استضافت مؤسسة الحوار الانساني بلندن الكاتب والباحث العراقي ابراهيم العبادي يوم الاربعاء 28 تموز/يوليو 2021 في أمسية ثقافية على منصة زووم، تحدث فيها عن الاسلام السياسي في العراق وتحولات الاسلاميين وقدم قرأته لما بعد الاسلاموية.
ابراهيم العبادي من مواليد البصرة 1961، هو كاتب وباحث عراقي حاصل على بكالوريوس وماجستير في الدراسات الاسلامية، وحاصل على دبلوم عال في علم نفس. صدر له كتب منها؛ “نظرية الاعلام الاسلامي”، و”الاجتهاد والتجديد”، و”جداليات الفكر الاسلامي المعاصر”، و” الاقليات المسلمة في الغرب .. مشكلة الاندماج والتعايش” .كما نشر العديد من الابحاث والدراسات التي تناولت ظاهرة الارهاب مثل “الاغتراب النفسي لدى الارهابيين” .
المقدمة
شهدَت الساحة السياسية في العراق ولادة ثلاثة أجيال من الاسلاميين الشيعة على امتداد ستين عاما، والمقصود من الاسلاميين هنا تحديدا الحركات والاحزاب والتيارات والجماعات والفصائل الشيعية التي تبنت خطابا اسلاميا في مقاربة جميع قضايا المجتمع والدولة والعلاقات الدولية، وحدد بعضها هدفا ساميا لنشاطه وهو اقامة الدولة الاسلامية وأسلمة قوانين المجتمع والدولة وتحديد الموقف من الآخر القريب والبعيد يوافق منظورات يستمدها من منظومة التراث والتاريخ الاسلامي ومحدداته العقدية والفقهية.
وفق هذا التعريف الاجرائي فان القوى الاسلامية تصنف نفسها ويصنفها غيرها، بأنها تتمسك بهوية خاصة بها تتمايز بها عن المجتمع التقليدي العام، وتتمايز عن القوى الاخرى ايديولوجيا وسياسيا، وقد خاضت هذه القوى بحسب اجيالها صراعا فكريا وسياسيا اتخذ اطوارا سلمية وعنيفة بحسب الظرف الذي عاشته، الى ان استقرت الخريطة السياسية العراقية على ماهي عليه راهناً بعد كل المحطات العاصفة التي مر بها العراق، حيث يبدو التيار السياسي الاسلامي الشيعي هو الكتلة الاعلى صوتا والأكثر هيمنة وتأثيراً في المشهد السياسي، ومازال هذا التيار بكل تلاوينه الداخلية ومشكلاته الذاتية وصراعاته وتنافساته وارتباطات جماعاته، حريصا على خوض معارك الوجود دفاعاً عن المساحة والحيز الاجتماعي والنفوذ السياسي، وهو يعتقد انه الأحق بتمثيل الجمهور الشيعي في ساحة شديدة التعقيد، حيث يدور صراع على السلطة والثروة والموارد، ويغدو امتلاك السلطة والتأثير في السياسات هدفا بذاته، يتكرس بدوافع ايديولوجية ومصلحية، ويستجيب لاشكال الصراع والتنافس التي تشهدها المنطقة عامة والعراق خاصة.
فالصراع في العراق لاينطلق من محركات ذاتية بحتة، وليس بدوافع التمثيل عن الجماعة العرقية أو الاثنية أو المذهبية فحسب، بل هو ساحة صراع إقليمي ودولي، وبهذا صار ترتيب الوضع الداخلي مرتبطا بتأثير تقاطعات المصالح بين المحاور وقوى النفوذ الاقليمية والدولية.
هل كان التيار الاسلامي السياسي الشيعي كتلة واحدة ويمتلك رؤية موحدة؟
وهل ان مقارباته لقضايا العراق تصدر كلها من رؤية (مذهبية) ام انها تختلف باختلاف محددات الفكر السياسي والتنظيمي والأهداف الكبرى؟
الاسلاميون الشيعة اجيال ثلاثة كما اسلفنا، ولكل جيل منهم اولوياته وزعاماته ومنظوراته وظروف انطلاقته واشتغالاته الايديولوجية، وهذه الاجيال وان اجتمعت في لحظة حاسمة راهنة ،لكن مشتركاتهم العملية واختلافاتهم وحساسياتهم ومرجعياتهم الفكرية والسياسية تركت تأثيرا بالغاً على صورتها في الشارع، وحددت مساحة العمل وستراتيجته واولويات الفعل الاجتماعي والسياسي وطبيعة الشعارات، في سيرورة لم تكتمل بعد وهي متأثرة بقوة وفاعلية المنافسين وانعكاسات الصراع الاقليمي والدولي وامتداداته داخل العراق.
فمثلما تأثر الجيل الاسلامي الاول بالصراع بين الشرق والغرب، والحرب الباردة بين المعسكرين، وصراع الافكار والتيارات الايديولوجية القومية والماركسية و(الغزو الثقافي) وانطلاق تيارات اسلام سياسي سنية،…. فان الجيل الثاني تبلور بعد الانتفاضة الشعبية بعد سنوات القمع الشديد وازمة الكويت والحصار والفقر والمعاناة الانسانية الرهيبة ثم احتلال العراق، اما الجيل الثالث فانه ولد في لحظة اصطدام متعدد الاشكال على ارض العراق، من سياسات الاحتلال، الى الارهاب السلفي الجهادي وسقوط ثلث العراق، الى الصراع الطائفي في المنطقة، والاصطدام الايراني -الاميركي، وفوضى ثورات (الربيع العربي)، من مصر الى سوريا، ومن ادلب الى باب المندب، وكل هذه المؤثرات تركت اثاراً خطيرة في تصورات اجيال الاسلاميين عن انفسهم واهدافهم وفي تعريفاتهم لذواتهم وللآخر، وشكل علاقاتهم وتحالفاتهم، اي دولة يريدون؟
واي موقع سياسي واجتماعي يرتضون؟. ومع من ينتظمون في الموقف والشعار؟.
ولكل ذلك ثمنه الاجتماعي والامني والاقتصادي والسياسي، بما حمّل الدولة اعباء اعاقت عملية بنائها، فصار هذا التيار يتحمل قسطه من المسؤولية في تأخير بناء الدولة واستقرارها.
أجيال الاسلاميين الثلاثة
شهدت الساحة السياسية في العراق ولادة ثلاثة اجيال من الاسلاميين الشيعة على امتداد ستين عاما، والمقصود من الاسلاميين هنا تحديدا الحركات والاحزاب والتيارات والجماعات والفصائل الشيعية التي تبنت خطابا اسلاميا في مقاربة جميع قضايا المجتمع والدولة والعلاقات الدولية، وحدد بعضها هدفا ساميا لنشاطه وهو اقامة الدولة الاسلامية واسلمة قوانين المجتمع والدولة وتحديد الموقف من الاخر القريب والبعيد يوافق منظورات يستمدها من منظومة التراث والتاريخ الاسلامي ومحدداته العقدية والفقهية.
وفق هذا التعريف الاجرائي فان القوى الاسلامية تصنف نفسها، ويصنفها غيرها، بأنها تتمسك بهوية خاصة بها تتمايز بها عن المجتمع التقليدي العام ، وتتمايز عن القوى الاخرى ايديولوجيا وسياسيا ، وقد خاضت هذه القوى بحسب اجيالها صراعا فكريا وسياسيا اتخذ اطوارا سلمية وعنيفة بحسب الظرف الذي عاشته ، الى ان استقرت الخريطة السياسية العراقية على ماهي عليه راهنا بعد كل المحطات العاصفة التي مر بها العراق ، حيث يبدو التيار السياسي الاسلامي الشيعي هو الكتلة الاعلى صوتا والاكثر هيمنة وتأثيرا على المشهد السياسي .
ومازال هذا التيار بكل تلاوينه الداخلية ومشاكله الذاتية وصراعاته وتنافساته وارتباطات جماعاته، حريصا على خوض معارك الوجود دفاعا عن المساحة والحيز الاجتماعي والنفوذ السياسي، وهو يعتقد أنه الاحق بتمثيل الجمهور الشيعي في ساحة شديدة التعقيد، حيث يدور صراع على السلطة والثروة والموارد، ويغدو امتلاك السلطة والتأثير في السياسات هدفا بذاته، يتكرس بدوافع ايديولوجية ومصلحية، ويستجيب لاشكال الصراع والتنافس التي تشهدها المنطقة عامة والعراق خاصة.
فالصراع في العراق لاينطلق من محركات ذاتية بحتة، وليس بدوافع التمثيل عن الجماعة العرقية او الاثنية او المذهبية فحسب ، بل هو ساحة صراع اقليمي ودولي ، وبهذا صار ترتيب الوضع الداخلي مرتبطا بتاثير تقاطعات المصالح بين المحاور وقوى النفوذ الاقليمية والدولية. لكن هل كان التيار الاسلامي السياسي الشيعي كتلة واحدة ويمتلك رؤية موحدة؟ وهل ان مقارباته لقضايا العراق تصدر كلها من رؤية (مذهبية)؟ أم انها تختلف باختلاف محددات الفكر السياسي والتنظيمي والاهداف الكبرى؟ الاسلاميون الشيعة اجيالا ثلاثة كما اسلفنا، ولكل جيل منهم اولوياته وزعاماته ومنظوراته وظروف انطلاقته واشتغالاته الايديولوجية ،وهذه الاجيال وان اجتمعت في لحظة حاسمة راهنة، لكن مشتركاتهم العملية واختلافاتهم وحساسياتهم ومرجعياتهم الفكرية والسياسية تركت تإثيرا بالغا على صورتها في الشارع،وحددت مساحة العمل وستراتيجته واولويات الفعل الاجتماعي والسياسي وطبيعة الشعارات ،في سيرورة لم تكتمل بعد وهي متأثرة بقوة وفاعلية المنافسين وانعكاسات الصراع الاقليمي والدولي وامتداداته داخل العراق.
فمثلما تأثر الجيل الاسلامي الاول بالصراع بين الشرق والغرب، والحرب الباردة بين المعسكرين، وصراع الافكار والتيارات الايديولوجية القومية والماركسية و(الغزو الثقافي )وانطلاق تيارات اسلام سياسي سنية، فان الجيل الثاني تبلور بعد الانتفاضة الشعبية بعد سنوات القمع الشديد وازمة الكويت والحصار والفقر والمعاناة الانسانية الرهيبة ثم احتلال العراق، أما الجيل الثالث فأنه ولد في لحظة اصطدام متعدد الاشكال على ارض العراق، من سياسات الاحتلال، الى الارهاب السلفي الجهادي وسقوط ثلث العراق، الى الصراع الطائفي في المنطقة، والاصطدام الايراني -الامريكي، وفوضى ثورات (الربيع العربي)، من مصر الى سوريا ،ومن ادلب الى باب المندب ،وكل هذه المؤثرات تركت أثارا خطيرة في تصورات اجيال الاسلاميين عن انفسهم واهدافهم وفي تعريفاتهم لذواتهم وللاخر ،وشكل علاقاتهم وتحالفاتهم ،اي دولة يريدون ؟ واي موقع سياسي واجتماعي يرتضون ؟،ومع من ينتظمون في الموقف والشعار ؟. ولكل ذلك ثمنه الاجتماعي والامني والاقتصادي والسياسي ،بما حمّل الدولة من أعباء أعاقت عملية بناءها، فصار هذا التيار يتحمل قسطه من المسؤولية في تأخير بناء الدولة واستقرارها.
و يحرص الاسلاميون عموما على تقديم أنفسهم على إنهم اقرب القوى السياسة الى نبض الشارع، فهم من وجهة نظرهم يمثلون تاريخ الامة وثقافتها، وهم المدافعون عن تراثها و فكرها الحضاري، وهم الاصدق في تمثيل الجمهور ذي الاكثرية المتدينة، والاكثر اخلاصا في الدفاع عن خصوصيات الامة وقضاياها ومعاركها المصيرية .
لاأحد يشك في إن اخفاق مشاريع النهوض والتنمية وتأسيس الدولة وصيانتها في منطقتنا الاسلامية على مدى قرن ونصف من الزمان، سمح للاسلاميين تأكيد أنفسهم بانهم الخيار الصحيح والاخير، فالمشاريع التي أخفقت كانت ذات مرجعيات غير اسلامية، انها غربية التصميم والتأسيس، ولانها كذلك لم تنجح في حل مشكلات بلداننا الاقتصادية والسياسية والثقافية، إذ أنها عمقت التبعية، وأخسرت الامة معاركها الكبرى، وجعلت الذات الفردية والجماعية مستلبة لمرجعيات فكرية وثقافية، ففشلت في تعبئة الموارد لمواجهة التحديات المتضخمة الناتجة من الصراع الحضاري. بالاجمال كانت حلولا (مستوردة)، ومع اخفاق عملية الاستيراد تطلب الامر ان يعود الناس الى (ذواتهم) ،والى مرجعيتهم الفكرية والحضارية ، وان يحافظوا على خصوصياتهم الثقافية، ويؤسسوا لشرعيات دولهم ونظمهم السياسية تأسيسا يقطع مع (الغرب)،ويعود الى الشرعية الاسلامية ، فكان شعار (الاسلام هو الحل)،هو العنوان الاثير لدى الحركيين والحزبيين والناشطين الاسلاميين، وجاءت الثورة الاسلامية في ايران وتأسيس الجمهورية ومباشرتها الصراع من اوسع ابوابه، ليرسخ القناعة لدى معظم الاسلاميين بان الصعود الاسلامي ودورة الاحياء ( الحضاري) والصحوة الاسلامية لابد ان تتبلور بقوة ، باعادة تجسيد الاسلام بانظمة حكم أومشاريع مقاومة للغرب ومنظوماته السياسية في المنطقة المتمثلة بالانظمة القائمة ، والتصدي لاسرائيل رأس المشروع الحضاري الغربي في قلب العالم الاسلامي .
وفق هذه القناعات دارت رحى صراعات وخصومات داخلية وخارجية ،سقطت فيها انظمة وانهارت دول، وتخلفت مجتمعات، واهـُدرت طاقات كبرى، ووجد الاسلاميون انفسهم في قتال ناعم وخشن وعلى جميع الاصعدة، بعد حصاد التجارب بتنا نشهد مرحلة مراجعات أجتماعية وسياسية كبرى ، فقد صار (الاسلام السياسي) موضع تساؤل، فكرا ونظرية وتنظيمات وسلوكا، ينطبق هذا الكلام على جميع الاسلاميين ،سنة وشيعة ،من نجح ومن اخفق ، وكان نصيب الاسلاميين الشيعة في العراق كبيرا من هذا النقد والرفض والاعتراض، فشعار الاسلام والدولة الاسلامية هو الحل، لم يزد الجمهور قناعة بصحة هذا الخيار رغم انه جمهور متدين في الغالب،الشعار والرموز المقدسة والنظرية والفكرة تبقى مثالية وجميلة ومرغوبة حينما تجسدها ممارسات وسلوكات وقيادات وكوادر وتنظيمات تقدم مصلحة المواطن البسيط والانسان الفقير، تريد انقاذه من محنته، تبني له نموذجا سلطويا عادلا،تشعره بالامن والسلام، وتحقق له التنمية والازدهار، تتيح له فرصا متكافئة، في مناخ يسوده القانون والايثار والتضامن والحرص على الاهداف الانسانية الكبرى.
أين الاسلاميون من ذلك؟ كيف جسدوا نظريتهم في الدولة والهوية والادارة والاقتصاد والعلاقة مع الاخر والمشروع الثقافي؟ كانت لدى جيلهم الاول أفكارا فيما ضاع جيلهم الثاني والثالث في حمأة صراع اجتماعي-سياسي هوياتي بلا فكر ولانظرية ، فسقطت النظرية وتغلب جيل السلاح والشعار .
ما بعد الاسلاموية
كان الاسلاميون بحاجة الى فقه الاولويات ، والى اخلاق التضحيات، والى معرفة بالمشروع الحضاري الذي كانوا يتخيلونه ويحلمون به .بعد مخاض التجارب تبين إن المسافة تباعدت بين تنظيمات الاسلام السياسي الحركي والجمهور العام، وتبين إن السلطوية عند الاسلاميين ليست أقل وطأة مما عند خصومهم، وإن المراهقة السياسية والطيش السياسي ليست من مختصات القوميين واليساريين والاحزاب الشمولية والزعامات الفردية .
كان فقه الدولة والادارة وفهم المجتمع وحسن السلوك السياسي وبناء الذات، شعارات وكتابات نظرية فحسب، بين النظرية في مراحلها السرية او البعيدة عن الاضواء، جرت الامور ليظهر أن الاسلاميين يعانون من فصام شديد مع الدولة، فكرا ونظرية وعلاقات وممارسات، وانكشف أيضا إن النوايا الحسنة والشعارات الجميلة والحماسة الزائدة والرغبة في الموت المقدس لاتحل مشكلات اجتماعية ولاتؤسس لتنمية حقيقية ولاتخفض من مستويات الفقر، بل إن ادارة الدول أمرا معقدا يستلزم تكوينا معرفيا مختلفا عما الفه الاسلاميون في ادبياتهم، والتي بدت ساعة الاختبار بسيطة وفقيرة واحيانا ساذجة وفضفاضة.
الاسلاميون يخوضون معارك وجود في هذا الظرف لأن مشروعيتهم السياسية تتعرض لاهتزاز كبير، ولأن شعارهم النبيل لم يقلص الفساد ولا كرس اخلاقية عملية ناجحة تعيد الثقة بالمشروع -الحلم، الاسلاميون في معركة شديدة التعقيد ومحنة لاتخصهم وحدهم، فهي متعلقة بصورة اجيالهم الراحلة والراهنة والقادمة، هي محنة أمة ودولة، وأمامهم شوط من المعارك يعرفون هم قبل غيرهم حجمها ونتائجها.