ان مشكلة الفهم الفقهي المعاصر بعد كبرى التحولات السياسة في العالم والمنطقة يشكل قطيعة تبعا للموروث الفقهي ، ومن هنا دأب الفقه التقليدي ومعالجة هذه الإشكالية بتبني أراء لا تخرج عن كونها عناوين ثانوية وهي بالتالي أحكام استثنائية تقدر بقدرها ووجودها مشروط بوجود مسبباتها ،
بيد حاول الفقهاء الحركيون ، حاولوا القفز على المشكلة بعد أن تبنوا الخطابات السياسة ومواجهة المتغيرات ، غير أن هذا القفز لم يقدم علاجا واقعيا حقيقيا لاصل المشكلة ولذا انسجم هذا الفريق مع خطاب الفريق التقليدي وتفعيل العناوين الثانوية لغرض تمشيت الحال ، بل يجد المتتبع أن الخطابات التقليدية اهون حالا في الجملة من خطابات غيرهم لا أقل من الناحية النظرية ،
السياق التاريخي لتشكيل الدول الحديثة ومبادئها في العالم الإسلامي شكل قلقا جديا في الاوساط الشيعية والسنية معا كون هذه الاوساط تعايشت مع النظام العثماني ردحا طويلا من الزمن سواء كان هذا النظام له شرعية بالنظر الفقهي السني او معدوم الشرعية في عصر الغيبة كما هو إجماع فقهاء الإمامية في عصر الغيبة الكبرى إلا من حاول تصحيح المسار وإعطاء الغطاء الشرعي كما في عصر الكركي إنذاك ،
بالتالي الاوساط تعايشت وهذا النظام بصرف النظر عن طبيعة الأنظار ،
وبعد معايشة طويلة جاءت كبرى الدول بحملات استعمارية وازاحت الخلافة العثمانية وحصرت نفوذها في اسطنبول وضواحيها – الى حدود دولة تركيا اليوم – فارتبك الموقف الفقهي – لا أقل في العراق – بين من يرى النهضة والمواحهة كما هو شأن مرجعيات الشيعة او الأنتظار والمهادنة في الجملة كما هو الموقف الفقهي السني ، وبالتالي خرج الشيعة بقضهم وقضيضهم من الساحة السياسة وبقي الاكثر على هامش الدولة الحديثة لتاريخ ما بعد سقوط – الصنم –
بحث الفقه الشيعي عن شكل الدولة المتصورة وطبيعتها ووظائفها وكيفية ملائمة الواقع مع الفقه والتراث الإسلامي فكان ناتج هذا الانشغال والتفكير ظهور التفكير السياسي الفقهي الإمامي ، وتأثر هذا التفكير بتجارب سياسية اسلامية من خارج المذهب كتجربة – حزب التحرير – وتجربة – اخوان حسن البنا – وصولا لتبني مشروع ولاية الفقيه العامة بعد نحت الادلة والاستظهارات من نصوص الأخبار والروايات ،
بينما اكتفى المشهور الإمامي ، والبقاء في إطار القدر المتقين من الادلة مع معالجات فقهية مرحلية من قبيل جواز قبول ولاية الظالم مع الضرورة وقبول بالتالي هداياه وتعطيل جملة من الفرائض ، آلى ان يرث الله الأرض ومن عليها بعد أمد غير معلوم ، مع ملاحظة الصراعات في مجالس الدرس بين الفريق الحركي والفريق التقليدي حول تفسير الدين وتمثيله وطبيعة الخطاب والتواصل مع الجماهير وغيرها من الاثارات التي بقيت لليوم اثارها وهو ما انتج مصطلح – الحوزة الساكتة في قبال الحوزة الناطقة – والافق ببابك ،
وفي ظل الوضع الجديد وضغط الواقع اجاز الفريق التقليدي والمشاركة الفاعلة بالقرار والحياة السياسة ، بينما كان للفريق الآخر قدم السبق في هذا المضمار تبعا لادبياته التي تبناها في رتبة سابقة ،
وبالمحصلة: في ظل الواقع الضاغط والتشابك والتقاطع بين المبادىء والمصالح لم يقدم اي فريق حلا لجماهيره بل غاية ما نجد هو ترحيل المشاكل على أن ترحيلها لا يعني حلها بقدر ما هو تأجيل الصدام ولو بعد حين وكل ذلك ناتج من أزمة القراءة الفقهية والعرف ببابك ولا مزيد ..
علي_الأصولي