصادي، فصناعة النفط ذات خصوصية اقتصادية مختلفة عن بقية الصناعات العراقية، فهي صناعة تختلف عن صناعة الانشائيات والتمور والمواد الغذائية والصناعات الكهربائية … الخ، انها ذات خصوصية اجتماعية حيث تعتمد عليها نسبة من الشعب العراقي غير المنتج في توفير معيشته، وانها ايضا ذات خصوصية سياسية بالنسبة لجمع مكونات العراق المختلفة وفي ربط مناطق العراق ببعضها حفاظا على وحدة الارض.
لغرض الوصول الى حلول موضوعية بعيدة عن المواقف المتشنجة وهدر الطاقات ، علينا ان نفسر الدستور بروح المنطلقات والخصائص التي تتمع بها صناعة النفط. كما نرى في القسم الثاني (ولنعترف) ان الكيفية التي كتب بها الدستور هي مصدر الازمة التي قد تلاحقنا جاعلة من النفط مصدر للتقهقر والشقاء بدلا من التقدم والرخاء.
اشكالية الدستور والثروة النفطية
لقد كتب الدستور العراقي بصيغة مثيرة للجدل، اذا تجد العديد من الفقرات قد كتبت بدافع المجاملات سياسية لا لأعتبارات موضوعية إستراتيجية، وقد كان ذلك جليا في عدد من مواد الدستور التي يمكن ان نذكر بعضها :
o تلك التي رجحت راي الاقاليم والمحافظات على الحكومة الاتحادية.
o عدم شمول ادارة النفط بالصلاحيات الاتحادية الحصرية.
عليه فقد جاءت المواد الخاصة بالثروة النفطية بما يلي:
1) المادة (111): حددت ملكية النفط والغاز بانها ملك للشعب العراقي، وبذلك فان عائدية النفط لجميع المواطنين. عليه فان البرلمان العراقي هو المفوض لادارة واستغلال الثروة النفطية، ولا يجوز لمجلس محافظة البصرة الاكثر انتاجا ان يتخذ قرارا يمس مصلحة الشعب العراقي بكل تنوعه .
2) المادة (112) جاءت بفقرتين:
(أ) تقوم الحكومة الاتحادية بإدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول (الحالية) مع حكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة، على ان توزع وارداتها بشكلٍ منصفٍ يتناسب مع التوزيع السكاني في جميع أنحاء البلاد، مع تحديد حصة لمدةٍ محددة للأقاليم المتضررة، والتي حرمت منها بصورةٍ مجحفة من قبل النظام السابق، والتي تضررت بعد ذلك، بما يؤمن التنمية المتوازنة للمناطق المختلفة من البلاد، وينظم ذلك بقانون.
(ب) تقوم الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة معاً برسم السياسات الإستراتيجية لحل ازمة تطوير ثروة النفط والغاز بما يحقق أعلى منفعةٍ للشعب.
يبدو جليا من المادة 112 (الفقرة أ) ان الادارة المشتركة للنفط تنحصر بالحقول المنتجة حاليا، اما شؤون الحقول المستقبلية والعمليات الاستكشافية فهي عند بعض المفسرين تقع ضمن إختصاصات الاقاليم والمحافظات وعلى اساس كونها غير منصوص عليها في “الصلاحيات الاتحادية الحصرية” ولا من “صلاحيات مجلس الوزراء” .
وفقاً للدستور (المادة 115 ): كل ما لم ينص عليه في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية يكون من صلاحية الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم، والصلاحيات المشتركة بين الحكومة الاتحادية والاقاليم تكون الاولوية فيها لقانون الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم في حالة الخلاف بينهما.
اما (ب) من المادة 112 فتشير الى مشاركة الحكومة الاتحادية والاقاليم والمحافظات برسم السياسات الاسترتيجية ولا يتعدى ذلك الى تنفيذها (المصدر: القاضي عبد الرحيم العكيلي: النفط والغاز في الدستور العراقي، دراسة قدمت للمعهد العراقي للاصلاح الاقتصادي في ورشة ازمة العلاقة النفطية بين الحكومة الاتحادية واقليم كردستان، كانون الثاني 2014 )
تداعيات اشكالية الدستور والثروة النفطية
ان النصوص التي جاء بها الدستور خلقت اجتهادات وتفسيرات وفقا للمنطلقات التي تتبناه الكتل السياسية، ولا شك ان هذا الاختلاف متوقعة بسبب هذه الصياغات في الدستور. لقد قامت المنظمات الدولية منذ عام 2006 بالعديد من الورش لتدارس الموضوع والتخطيط لوضع حد للخلاف المحتمل من خلال تصحيح الدستور او من خلال طرح صيغة لقانون النفط والغاز. العجيب بان الدستور اعتبر ان من الصلاحيات الحصرية للسلطة الاتحادية (المادة 110) الامور التالية: رسم السياسة الخارجية، التفاوض بشأن المعاهدات والاتفاقيات الدولية وسياسات الاقتراض والتوقيع عليها وابرامها، ورسم السياسة الاقتصادية، رسم السياسة التجارية الخارجية، ورسم السياسة المالية، ورسم السياسة الكمركية، واصدارالعملة، وتنظيم السياسة التجارية عبر حدود الاقاليم والمحافظات في العراق، ووضع الميزانية العامة للدولة، و رسم السياسة النقدية. عند تفحص كل من هذه الصلاحيات نجد ان العمود الفقري والاساس في كل منها هو النفط.
اذا السؤال هو:
ما قيمة تخطيط السياسة الاقتصادية او اعداد الموازنة العامة اتحاديا بعيداً عن صلاحية تخطيط وتنفيذ السياسات النفطية؟ اضف الى ذلك ماقيمة الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية التي تستبعد النفط؟ أيصح ان يفسر الدستور بالطريقة التي من شأنها ان تتعاقد الحكومات المحلية (كالبصرة) مع دولة اخرى البرازيل او ايران كما حصل في تعاقد حكومة اقليم كردستان مع تركيا؟!
الاثار الاقتصادية والسياسية:
شكلت اشكالية النفط احتقانات مستمرة بين الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كردستان وتركت بصماتها على التأخي بين الشعبين ، وتأخر اعداد واقرار الموازنة الاتحادية سنويا، وايقاف تدفقات النفط عبر الاقليم الى تركيا، وقيام حكومة كردستان بشكل منفرد بالاتفاق مع الحكومة التركية لمد انبوب نفطي لنقل النفط و وسوف تتسع المشكلة بالنسبة للمحافظات الاخرى. وان من ابرز التداعيات الاقتصادية هي :
مشكلة الشفافية :
1) قامت حكومة اقليم كردستان (بعيدا عن علم الحكومة الاتحادية) بتوقيع اكثر من 48 عقدا للاستكشاف والتطوير، وكانت طبيعة هذه العقود “المشاركة في الانتاج” وهي عقود مثيرة للجدل وغير مقبولة من قبل وزارة النفط الاتحادية. وترى الحكومة الاتحادية بان غياب شفافية هذه العقود حال دون الاعتراف بها ، ومن ثم القبول بدفع تكاليف استخراج النفط ضمن هذه العقود ( وقد ايدت منظمة شفافية الصناعات الاستخراجية حقيقة غياب الشفافية بتقريرها الصادر 2013).
2) في عام 2012 قدرت الطاقة الانتاجية لحقول الاقليم حسب تقديرات الحكومة الاتحادية بـ (400) الف برميل، غير انه بحسب تصريح وزير الثروات الطبيعية في أقليم كردستان فان الطاقة الانتاجية هي (300) ألف برميل يوميا، في حين ان بيانات الاقليم التي تقدم للحكومة الاتحادية تشيرالى (175) ألف برميل يوميا فقط، وعليه فهناك فرق قدره (125) ألف برميل يوميا (اذا اخذنا الامر حسب تقديرات الاقليم).
3) عدم تكفؤ عوائد البرميل المنتج:ان طبيعة العقود المبرمة في الاقليم ساهمت في خلق تفاوت المردود الصافي للبرميل الواحد ومن ثم فان حجم مساهمة اقليم كردستان بالايرادات العامة الاتحادية يكون أقل من المحافظات الاخرى المنتجة. وبحسب الخبير النفطي حسين محمود المهيدي ان حكومة الاقليم تساهم بدفع 70% من المردود النفطي للخزينة الاتحادية ، وتحتفظ بـ 10% كريع و20% تدفع للشركات المنتجة، بينما تساهم المحافظات العراقية الاخرى المنتجة للنفط بـ 96% للخزينة الاتحادية ، وتحتفظ بـ 2% كتكاليف انتاج و 2% حصة المحافظة المسماة بـ”البترودولار” . (المصدر : الرسالة المفتوحة الى مجلس النواب في 4 اب 2012 من قبل الخبير النفطي حسين محمود المهيدي).
4) مشكلة وظاهرة البترودولار: قادت ممارسات حكومة الاقليم الى مطالبة المحافظات المنتجة بعوائد اخرى سميت بـ “البترودولار” تحت ادعاء بان هذه العوائد ضرورية لتغطية التكاليف الاقتصادية والاجتماعية المتحققة من انتاج النفط متمثلة: بالاندثارات في البنى التحتية، وتعويض النقص في مساحة الاراضي المتاحة للاسكان او العمران او الزراعة ومشكلة التلوث … الخ. كما تطورت المطالبة بهذه العوائد من 1$ الى 5$ لكل برميل. ان تحديد قانون المحافظات لعام 2013 (ب 5$ ) عن كل برميل منتج غير عادلا للاعتبارات التالية:
1. احجم الضرر الحاصل اوالمتوقع قد كبير وقد يكون 5$ تعويضا غير وافي، كان الاحرى ان تكون الحصة نسبة من سعر البرميل لان اسعار النفط متذبذبة كما حصل في الازمة المالية العالمية عام 2008 .
2. شجع المناطق الاخرى التي لها مرافق عامة كمحطات انتاج الطاقة الكهربائية، الموانئ، معسكرات الجيش، معامل انتاج الطابوق، معامل المواد الكيمياوية …الخ على المطالبة بتعويض الاضرار على غرار البترودولار.
3. المشكلة الاخرى هي ان بعض المحافظات ليست لها مرافق عامة ومن ثم تحصل على ايرادات اقل خلافا لمبدأ الدستور في التوزيع العادل للايرادات النفطية. لهذا فان الامر سيكون مصدر قلق جديد يهدد بنزاع سياسي يصعب ان تعرف مدياته.
4. ان الذي يرى تعويض المناطق المنتجة لا ياخذ بنظر الاعتبار الاثار الايجابية لوجود شركات التنقيب والانتاج على اقتصاديات المحافظات المنتجة. ان وجود الشركات النفطية العالمية لها اثار في استقطاب شركات اخرى خدمية مساعدة، وان اثار ذلك تنعكس على العمالة والطلب على المنتجات المحلية (من الممكن ان تكون العوائد المالية التي تجنيها المحافظات المنتجة تفوق قيمة عوائد البترودولار اذا ما تحسنت البيئة القانونية والاجرائية لتأدية الاعمال الاقتصادية – وفق تقديرات المعهد العراقي للاصلاح الاقتصادي).
5. من الناحية القانونية ان تشريع قانون المحافظات الذي ينص على تخصيص 5$ لكل برميل يتعارض مع نص دستوري حيث نصت المادة ( 13 ) من الدستور :- ( اولا :- يعد هذا الدستور القانون الاسمى والاعلى في العراق ويكون ملزما في انحائه كافة بدون استثناء . ثانيا :- لا يجوز سن قانون يتعارض مع هذا الدستور ويعد باطلا كل نص يرد في دساتير الاقاليم او اي نص قانوني اخر يتعارض معه ) ذلك ان الدستور يدعو الى توزيع الثروة على المحافظات العراقية وفقا للكثافة السكانية.
اما الابعاد السياسية للاشكالية داخل العراق فتكمن في ظل الاوضاع السياسية الحالية (التي تتلخص بصعوبة فرض سيادة القانون وبيروقراطية المؤسسات الحكومية وضعف ادائها … الخ) ، ان تخلق الاشكالية ضمن الشرعية الدستورية ميولا سياسية لدى المحافظات المنتجة للنفط (مماثلة لتلك التي هي في اقليم كرستان). ان نزعة الاقاليم بشكل عام تتطلب ابتداءا وجود حكومة مركزية قوية تستطيع ان تفرض سيادة القانون، وبعكسه ستكون النتائج اقرب الى ممارسات اقليم كردستان تجاه الحكومة الاتحادية وهي قد لا تصب في صالح وحدة العراق كدولة قوية ذات سيادة. لقد استفاد الاقليم من ضعف الحكومة الاتحادية وتعدد مرجعيتها في المضي في تطوير علاقات سياسية واقتصادية مع تركيا بعيدا عن علم الحكومة الاتحادية. فعلى الصعيد السياسي تم اجراء تفاهم حول القضية الكردية المتعلقة بتركيا باتجاه حلحلة التحديات التي تواجهها تركيا وقبول حكومة اقليم كردستان باحتضان المقاتلين الاكراد (من الجنسية التركية) مقابل تقديم تركيا تفهم لطموحات الاقليم السياسية والاقتصادية. وعلى الصعيد الاقتصادي وجدت تركيا بان الاقليم: اولا سوق اقتصادية خصبة للتجارة والاستثمار وثانيا مصدرا للحصول على النفط والغاز ( باسعار وكميات مناسبة لاشباع الطلب المحلي) وثالثا ان مكانة تركيا كمنفذا للطاقة باتجاه اوربا سوف يكون هاما.
من جانب اخر فان هذه التداعيات قد تمتد الى المحافظات المنتجة الاخرى كالبصرة التي قد تجد من الضروري لتعزيز استقلاليتها النفطية بناء علاقة اقتصادية مع دول الجوار للاستفادة من خبراتها وعلى حساب الحكومة الاتحادية. اما المناطق غير المنتجة للنفط كالمنطقة الغربية فقد تجد نفسها في حالة لا تحسد عليها وقد تجد بناء علاقة مع دول الجوار امرا ضروريا بسبب الضرر الاقتصادي الذي قد يلحق بها.
وللحد من التداعيات السياسية والاقتصادية التي افرزتها صياغات الدستور، لا بد اولا من الركون الى تشريع قانون للنفط ، والذي بموجبه يعتبر النفط ثروة سيادية و صناعة إستراتيجية من اختصاص الحكومة الاتحادية بشكل رئيس، على ان تتعاون مع المحافظات او الاقاليم في تخطيط السياسات وتنفيذها، وثانيا بتفعيل المادة الدستورية (106) التي تنص” تؤسس بقانونٍ، هيئةٌ عامة لمراقبة تخصيص الواردات الاتحادية، وتتكون الهيئة من خبراء الحكومة الاتحادية والأقاليم والمحافظات وممثلين عنها” والتي بموجبها يمكن تشريع قانون النفط والغاز والذي بموجبه يتم تأسيس الهيئة. اما موضوع تعويض المحافظات المنتجة فيجري تعويضها اتحاديا من خلال تقدير حجم الاضرار او الخسائر المتحققة.
الخلاصة ونتائج المحاضرة
تناولت المحاضرة دعامتين اساسيتن في تطور الدول هما الديمقراطية والثروة النفطية ، وبينت ان سوء استخدامهما حولهما من مصدر للتقدم والرخاء الى مصدرا للتققهر والشقاء.وبينت ان مشكلة العراق الاولى هي سيادة القانون، وتجربة السنوات الماضية قد بينت ان العراق “حضي بالديمقراطية وخسر سيادة القانون”. ان غياب سيادة القانون افقد المؤسسات القائمة مصداقيتها وقدرتها على تقديم الخدمات العامة.
ان اصلاح العملية السياسية لا يتحقق بتغير الوجوه (فاجراء العملية الجراحية لا يعني الشفاء) وانما باصلاح بيئة سيادة القانون، وهو امر يستحيل القيام به الان والعملية السياسية بشكلها الحالي “ففاقد الشيئ لا يعطيه ” حيث تتصف المرحلة الحالية بالتقاطع الحاد بين الاطراف السياسية ،وبأزمة اقتصادية خانقة ،ووجود القوى المسلحة التي تتطلع لفرض كلمتها، كما ان ازمات العراق تتطلب جهدا دوليا تحت مظلة الامم المتحدة لدعم حكومة جديدة عابرة للتطرف السياسي لها مصداقية داخلية.
اما على صعيد الثروة النفطية، فينبغي وضع خطة زمنية للتحول من استنزاف الثروة النفطية لصالح الانفاق التشغيلي، والتوجه الى صالح الانفاق الاستثماري الهادف الى “تحويل الثروة النفطية الناضبة الى ثروة بشرية مستدامة”.