لندن / عدنان حسين أحمد
احتضنت مؤسسة الحوار الإنساني بلندن المعرض الشخصي السابع للخطاط بهنام أكزير، وقد ضمّ المعرض “34” لوحة مُنفذة بأكثر من عشرة خطوط عربية وهي الكوفي، الرقعة، الديواني، النسخ، الفارسي، الثلث، الجلي، الطغراء، السنبلي، المحقق وخط الإجازة. تتلمذ الخطاط بهنام أكزير على يد الأستاذ القدير الخطاط المعروف يوسف ذنون، كما درس الزخرفة على يد
المزخرف المشهور الأستاذ طالب العزاوي. فمنذ سبعينات القرن الماضي كان يتمرّن على الخط والزخرفة حتى أتقنهما وصارا جزءاً لا يتجزأ من رؤيته الفنية التي تنطوي على عناصر جمالية لا يستبعد منها دائرة الفن التشكيلي أيضاً. بعد افتتاح المعرض تحدث الخطاط أكزير شاكراً جميع الحاضرين عراقيين وأجانب لحضورهم معرضه الشخصي، وتمنى للحاضرين أن يقضوا وقتاً ممتعاً بين ثنايا معرضه، وأن يستفسروا منه عن سؤال يخطر ببالهم سواء فيما يتعلق بقراءة بعض اللوحات التي يصعب قراءتها وذلك لتداخلها وتشابكها وتعشّقها في بعضها البعض، أو التقنيات والقواعد الخطية التي يستعملها. كما توقف عند الخط الكوفي الذي أخذ اسمه من مدينة الكوفة. وجدير ذكره أن هذه المبادرة تأتي في صلب اهتمام مؤسسة الحوار الإنساني “بيت السلام” التي تدعو إلى الحوار مع الآخر من أجل معرفته، وليس من أجل تغييره، وها هي المؤسسة تنفتح على كل الأديان، ليس داخل العراق حسب، وإنما في بريطانيا وغيرها من بلدان العالم. وكدأب مؤسسة الحوار الإنساني بلندن التي تحاور ضيوفها المبدعين بغية تسليط الضوء على تجاربهم الأدبية والفنية والفكرية ونشر هذه الحوارات في موقع الحوار الإليكتروني وفيما يلي جانباً من تفاصيل هذا الحوار الذي أجريناه مع الخطاط بهنام أكزير:
*إلى أية مدرسة من مدارس الخط العربي ينتمي الخطاط بهنام أكزير؟
-إلى مدرسة أستاذي الفاضل يوسف ذنون، ولا أنوي الذهاب أبعد من هذه المدرسة الكبيرة التي تخرّج منها العديد من الخطاطين الذين برزوا في هذا المضمار، وشاركوا في كثير من المعارض المحلية والدولية. وأنا أدعو المهتمين بالخط العربي التعرّف على تجربة هذا الخطاط الكبير، وقراءة كراريسه وكتبه التي أصدرها عن الخط العربي، وما انطوت عليه تجربته الشخصية من رؤى فنية وجمالية متنوعة ومفيدة.
*ماذا تقول لو أرجعتك إلى ابن مقلة وابن البواب مثلاً؟
-يعتبر ابن مقلة أول منْ وضع قواعد الخط العربي وقد اعتمد الخطاطون اللاحقون على الأبعاد والمقاييس الفنية التي وضعها. أما ابن البواب فهو الذي أرسى قواعد الخط من دون أن يتدخل فيها فظلت ثابتة إلى يومنا هذا مع الأخذ بعين الاعتبار التشذيبات التي أجراها، والتراكيب أو التكوينات الجيدة التي اقترحها. ثم جاء بعده ياقوت المستعصمي ومصطفى راقم وحافظ عثمان وحامد الآمدي وغيرهم، ولابد لي أن أشير إلى أبرز خطاط في العصر الحديث وهو هاشم محمد البغدادي الذي أعتبره واحداً من أبرز الخطاطين المتميزين عالمياً، وقد غادرنا إلى جوار ربه عام 1973، ولايزال الخطاط الكبير يوسف ذنون بيننا، ونتمنى له الصحة والسلامة والعمر المديد إنشاء الله.
*ما السمات الفنية التي تميز تجربتك في الخط العربي عن بقية الخطاطين العراقيين في الأقل؟
-الخط العربي يختلف عن بقية الفنون المتعارف عليها، فالفنان التشكيلي قد يكون واقعياً أو انطباعياً أو تعبيرياً وما إلى من مدارس فنية معروفة، وكذلك الأمر ينطبق على النحت أو أي عمل فني آخر قد تتعدد قواعده وأصوله، لكن الخط العربي له قواعد ثابتة لأن الخطاط يلتزم بهذه القواعد ولا يخرج عنها إلاّ في حالات استثنائية نادرة الحدوث. خذ مثلاً عبارة “بسم الله الرحمن الرحيم” سواء في خط الثلث أم في خط الرقعة أم في الخط الفارسي فإن كل خطاط يكتبها بشكل محدد، ويمنحها جمالية خاصة، لكن الخط بالنتيجة هو خط واحد ملتزم بالقواعد والأصول الثابتة. فاللمسة الإبداعية تظهر ضمن حدود الالتزام بهذه القواعد المشار إليها سلفا.
*ما أحب الخطوط إلى نفسك ولماذا؟
-أرقى الخطوط بالنسبة لي هو خط الثلث، ربما لأنه أصعب الخطوط من جهة، كا أنه عصي على الاتقان، ولا يستطيع أي خطاط أن يتقنه. في بدايات تعلّمي الخط العربي أحببت خط الرقعة، وهو أبسط أنواع الخطوط، كما أحببت الخط الكوفي بأنواعه المتعددة، والسبب لأنه يمنحني حرية التصرف في المدّ والتقصير لأن أصوغه مثلما أريد.
*ما الصفات التي يجب أن يتميز بها الخطاط عن غيره من الناس؟
-يحتاج الخطاط الناجح إلى توفر ثلاثة عناصر أساسية وهي المطاولة والصبر والأناة، وإذا افتقد الخطاط واحدة من هذه الصفات فإنه لا يستطيع أن يخط أبداً. كان العديد من الخطاطين يخطّون كتباً ضخمة تستغرقهم سنين طويلة تحتاج من دون شك إلى صبر قد لا يتوفر عليه الناس العاديون. فأحيانا يخط الخطاط صفحة كاملة لكنه يرتكب خطأً واحداً في نهاية الصفحة يضطره لأن يمزق الورقة كلها ويبدأ من جديد.
*هل ثمة أوجه تقارب من وجهو نظرك بين الخط العربي والفن التشكيلي، خصوصاً وأن الحرف العربي قد دخل في لوحات العديد من الفنانين العراقيين؟
-بعض الفنانين استعلموا الخط في الرسم، وبعض الخطاطين استعملوا الرسم في الخط، وحينما أدخل بعض الفنانين الحرف العربي في لوحاتهم كان الهدف جمالياً صرفاً. أما وجهة نظري الشخصية في تداخل الفنون فتتمثل بالإشارة إلى أن المنبع واحد تتفرع عنه جداول متعددة. أحب أن أشير هنا إلى أن كل الخطاطين يستعملون القصبة واللون الأسود، بينما أضافت لنا مدرسة يوسف ذنون اللون الأمر الذي اضطرنا لأن نكتب بالفرشاة أو بواسطة قلمين ثم نحشّي الفراغ، وهذا ما فعلته في لوحاتي تحديداً.