يرصد الشاعر العراقي المقيم في استراليا أديب كمال الدين، دوراً استثنائياً للقصيدة في نبذ الإرهاب والعنف.
وقال ان “دور الشاعر كبير، بل عظيم، في تحقيق روح المحبة والسلام والوئام في أحلك الساعات، وهو بوصلة روحية كبيرة تشعّ شمسَ حروفٍ تكتب كلمات السلام وجُمل المحبة وقصائد التأمل في المغزى الحقيقي للحياة، وتنبذ، بقوّة وشجاعة، لغةَ التطرف والكراهية والعنف والإرهاب والعنصرية والطائفية”.
وعدّ كمال الدين ان” هذا يجب أن يتم من خلال روح الشعر الشفافة المبدعة حتى لا تتحوّل القصائد إلى مجرد نظم ميّت أو تقريرية فجّة”.
“القصيدة الحروفية”
وفي خضم مسيرة أدبية، حافلة بالمنجزات الشعرية، يدور السؤال حول القصيدة مع كمال الدين وفيما اذا حقّق مــن خلالها أحلامــه الشعـــرية؟.
في هذا الصدد، يقول كمال الدين، “أنجزتُ قصيدتي الشعرية التي اعتمدت الحرف ملاذاً روحياً وفنيّاً، وهي التي سمّاها النقّاد بـ(القصيدة الحروفيّة) وكتبوا عنها الكثير من الدراسات والمقالات والكتب. وقد نشرتُ 15 مجموعة شعرية اعتمد جلّها على هذه القصيدة. لعلّ أهمّها: نون، النقطة، أخبار المعنى، شجرة الحروف، أقول الحرف وأعني أصابعي، أربعون قصيدة عن الحرف، مواقف الألف، إشارات الألف، الحرف والغراب، رقصة الحرف الأخيرة”.ويستدرك الشاعر حول تجربته المتفردة مع الحرف “باختصار، تعتمد القصيدة الحروفيّة على اطلاق سرّ الحرف العربي، وهو سرّ كبير وخطير، ضمن مستويات الحرف التي هي برأيي: التشكيلي، التراثي، القناعي، الدلالي، الترميزي، الأسطـوري، الروحي، الخــارقي، السحري، الطلسمي، الإيقاعي، الطفولي. فالحرف كما أرى هو التعويذة الوحيدة التي لا ترتبك، وهي تواجه جنون عالمنا المعاصر، بل هي تتماسك، وهي لا تمّحي بل تمحو، حاملة إرث كل ما هو عربي وإسلامي، عميق وعظيم، قديم ومعاصر في الوقت ذاته”.بيد ان كمال الدين، وهو يخوض في الموضوع ذاته، حرص أشد الحرص على أن لا تنسخ القصيدة الحروفية ذاتها، فيؤكد “في كلّ مجموعة أحاول أن أتناول هذه المستويات من زاوية فنية وروحية جديدة حتى لا أكرّر نفْسي.
وهكذا فمجموعة (نون) مثلاً تختلف كلّياً عن مجموعة (النقطة)، ومجموعة (مواقف الألف) تختلف جذرياً عن مجموعة (الحرف والغراب)، على الرغم من أن المجاميع كلّها تعتمد الأسلوبيّة الحروفيّة وتندرج تحت خيمتها. ولأن الكتابة الشعرية، برأيي، تشبه السير في حقل ألغام لذا لا استطيع أن أقول لك متى تنتهي هذه الأحلام وما هو شكلها الأخير. لكنني مستمر في طريقي هذا إلى آخر الشوط بمشيئة الله”.
شاعر خارج السرب
وفي كتاب (الحروفيّ: 33 ناقداً يكتبون عن تجربة أديب كمال الدين الشعرية) الذي أعدّه الناقد الدكتور مقداد رحيم وصدر في بيروت 2007 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، عدّ الناقد الدكتور حسن ناظم ان تجربة كمال الدين الشعرية وضعته خارج السرب، سرب جيله السبعيني المهموم بالحداثة الشعرية على الطريقة الأدونيسية، فسلك بذلك درباً خاصاً، غامر في استكشافه وحده، وانتهى إلى هذه الغابة المتشابكة من الرموز الحروفية، والسرد المشوّق، والبناء المحكـم للنصّ.
ان الحروف التي يطلقها أديب كمال الدين تعبّر عن حيوات كاملة، وذوات فريدة، وعوالم نابعة من التخييل المبدع.
وهي احتجاج على عوالم الظلم، والضياع، والحرب، وهي خيّرة وشريرة، حيّة وميّتة، بل هي ألغاز ومفاتيح لفكّ المستغلق من هذه الألغاز نفسها.
الحروف أيضاً انسجام وتنافر، إنها التناقض المطلق. وهي، من جهة أخرى، أدوات، ووسائل، وغايات، استعملها الشاعر ليحاول استبيان غموض العالم الداخلي، وغرابة العالم الخارجي. وبطبيعة الحال، فان الحديث “مع” و “عن” كمال الدين، يقود إلى أسئلة حول البيئة التي يفجّر فيها الشاعر طاقته الإبداعية، وهو المقيم في المهجر الأسترالي حيث الحضارة المادية تتجلّى في أبرز صورها، ومدة تأثير ذلك في جعل الكتابة، حرفة، وإلى أي مدى يمكن أن يتحول المبدع إلى حرفي؟.في هذا الصدد، يقول كمال الدين “الكتابة في استراليا بالإنكليزية كما تعرف، والثيمات التي تُنشر مختلفة جذريّاً عن ثيمات الأدب العراقي والعربي. نشرتُ أكثر من مجموعة بالإنكليزية”.
انحسار قراءة الشعر
على ان الشاعر ينبّه في هذا الشأن إلى ان “السوق التجارية في استراليا وفي اوروبا وفي أميركا، لا تحبّذ الشعر الآن بكل أنواعه، وتحبّذ الرواية وكتب السياسة والاجتماع وعلم النفس كما هو معروف. وحتى الرواية تريدها بمواصفات خاصة جداً.
ما نلفت اليه الانتباه، ان قصيدة “أرق” اختيرتْ كواحدة من أفضل القصائد الاسترالية للعام 2007 ونُشِرتْ في أنطولوجيا خاصة أعدّها الشاعر الاسترالي المعروف بيتر روز. كما اختيرت قصيدة “ثمّة خطأ” واحدةً من أفضل القصائد الاسترالية المنشورة للعام 2012. ونُشِرت في أنطولوجيا خاصة بأفضل القصائد الاسترالية أعدّها الشاعر الاسترالي الشهير جون ترانتر، كما أقام اتحاد أدباء ولاية كتّاب جنوب استراليا، حفلَ توقيع لمجموعة كمال الدين “ثمّة خطأ” التي تُرجمت إلى الانكليزية، وفيه قرأت الناقدتان الاستراليتان د. آن ماري سمث ود. هِثــر جونسن مقالتين عــن المجموعة، وقرأتُ خمساً من قصــائد الشاعر، ما يعد إنجـــازا مهمــا، لشاعــر عراقي في المهجر.
ويمكن القول ان كمال الدين، ربما يعد من أبرز الشعراء العراقيين الذين استفادوا من ظروف المهجر في ترسيخ تجربتهم الشعرية، بترجمة شعره إلى الانكليزية، فيقول الشاعر عن هذا الإنجاز، بانه “تجربة جميلة لأنها ملأى بالتحديات والصعوبات، وهي في غاية الأهمية لتأكيد حضوري الأدبي في استراليا، وقد تمكنتُ من اجتيازها ولله الحمد.
فأصدرتُ أكثر من مجموعة وتمّ اختيار بعض قصائدي من أفضل الشعر الاسترالي”.
وفي إطلالة على الشعر في السياسة، يؤكد كمال الدين أن قصائده تعنى بالحدث السياسي، بشكل مباشر أو غير مباشر، لاسيما أن “أحداث العراق السياسية من النوع الزلزالي”، بوصف كمال الدين، الذي يشير الى “صعوبة أن يدير الشاعر ظهره لمثل هذه الأحـداث”.
وعلى هذا المنوال، كتب كمال الدين في دفتره الشعري، الكثير من القصائد عن هذه الأحداث الكبرى لاسيما في مجاميعه (شجرة الحروف)، (حاء)، (ما قبل الحرف.. مابعد النقطة)، (رقصة الحرف الأخيرة).
ولعلّ من أبرز تلك القصائد التي تناولت الأحداث الكبرى، بحيث كان الحدث هو ثيمتها الأساسية، “بغداد بثياب الدم”، “مطر أسود.. مطر أحمر”، “قصائد الرأس”، “راء المطر”، “الكل يرقص”.